مقال: خليل محمود الصمادي
يصف الكثيرون مخيم اليرموك بأنه يبدأ من حارة الفدائية، وينتهي بمقبرة الشهداء، بل بمقبرتين بعد عام 1980، الأولى في الجنوب الشرقي ، والثانية في الجنوب الغربي من المخيم.
لم يفكر أهل مخيم اليرموك في نهاية 1954 بإنشاء مقبرة تضم رفات المتوفين منهم ، فقد كانوا يدفنون موتاهم في مقبرة بوابة الله بالميدان أو في مقبرة الحقلة قرب الجزماتية ، أو في المقبرة الأقرب للمخيم والتي أزيلت عام 1970 وأنشئ مكانها ما يعرف ببنايات الأربعة عشرة؛ والتي تقع غرب دوار البطيخة بالضبط.
وفي بداية الستينات تم افتتاح أول مقبرة في جنوب المخيم بالقرب من حارة المغاربة والمحاذية لبساتين يلدا، واتسعت فيما بعد حتى صارت تضم آلاف المراقد الذين تمنوا أن يدفنوا في فلسطين .
مقبرة الشهداء الأولى : قبل انطلاق الثورة الفلسطينية بأشهر وبالتحديد في تشرين الثاني من عام 1964 سقط الشهيدان علي الخربوش ومفلح السالم وهما من ضمن كتيبة الاستطلاع السورية التي كانت ترصد تحركات الصهاينة في شمال فلسطين، وتم تسليم جثمانيهما للحكومة السورية، وفي موكب مهيب شيع المخيم الشهيدين ونظرا لما قدماه من تضحيات جمة تم الاتفاق على دفنهما في الجهة الشرقية من المقبرة والتي صارت تعرف فيما بعد بمقبرة الشهداء.
توسع المقبرة :
بعد أشهر قليلة من دفن الشهيدين بدأ الكفاح المسلح الفلسطيني، وظهرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " وبعد قيام الفدائيين بعدة عمليات عسكرية ارتقى العديد من الشهداء وتم دفنهم في مقبرة الشهداء، وأضيف إليها فيما بعد جميع شهداء التنظيمات الفلسطينية بما فيهم شهداء جيش التحرير الفلسطيني، وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، ولا سيما بعد حرب 1973 واستشهاد العشرات من الفلسطينيين في المعارك بدأ الاهتمام بالمقبرة فأنشئ فيها نصب للجندي المجهول مع مجسم لخارطة فلسطين ، كما أقام جيش التحرير الفلسطيني متحفاً ضم بعض ذكريات الشهداء من صور ومقتنيات وأسلحة وغيرها.
القادة الشهداء في المقبرة الأولى :
حوت المقبرة الأولى على أكثر من ألفي جثمان لشهداء ممن ضحوا بأنفسهم إما في المعارك مع الصهاينة خلال الكفاح المسلح منذ عام 65 ، وممن سقط في حرب تشرين 1973 أو في المعارك في لبنان مع الصهاينة وغيرهم، أو ممن اغتيلوا في أوروبا وغيرها، ومن الذين دفنوا فيها أسماء كثيرة من قادة وسفراء وكتاب وصحفيين ونذكر منهم :
ممدوح صبري صيدم 1971،عز الدين القلق " 1978" زهير محسن "1979" ، عبد الكريم الكرمي " 1980" سعد صايل " 1982" خليل الوزير " 1988 ، ، عبد المحسن أبو ميزر 1992، ، محمد عباس 2004، محمد داوود عودة 2010 وغيرهم وفي نهاية عام 1979 توقف الدفن فيها إلا لحالات قليلة.
مقبرة الشهداء الثانية :
بعد أن امتلأت المقبرة القديمة بقسميها صارت الحاجة ملحة لإنشاء مقبرة جديدة ،فاجتمع نفر من وجهاء المخيم واتفقوا مع حركة فتح وتم شراء قطعة أرض كبيرة حوالي خمسين دونما تقع في نهاية شارع اليرموك وتم افتتاحها في عام 1980 ومن المصادفة أن رئيس لجنة المقبرة لطفي حجازي توفي يوم افتتاحها وكان أول من دفن فيها، وجهز في القسم الجنوبي من المقبرة منصة كبيرة للخطابات والتأبين، كما خصص ربع أرض المقبرة للشهداء حيث تم دفن المئات خلال تلك الفترة من فلسطينيين وسوريين وعرب من جنسيات عديدة عملوا مع الثورة الفلسطينية، ومن القادة الذين دفنوا فيها: الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي ،1995 وجهاد جبريل 2002 ، وعز الدين الشيخ خليل 2004، ومحمود المبحوح 2010 و درويش الأبيض رئيس الصندوق القومي الفلسطيني غيرهم .
الاحتفاء بزيارة مقابر الشهداء : دأبت قيادة الفصائل الفلسطينية وقيادة جيش التحرير الفلسطيني في كل عيد على زيارة مقبرة الشهداء بعد صلاة العيد مباشرة في مسيرات رسمية تتخللها عروض الكشافة والموسيقى ووضع أكاليل الزهور على نصب الجندي المجهول، وقراءة الفاتحة، وظلت هذه العادة متبعة حتى آخر عيد قبل الخروج،
الإفراج عن جثامين الأسرى : استقبلت المقبرة الجديدة عام 2008 جثامين ما عرف بمقبرة الارقام الصهيونية ضمن صفقة لتبادل الأسرى وتم دفن ما يقارب من ثلاثين جثة وسط انقسام بين المجتمع الفلسطيني فقد اعتبر الكثيرون أن هذه الخطوة غير موفقة فتراب فلسطين أولى بهم.
حوادث في المقابر :
في عام 1974 شيعت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين جنازة رمزية لشهداء معالوت " ترشيحا " وقد أقامت الجبهة الديمقراطية حفلا كبيرا حضره الكثير من أصدقاء الجبهة من سوريين وسفراء من الدول الاشتراكية ووفود صحفية من الخارج والداخل ، وما أن بدأ نايف حواتمة بإلقاء كلمته حتى هب المئات بالصراخ وهتاف شعار " "سحقًا سحقًا بالإقدام .... يا دعاة الاستسلام "، وتقدم بعض المتحمسين نحو المنصة ؛ وما كان من حرس الأمين العام إلا أن أطلقوا النيران في الهواء تخويفا للمهاجمين ؛ فهاج الحاضرون وماجوا وفزع الجميع وفروا تاركين وراءهم الكراسي الملقاة على الأرض ومئات من الأحذية تناثرت في المقبرة ، وتم تهريب حواتمة وضيوفه والخروج من المخيم، ومن سوء حظ الجبهة أنها في تلك الفترة أيدت قيام الدولتين التي أدت إلى انقسام المنظمة والشعب الفلسطيني .
في ذكرى انكبة عام 2011 استشهد 4 فلسطينيين على الحدود مع الجولان السوري المحتل في مسيرة العودة الأولى دفنت جثامينهم في مقبرة الشهداء، وفي ذكرى الخامس من حزيران 2012 وأثناء مسيرة العودة الثانية ارتقى 24 شهيدا في الجولان وجرح حوالي مئة متظاهر ، وفي اليوم التالي تم تشييع نصفهم إلى الشهداء لمقبرة الشهداء الجديدة في أجواء مشحونة نتيجة اتهام الأهالي للفصائل الفلسطينية بالتواطؤ في إرسال أبنائهم العزّل للموت على حدود الأراضي المحتلة .
مشكلة دفن الفلسطينيين خارج المخيم : بعد نزوح أغلب أهل المخيم ولا سيما الذين سكنوا حول العاصمة واجهتم مشكلة طارئة تتمثل في دفن موتاهم؛ لا سيما أن المقابر المجاورة للمخيم اكتظت أو غلا سعرها حيث كان يكلف فتح القبر القديم في مقبرة باب مصلى أو الدحداح حوالي نصف مليون ليرة سورية ؛ لذا سعت الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى إدخال الجثامين عن طريق فروع الأمن بالتنسيق مع محتلي المخيم من داعش والنصرة وبالفعل تم إدخال أكثر من 500 جثمان تم دفنهم في مقبرة الشهداء القديمة بتكلفة قليلة لا تتجاوز 25 ألف ليرة سورية، وكان يسمح للمتوفى أن يرافقه اثنان من الأقارب فقط في عملية صعبة، إذ كان يتم الوصول بالجثمان بسيارة إسعاف مشفى يافا إلى حاجز بيت سحم، حيث يتم الكشف عن الجثة ، ثم تأتي سيارة نقل صغيرة " سوزوكي" تحمل الجثة أو الجثث إلى حاجز المعارضة المسلحة الذي لا يبعد عن حاجز الأمن سوى خمسين متراً ، وهناك أيضا يتم الكشف عن الجثث ويؤذن لها بالدخول عن طريق ببيلا ويلدا وقبل المقبرة بمئة متر يتم الكشف عن الجثث من قبل حاجز داعش المسيطر على المنطقة القريبة من المقبرة، ويتم الإذن بالدخول والدفن، هذا وقد تم فتح كثير من القبور ووضع المتوفين فيها ، أو حفر ما تيسر بين القبور، وأما المقبرة الجديدة فلم يتم الاتفاق على دفن الجثث فيها نظرا لبعدها عن المقبرة القديمة والتي تقع على أطراف يلدا الآمنة نوعا ما.
المقبرتان خلال أزمة اليرموك :
تعرضت المقبرة الجديدة للقصف ولا سيما قذائف الهاون في بداية الأحداث، وقبل هجرة الناس من المخيم غدا الدفن صعبا إذ كان لا يرافق الجنازة إلا خمسة أفراد على الأكثر وذلك لقرب المقبرة الجديدة من منطقة الحجر الأسود الساخنة وبعد خروج معظم الأهالي توقف الدفن نهائيا فيها، واتخذ بعض المسلحين أماكن لهم في المقبرتين وفي محطيهما، فلا شك أنهما أصيبتا بأضرار متوسطة خلال تبادل إطلاق النار بين الطرفين .
وخلال احتلال تنظيم داعش للمقبرتين طغت على الساحة الإعلامية اتهامات عديدة منها أن التنظيم كسر شواهد القبور بل أنه نبش قبور قادة الشهداء وخاضت الصحافة الفلسطينية ووسائل التواصل الاجتماعي في هذا الجانب حتى أن أصواتا من رام الله نادت بنقل جثامين القادة لرام الله ، إلا أن هذه الشبهات تبددت بعد تأكيد كثير ممن دخلوا المقبرتين أن لا تغيير فيها وكل الذي ينشر عبارة عن روايات لا أدلة عليها ونشر بعض الناشطين صورا لقبور عديدة تم التأكد منها ، غير أن بعض شواهد القبور بفعل القذائف سقطت على الأرض، ولا يخلو الأمر كذلك من قيام بعض المتشددين من داعش وغيرها بكسر شواهد القبور للشهداء وغيرهم بحجة مخالفتها للشرع . ولكن المفاجأة الكبرى كانت بعد خروج التنظيمات المسلحة من المخيم أن أغلب أبنية المخيم سويت بالأرض ، أو أطالها الدمار الكبير، أما المقبرتان بشقيهما المدني والعسكري فقد طالهما أيضا الدمار وكثير ومن القبور درست، كما تعرض عدد من القبور في مقبرة اليرموك الجديدة في شتاء 2015 للانهيار بسبب تراكم الثلوج فوقها، ما أدى إلى انهيار القبور إذ لا زوار أو حراس أو شمس أذابت الجليد.
مستقبل مقبرتي الشهداء : نظرَا لما تمثله هاتين المقبرتين من رمزية لدى جموع اللاجئين الفلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك والفصائل الفلسطينية فقد دعت قياداتها إلى ترميم المقبرتين قبل البدء بأي عمل في المخيم وستشكل لجنة من أجل البحث عن قبور الشهداء ونصبها، ووضع الشواهد عليها؛ إذ أن غالب الشواهد تكسرت واختلطت بعضها ببعض ، وبالفعل بدأت قيادة فتح مع بعض المتطوعين بحملة تنظيف المقبرة القديمة قبل عيد الفطر بيومين حتى يتسنى إعادة رمزيتها ولاسيما في العيد الأول في المخيم بعد سبع سنوات عجاف، وبعد مراسم الزيارة لابد من إعادة تنظيم القبور،وغالبا ما ستواجه اللجنة معوقات كثيرة أهمها عدم وجود مخطط لقبور الشهداء ، أو وجود إرشيف لها، ولا بد من الاستعانة ببعض الشهود أو الأقارب وبما يجدونه من صور وتسجيلات يتم بموجبها تحديد الأماكن ما أمكن.
يصف الكثيرون مخيم اليرموك بأنه يبدأ من حارة الفدائية، وينتهي بمقبرة الشهداء، بل بمقبرتين بعد عام 1980، الأولى في الجنوب الشرقي ، والثانية في الجنوب الغربي من المخيم.
لم يفكر أهل مخيم اليرموك في نهاية 1954 بإنشاء مقبرة تضم رفات المتوفين منهم ، فقد كانوا يدفنون موتاهم في مقبرة بوابة الله بالميدان أو في مقبرة الحقلة قرب الجزماتية ، أو في المقبرة الأقرب للمخيم والتي أزيلت عام 1970 وأنشئ مكانها ما يعرف ببنايات الأربعة عشرة؛ والتي تقع غرب دوار البطيخة بالضبط.
وفي بداية الستينات تم افتتاح أول مقبرة في جنوب المخيم بالقرب من حارة المغاربة والمحاذية لبساتين يلدا، واتسعت فيما بعد حتى صارت تضم آلاف المراقد الذين تمنوا أن يدفنوا في فلسطين .
مقبرة الشهداء الأولى : قبل انطلاق الثورة الفلسطينية بأشهر وبالتحديد في تشرين الثاني من عام 1964 سقط الشهيدان علي الخربوش ومفلح السالم وهما من ضمن كتيبة الاستطلاع السورية التي كانت ترصد تحركات الصهاينة في شمال فلسطين، وتم تسليم جثمانيهما للحكومة السورية، وفي موكب مهيب شيع المخيم الشهيدين ونظرا لما قدماه من تضحيات جمة تم الاتفاق على دفنهما في الجهة الشرقية من المقبرة والتي صارت تعرف فيما بعد بمقبرة الشهداء.
توسع المقبرة :
بعد أشهر قليلة من دفن الشهيدين بدأ الكفاح المسلح الفلسطيني، وظهرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " وبعد قيام الفدائيين بعدة عمليات عسكرية ارتقى العديد من الشهداء وتم دفنهم في مقبرة الشهداء، وأضيف إليها فيما بعد جميع شهداء التنظيمات الفلسطينية بما فيهم شهداء جيش التحرير الفلسطيني، وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، ولا سيما بعد حرب 1973 واستشهاد العشرات من الفلسطينيين في المعارك بدأ الاهتمام بالمقبرة فأنشئ فيها نصب للجندي المجهول مع مجسم لخارطة فلسطين ، كما أقام جيش التحرير الفلسطيني متحفاً ضم بعض ذكريات الشهداء من صور ومقتنيات وأسلحة وغيرها.
القادة الشهداء في المقبرة الأولى :
حوت المقبرة الأولى على أكثر من ألفي جثمان لشهداء ممن ضحوا بأنفسهم إما في المعارك مع الصهاينة خلال الكفاح المسلح منذ عام 65 ، وممن سقط في حرب تشرين 1973 أو في المعارك في لبنان مع الصهاينة وغيرهم، أو ممن اغتيلوا في أوروبا وغيرها، ومن الذين دفنوا فيها أسماء كثيرة من قادة وسفراء وكتاب وصحفيين ونذكر منهم :
ممدوح صبري صيدم 1971،عز الدين القلق " 1978" زهير محسن "1979" ، عبد الكريم الكرمي " 1980" سعد صايل " 1982" خليل الوزير " 1988 ، ، عبد المحسن أبو ميزر 1992، ، محمد عباس 2004، محمد داوود عودة 2010 وغيرهم وفي نهاية عام 1979 توقف الدفن فيها إلا لحالات قليلة.
مقبرة الشهداء الثانية :
بعد أن امتلأت المقبرة القديمة بقسميها صارت الحاجة ملحة لإنشاء مقبرة جديدة ،فاجتمع نفر من وجهاء المخيم واتفقوا مع حركة فتح وتم شراء قطعة أرض كبيرة حوالي خمسين دونما تقع في نهاية شارع اليرموك وتم افتتاحها في عام 1980 ومن المصادفة أن رئيس لجنة المقبرة لطفي حجازي توفي يوم افتتاحها وكان أول من دفن فيها، وجهز في القسم الجنوبي من المقبرة منصة كبيرة للخطابات والتأبين، كما خصص ربع أرض المقبرة للشهداء حيث تم دفن المئات خلال تلك الفترة من فلسطينيين وسوريين وعرب من جنسيات عديدة عملوا مع الثورة الفلسطينية، ومن القادة الذين دفنوا فيها: الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي ،1995 وجهاد جبريل 2002 ، وعز الدين الشيخ خليل 2004، ومحمود المبحوح 2010 و درويش الأبيض رئيس الصندوق القومي الفلسطيني غيرهم .
الاحتفاء بزيارة مقابر الشهداء : دأبت قيادة الفصائل الفلسطينية وقيادة جيش التحرير الفلسطيني في كل عيد على زيارة مقبرة الشهداء بعد صلاة العيد مباشرة في مسيرات رسمية تتخللها عروض الكشافة والموسيقى ووضع أكاليل الزهور على نصب الجندي المجهول، وقراءة الفاتحة، وظلت هذه العادة متبعة حتى آخر عيد قبل الخروج،
الإفراج عن جثامين الأسرى : استقبلت المقبرة الجديدة عام 2008 جثامين ما عرف بمقبرة الارقام الصهيونية ضمن صفقة لتبادل الأسرى وتم دفن ما يقارب من ثلاثين جثة وسط انقسام بين المجتمع الفلسطيني فقد اعتبر الكثيرون أن هذه الخطوة غير موفقة فتراب فلسطين أولى بهم.
حوادث في المقابر :
في عام 1974 شيعت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين جنازة رمزية لشهداء معالوت " ترشيحا " وقد أقامت الجبهة الديمقراطية حفلا كبيرا حضره الكثير من أصدقاء الجبهة من سوريين وسفراء من الدول الاشتراكية ووفود صحفية من الخارج والداخل ، وما أن بدأ نايف حواتمة بإلقاء كلمته حتى هب المئات بالصراخ وهتاف شعار " "سحقًا سحقًا بالإقدام .... يا دعاة الاستسلام "، وتقدم بعض المتحمسين نحو المنصة ؛ وما كان من حرس الأمين العام إلا أن أطلقوا النيران في الهواء تخويفا للمهاجمين ؛ فهاج الحاضرون وماجوا وفزع الجميع وفروا تاركين وراءهم الكراسي الملقاة على الأرض ومئات من الأحذية تناثرت في المقبرة ، وتم تهريب حواتمة وضيوفه والخروج من المخيم، ومن سوء حظ الجبهة أنها في تلك الفترة أيدت قيام الدولتين التي أدت إلى انقسام المنظمة والشعب الفلسطيني .
في ذكرى انكبة عام 2011 استشهد 4 فلسطينيين على الحدود مع الجولان السوري المحتل في مسيرة العودة الأولى دفنت جثامينهم في مقبرة الشهداء، وفي ذكرى الخامس من حزيران 2012 وأثناء مسيرة العودة الثانية ارتقى 24 شهيدا في الجولان وجرح حوالي مئة متظاهر ، وفي اليوم التالي تم تشييع نصفهم إلى الشهداء لمقبرة الشهداء الجديدة في أجواء مشحونة نتيجة اتهام الأهالي للفصائل الفلسطينية بالتواطؤ في إرسال أبنائهم العزّل للموت على حدود الأراضي المحتلة .
مشكلة دفن الفلسطينيين خارج المخيم : بعد نزوح أغلب أهل المخيم ولا سيما الذين سكنوا حول العاصمة واجهتم مشكلة طارئة تتمثل في دفن موتاهم؛ لا سيما أن المقابر المجاورة للمخيم اكتظت أو غلا سعرها حيث كان يكلف فتح القبر القديم في مقبرة باب مصلى أو الدحداح حوالي نصف مليون ليرة سورية ؛ لذا سعت الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى إدخال الجثامين عن طريق فروع الأمن بالتنسيق مع محتلي المخيم من داعش والنصرة وبالفعل تم إدخال أكثر من 500 جثمان تم دفنهم في مقبرة الشهداء القديمة بتكلفة قليلة لا تتجاوز 25 ألف ليرة سورية، وكان يسمح للمتوفى أن يرافقه اثنان من الأقارب فقط في عملية صعبة، إذ كان يتم الوصول بالجثمان بسيارة إسعاف مشفى يافا إلى حاجز بيت سحم، حيث يتم الكشف عن الجثة ، ثم تأتي سيارة نقل صغيرة " سوزوكي" تحمل الجثة أو الجثث إلى حاجز المعارضة المسلحة الذي لا يبعد عن حاجز الأمن سوى خمسين متراً ، وهناك أيضا يتم الكشف عن الجثث ويؤذن لها بالدخول عن طريق ببيلا ويلدا وقبل المقبرة بمئة متر يتم الكشف عن الجثث من قبل حاجز داعش المسيطر على المنطقة القريبة من المقبرة، ويتم الإذن بالدخول والدفن، هذا وقد تم فتح كثير من القبور ووضع المتوفين فيها ، أو حفر ما تيسر بين القبور، وأما المقبرة الجديدة فلم يتم الاتفاق على دفن الجثث فيها نظرا لبعدها عن المقبرة القديمة والتي تقع على أطراف يلدا الآمنة نوعا ما.
المقبرتان خلال أزمة اليرموك :
تعرضت المقبرة الجديدة للقصف ولا سيما قذائف الهاون في بداية الأحداث، وقبل هجرة الناس من المخيم غدا الدفن صعبا إذ كان لا يرافق الجنازة إلا خمسة أفراد على الأكثر وذلك لقرب المقبرة الجديدة من منطقة الحجر الأسود الساخنة وبعد خروج معظم الأهالي توقف الدفن نهائيا فيها، واتخذ بعض المسلحين أماكن لهم في المقبرتين وفي محطيهما، فلا شك أنهما أصيبتا بأضرار متوسطة خلال تبادل إطلاق النار بين الطرفين .
وخلال احتلال تنظيم داعش للمقبرتين طغت على الساحة الإعلامية اتهامات عديدة منها أن التنظيم كسر شواهد القبور بل أنه نبش قبور قادة الشهداء وخاضت الصحافة الفلسطينية ووسائل التواصل الاجتماعي في هذا الجانب حتى أن أصواتا من رام الله نادت بنقل جثامين القادة لرام الله ، إلا أن هذه الشبهات تبددت بعد تأكيد كثير ممن دخلوا المقبرتين أن لا تغيير فيها وكل الذي ينشر عبارة عن روايات لا أدلة عليها ونشر بعض الناشطين صورا لقبور عديدة تم التأكد منها ، غير أن بعض شواهد القبور بفعل القذائف سقطت على الأرض، ولا يخلو الأمر كذلك من قيام بعض المتشددين من داعش وغيرها بكسر شواهد القبور للشهداء وغيرهم بحجة مخالفتها للشرع . ولكن المفاجأة الكبرى كانت بعد خروج التنظيمات المسلحة من المخيم أن أغلب أبنية المخيم سويت بالأرض ، أو أطالها الدمار الكبير، أما المقبرتان بشقيهما المدني والعسكري فقد طالهما أيضا الدمار وكثير ومن القبور درست، كما تعرض عدد من القبور في مقبرة اليرموك الجديدة في شتاء 2015 للانهيار بسبب تراكم الثلوج فوقها، ما أدى إلى انهيار القبور إذ لا زوار أو حراس أو شمس أذابت الجليد.
مستقبل مقبرتي الشهداء : نظرَا لما تمثله هاتين المقبرتين من رمزية لدى جموع اللاجئين الفلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك والفصائل الفلسطينية فقد دعت قياداتها إلى ترميم المقبرتين قبل البدء بأي عمل في المخيم وستشكل لجنة من أجل البحث عن قبور الشهداء ونصبها، ووضع الشواهد عليها؛ إذ أن غالب الشواهد تكسرت واختلطت بعضها ببعض ، وبالفعل بدأت قيادة فتح مع بعض المتطوعين بحملة تنظيف المقبرة القديمة قبل عيد الفطر بيومين حتى يتسنى إعادة رمزيتها ولاسيما في العيد الأول في المخيم بعد سبع سنوات عجاف، وبعد مراسم الزيارة لابد من إعادة تنظيم القبور،وغالبا ما ستواجه اللجنة معوقات كثيرة أهمها عدم وجود مخطط لقبور الشهداء ، أو وجود إرشيف لها، ولا بد من الاستعانة ببعض الشهود أو الأقارب وبما يجدونه من صور وتسجيلات يتم بموجبها تحديد الأماكن ما أمكن.
فيديو يظهر حجم المار الذي حل بمقبرة الشهداء في مخيم اليرموك
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين