نبيل السهلي

 

يعتبر مخيم الرشيدية من أكبر المخيمات الفلسطينية في منطقة صور جنوب  لبنان ، سواء من حيث المساحة أو عدد السكان . وكباقي المخيمات تأثر المخيم خلال الحروب التي شنت عليه . وسنرصد اتجاهات تطور المخيم على كافة الصعد الديموغرافية والاقتصادية والسياسية ما أمكن ، فضلاً عن مساهمة أهالي المخيم في انطلاقة العمل الوطني الفلسطيني بعد نكبة عام 1948، شأنهم في ذلك شأن كافة التجمعات الفلسطينية في داخل فلسطين وفي المنافي القريبة والبعيدة .

 

الجغرافيا والديموغرافيا

يوجد في لبنان 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين تدار من قبل الأونروا ، من ضمنها   ثلاثة مخيمات فلسطينية في منطقة صور جنوب لبنان . ويعتبر مخيم الرشيدية الأكبر من حيث المساحة والسكان . 

ويقع مخيم الرشيدية على مسافة خمسة كيلومترات إلى الجنوب من مدينة صور على الساحل اللبناني في جنوب لبنان ، ويبعد المخيم عن الحدود مع فلسطين 14 كلم شمالاً .

 وقد تمً إنشاء المخيم القديم خلال فترة الاحتلال الفرنسي للبنان ، وبالتحديد في عام 1936على تلة الرشيدية  لإقامة لاجئي أرمينيا آنذاك .

وفي  عام 1949 لجأ العديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى منطقة الرشيدية، وقد أنشأت الاونروا في  عام 1963 المخيم الجديد للاجئين الفلسطينيين الذين تم إخلاؤهم من مخيم غورو في بعلبك ،وتجمعات فلسطينية أخرى من قرى قضاء بنت جبيل خلال منتصف الخمسينيات ، إضافة إلى عائلات تمّ نقلها من مخيم البص في صور إلى مخيم الرشيدية الجديد بعد ضم منطقة محددة (حي حواسة ) من مخيم البص إلى مصلحة الآثار اللبنانية  .

 وتبلغ مساحة مخيم الرشيدية حوالي (2،5)كلم مربع ، وقد صل عدد سكانه  المسجلين في سجلات الأونروا إلى نحو  (28) لاجئ ،من أصل مجموع اللاجئين الفلسطينيين  في لبنان خلال العام الحالي 2018.

 ويشكل الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر42 في المائة من إجمالي سكان مخيم الرشيدية ، أي أن المجتمع الفلسطيني في المخيم فتياً تبعاً للمقاييس الديموغرافية، الأمر الذي جعل أعباء الإعالة كبيرة  على أرباب العائلات في المخيم ، خاصة في ظل منع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من العمل في 73 مهنة في إطار الاقتصاد اللبناني .

تمّ تدمير مخيم الرشيدية ، ولحقت به أضرار كثيرة بين عامي 1982 و1987 بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف عام 1982 والحروب الأخرى عليه .

 وأُعيد بناؤه من جديد، إلا أنه يعاني اكتظاظاً في الأبنية وكثافة سكانية عالية تصل إلى نحو (14) ألف نسمة في الكيلومتر مربع الواحد، مع غياب ملحوظ للملاعب النظامية في  المخيم وكذلك الحدائق .

تعود أصول غالبية أهالي مخيم الرشيدية إلى قرى قضاء عكا ،أم الفرج ، الزيب ، كويكات،البصة ، سحماتا، الشيخ داود ، فضلاً عن نسبة قليلة من قرى قضاء مدينة صفد، مثل قرى علما ، وفارة  ،وطيطبا ، دير القاسي ، وكذلك بعض العائلات من عرب الوهيب والمواسي والسويطات  .

 ويذكر أن سكان مخيم الرشيدية من الفلسطينيين المسيحيين الذين ينحدرون من قرية البصة ، قد تمّ نقلهم  في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي  إلى مخيم ضبية في المنطقة الشرقية من مدينة بيروت .

وكبقية مخيمات الفلسطينيين في لبنان ، ساهم أهالي مخيم الرشيدية في الكفاح  الوطني الفلسطيني بصوره المختلفة .

 

بدايات العمل الوطني في المخيم

رغم منع الحكومة اللبنانية أي نشاط سياسيي فلسطيني في المخيمات ، حاولت مجموعة من شباب مخيم الرشيدية استنهاض همم  الفلسطينيين لمعاودة الكفاح بعد نكبة نالت من أرضهم  وجعلتهم لاجئين ، فنشط عدد من الشبان  لتفعيل دور الهيئة العربية العليا بشكل سري في بداية الخمسينيات عبر توزيع محدود لمجلة فلسطين التابعة للهيئة ، وكان من بين هؤلاء : صلاح حوراني ومحمد سعيد من قرية نحف في قضاء عكا ، ومحمد سعيد كنعان من قرية البصة في قضاء عكا  ، دليل العبد من قرية الكابري في قضاء عكا . وكان يوجد مكتب  للهيئة العربية العليا في لبنان وأشرف عليه  الأستاذ أميل غوري وهو من أصل فلسطيني  .

و لم تستمر نشاطات الهيئة طويلاً في لبنان ، نظراً للتحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية .

ومنذ نشأة المخيمات الفلسطينية في لبنان ، انتشر فكر الحزب القومي السوري بشكل محدود في مخيمات لبنان ، ومن بينها مخيم الرشيدية في صور ، وكان من رموز الشباب الفلسطيني المنتمين للفكر المذكور والنشيطين لتعميمه ،  عمر مطر أبو وجيه من قرية نحف ، وكذلك عبد المالك فاعور من قرية شعب قضاء عكا ، ومن رموز الفكر المذكور في مخيم الرشيدية الشاعرالشعبي (الزجال ) الراحل يوسف حسون من قرية شعب ، وقد انضم العديد منهم  الى حركة فتح بعد انطلاقتها في عام  1965.

وقد نشطت في مخيم الرشيدية في  بداية الخمسينيات أيضاً جماعة دعوية ، أطلق عليها اسم جماعة عباد الرحمن ، كانت تدعو لبناء الجوامع والالتزام بالصلوات الخمسة ، والقيام بنشاطات كشفية ترفيهية ، وكان أحمد توفيق كنعان من قرية البصة أحد رموزها، ومن الناشطين الأستاذ احمد جشي  من قرية الكويكات ،وفؤاد عبد الله وعاطف دبور من قرية فارة قضاء صفد.

ومع بداية نشاط حركة القوميين العرب في لبنان في أواسط الخمسينيات ٍ انتقل عدد من الناشطين في جماعة عباد الرحمن في مخيم الرشيدية للعمل في حركة القومين العرب ، ومن بين هؤلاء فؤاد عبدالله ، ليساهم مع آخرين مثل يوسف القط ونظمي كنعان في تأسيس (كشاف الشباب القومي العربي)في مخيم الرشيدية، حيث سارعت  السلطات اللبنانية في ملاحقتهم واعتقال البعض منهم  . ويعتبر الكشاف العربي امتداداً للحركة الكشفية الفلسطينية .

وبرزت أسماء أخرى في مخيم الرشيدية انضمت إلى حركة القوميين العرب ، ومنهم علي محمود ابو سامح ومحمد عجاوي وموسى العريض وجهاد فرحات وهؤلاء كانوا من بين الذين شكلوا شباب الثأر وهو الفرع العسكري لحركة القومين العرب.

وبعد انطلاقة الفصائل الوطنية الفلسطينية ، انضم العديد من شبان مخيم الرشيدية الناشطين سياسياً  إليها، فانضم وليد قدورة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وانضم محمود ابو سامح ونبيه الجمل إلى الجبهة الديمقراطية ،وقاد كل من فؤاد عبد الله وسعد الله القط وسليمان زمزم واسعد معروف العمل السري لحركة فتح في المخيم ، وتمّ اعتقال العديد من المنضوين في عدة حركات فلسطينية من قبل السلطات اللبنانية .

بعد اتفاق القاهرة بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية في عام 1969 ،انتشر الكفاح المسلح الفلسطيني في مخيم الرشيدية عوضاً عن الشعبة اللبنانية الثانية لضبط الأمن في المخيم ،وبدأ الوجود الفلسطيني العلني للفصائل الفلسطينية ، وتشكلت لجان شعبية ومن بينها لجنة شعبية في مخيم الرشيدية غالبيتها من المستقلين في البدايات .

 وتأثر مخيم الرشيدية كباقي المخيمات الفلسطينية في لبنان بتحولات المشهد السياسي منذ عام 1969 وصولاً حتى عام 2016.

 

مؤشرات ذات دلالة

ثمة مؤشرات اقتصادية واجتماعية لها دلالات  حول أوضاع  اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الرشيدية ، وبسبب منع اللاجئين من العمل في لبنان تفاقمت معدلات البطالة في مخيم الرشيدية، حيث وصلت إلى نحو (60) في المائة من إجمالي قوة العمل الفلسطينية خلال السنوات الاخيرة، كما كان لمنع السلطات اللبنانية دخول مواد البناء إلى المخيم أثر مباشر لارتفاع أسعارها ، مما أفقد عدد كبير  من المهنيين من الاستحواذ على فرصة عمل  ، وخاصة في مهن :البناء ، النجارة، الحدادة، الدهان، وغيرها من الأعمال المهنية ، واضطر العديد من عمال المخيم القيام بأعمال موسمية خارج المخيم ، مثل قطف الحمضيات في القرى والبلدات في جنوب لبنان  .

ونظراً لضعف الخيارات والأعمال الموسمية انتشرت ظاهرة عمالة الأطفال لتصل نسبتهم  إلى (5) في المائة  من سكان المخيم ، حيث تتركز غالبيتهم في المهن التالية  (حدادة – بويا – دهان بيوت – كهرباء عامة – كهرباء سيارات – ميكانيك – بلاط – ألمنيوم – نجارة)،وثمة عدد من الأطفال يعملون في تجميع الخردة من الحديد والتنك والبلاستيك وبيعه لتجار محددين في جوار المخيم . ويصل معدل الإعالة في مخيم الرشيدية  إلى خمسة أفراد ، أي كل فرد عامل في المخيم يعيل إضافة إلى نفسه خمسة أفراد من خارج قوة العمل .

واللافت أن غالبية المساكن تقريبا في مخيم الرشيدية  تتمتع بتهوية حسنة، ويتم تزويدها بالماء والكهرباء. وبالرغم من أنها جميعها تحتوي على مراحيض خاصة بها، إلا أن المخيم يفتقر إلى نظام صرف صحي بالمعنى الحقيقي .

و يوجد في مخيم الرشيدية المستشفى الوحيد للهلال الأحمر الفلسطيني(بلسم) في منطقة صور،إضافة إلى عيادة اونروا ، كما يضم المخيم العديد من المرافق الصحية والمستوصفات والمختبرات الطبية مثل مستوصف القدس الطبي، مستوصف مطر للأسنان.وتكثر في المخيم المؤسسات والجمعيات الأهلية ورياض الأطفال التي ترعى شؤون الطفل والمرأة، وتتضمن الخدمات المقدمة: المساعدات المالية للأيتام ودور الحضانة ومراكز التدريب وتأهيل المعوّقين. وتدير الاونروا  في مخيم الرشيدية  أربعة مدارس ، اثنتان ابتدائيتان ،هما مدرسة عين العسل للبنين ، ومدرسة القادسية للبنات ، فضلاً عن مدرسة النقب المتوسطة للبنين والبنات ويدرس فيها سنوياً أكثر من (450) تلميذاً من الذكور والإناث، وثانوية الأقصى للبنين والبنات أيضاً وعدد التلاميذ فيها يصل سنوياً إلى (500) تلميذاً. ويوجد في مخيم الرشيدية مكتبتين، مكتبة أبو جهاد الوزير ومكتبة بيت أطفال الصمود، إلا أن الإقبال على المكتبتين ضعيفاً ومحدود جداً .

يعاني سكان المخيم أوضاعاً اقتصادية صعبة ؛ فضلاً عن أوضاع صحية سيئة  ، حيث تنتشر في المخيم أمراض القلب والضغط والسكري والسرطان  والأمراض المعدية والأنيميا لدى الأطفال. وتشير عدة دراسات وبحوث متخصصة الى تراجع نسب التعليم بشكل عام في مخيم الرشيدية. وعلى سبيل المثال لا الحصر وصلت نسبة الحاصلين على الشهادة المتوسطة  في السبعينات في المخيم  إلى نحو 100 في المائة، في مقابل 40في المائة خلال العقد الأخير ، نظراً لعدم اقتناع شرائح اجتماعية كبيرة في المخيم من جدوى التحصيل العلمي في ظل أفول سوق العمل اللبناني أمام قوة العمل الفلسطينية المعروضة والأخذة بالاتساع  .

ويبقى القول بأن مؤشرات البؤس تنتشر في مخيم الرشيدية كما هي الحال في كافة المخيمات الفلسطينية في لبنان، بسبب القوانين اللبنانية المجحفة التي تمنع اللاجئين الفلسطينيين العمل في سوق العمل اللبناني ، مما يضعف الخيارات المختلفة لدى الفرد اللاجئ والأسرة  الفلسطينية اللاجئة أيضاً. تلك المؤشرات لم تمنع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الرشيدية من الانخراط في العمل الكفاحي الوطني الفلسطيني رغم المسارات الصعبة التي مرت وتمر بها القضية الفلسطينية، شانهم في ذلك شأن اللاجئين الذين يقطنون في المخيمات والتجمعات الفلسطينية  المنتشرة في لبنان وفي سوريا والأردن وداخل فلسطين . 

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد