أوس يعقوب
ليس اعتبار الدين اليهودي "قومية"، واعتبار إسرائيل "الدولة القومية" ليهود العالم، إلّا إعلان حرب –بدعم أمريكي صريح-، لا يطال الفلسطينيين فقط وإنّما العالم كله.
ولتفهم جوهر القانون الصهيوني العنصري الجديد الذي يمس بشكل مباشر نحو مليون وثمانمائة ألف عربي فلسطيني، هم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون، يقيمون خلف الخط الأخضر، ونحو 8 ملايين لاجئ فلسطيني في الوطن المحتل والشتات، لابد من قراءة فاحصة لهذا القانون الفاشي، الذي يقوم على ترسانة من القوانين العنصرية ويؤسس للفصل العنصري، والذي أقرّه الكنيست في القراءة الثالثة، فجر يوم الخميس الموافق 19 تمّوز/ يوليو 2018.
صحيح أنّ دولة الاحتلال لم تكن يومًا بحاجة إلى التصديق على "قانون القومية"، الذي يحصر الدولة بـ"الشعب اليهودي" فقط، الأمر الذي يستثني فلسطينيي 48 ويهمش دورهم السياسي والاجتماعي في البلاد، فواقع الحال يعج بمظاهر التمييز ضد الفلسطينيين والعرب داخل إسرائيل منذ 70 عامًا. غير أنّ خطورة هذا القانون تكمن من خلال ما يؤكده المشرِّع الإسرائيلي في أنّ "القدس الكاملة والموحدة" عاصمة للدولة العبرية، وأنه لا وجود لحقوق جماعية للعرب في دولة هذا المشرّع، بل إنّ هذه الحقوق هي لليهود فقط، حيث يلغي القانون الحق بالمساواة، وينص على عدم وجود مكانة للأقليات في إسرائيل، ذلك أنّ القانون من حيث الجوهر، ينفي وجود أيّ قومية أخرى على ما يسمى بـ"أرض إسرائيل"، وحتى إن بقيت إسرائيل على (جزء من "أرض إسرائيل")، حسب التعابير الإسرائيلية، فإنّ أبناء القومية (الأخرى)، لا يحق لهم أية حقوق قومية جماعية، بل حقوقًا فردية.
كذلك فإنّ إقرار الاعتراف بالدولة اليهودية كدولة "الشعب اليهودي" يعني إلغاءً ذاتيًا لحقِّ العودة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين من قبل الطرف الذي يقبل بهذا الاعتراف، وقبولًا عربيًا بسد الطريق أمام أيّ تطلع إلى أن تكون إسرائيل دولة جميع مواطنيها.
ومن مخاطر هذا القانون أيضًا أنه يلزم "المحكمة العليا" في كيان الاحتلال بتفضيل "الهوية اليهودية للدولة" على القيم الديمقراطية في حال وقع تناقض بين الهوية والديمقراطية، حيث يؤكد المشرِّع على تفضيل "القومية اليهودية" على الديمقراطية بصيغة ملتبسة، إذ يقول: "يهدف القانون إلى حماية مكانة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، من أجل إرساء قيم دولة إسرائيل في قانون القومية كدولة يهودية وديمقراطية".
زد على ذلك أنّ القانون لم يذكر أيًا من المساواة أو حقوق الأقلية في بنوده، رغم أنها كانت جزءًا أساسيًا من وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948، التي نصت على "المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بصرف النظر عن العقيدة أو العرق أو الجنس".
كما أنّ القانون يلغي عمليًا تعريفات قانونية سابقة للّغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية في إسرائيل بعد اللغة العبرية؛ إذ أكد في البند الرابع (أ) أنّ "العبرية هي لغة الدولة".
وفي مخالفة صارخة للقوانين الدولية، ولاتفاقيّات أوسلو المشؤومة وما تبعها من اتفاقيّات بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، يشرّع هذا القانون الاستيطان بل ويشجعه ويدعمه، إذ ينص على أنّ "تنمية الاستيطان اليهودي من القيم الوطنية، وستعمل إسرائيل على تشجيعه ودعم تأسيسه"، وينص البند السابع في القانون صراحة على ما يلي: "ترى الدولة في تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وستعمل على تشجيع بنائها وترسيخها".
جذور تاريخية ..
قُدّم "قانون القومية" المثير للجدل، بدايةً في آب/ أغسطس 2011، ونوقش في الكنيست طوال سبع سنوات، وأُدخلت عليه عدة تعديلات في الدورة البرلمانية الـ 18، (2009- 2013)، وعاد طرح القانون بقوة في الدورة البرلمانية الـ 19، (2013- 2015)، إلّا أنّ الحكومة في حينه، شهدت خلافًا داخليًا حوله، ولم يتم طرح القانون للتصويت عليه.
وكان أن ظهر القانون بصيغته الأولى من خلال نائب المعارضة، آفي ديختر، رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك) الأسبق، حينما كان عضو كنيست من حزب "كديما"، وانضم إليه فريق من نواب اليمين، وتبين في حينه، أنّ من وراء المشروع تقف منظمات اليمين المتطرف، خاصّة من التيار "الديني الصهيوني".
وكانت النسخة السابقة من نص القانون أكثر تشددًا، حين نصت على "إقامة مجتمعات لليهود فقط"، ممّا يعني عزل فلسطينيي 48، وعددهم نحو مليون وثمانمائة ألف نسمة من أصل نحو 9 ملايين (أي حوالي 20 بالمئة من عدد السكان).
وطرح القانون في الدورتين البرلمانيتين السابقتين، بصياغات فيها بعض الفوارق، منها ما هي جوهرية، من حيث الجدل الداخلي في الشارع الإسرائيلي، في ما يتعلق بمدى علاقة الدين بالدولة، رغم أنّ كل الصياغات تتفق على عنصريته.
القانون ذو السمات الفاشية من حيث فحواه، لا يجدد أيّ شيء، لأنّ الممارسة الفعلية تمارس منذ قيام كيان الاحتلال، لكن الجديد في الأمر هو مكانة القانون كـ"قانون أساس"، والذي سيتحول إلى دستور مستقبلي تصادق عليه "الدولة"، وتحديد الرؤية المستقبلية التي تراها "الدولة" في العلاقة بينها وبين المواطنين، خاصّة الأقلية القومية للفلسطينيين في الداخل، والتي يتجاهلها القانون بالكامل، ويعطي المكانة في الرموز والحقوق الجماعية لليهود.
ويرى مراقبون في إقرار الكنيست للقانون بالقراءة الثالثة والأخيرة بأغلبية 62 نائبًا مقابل معارضة 55 وامتناع اثنين، تكريسًا لعنصرية المحتل التي تضرب الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.
مخاوف من داخل البيت الإسرائيلي ..
بحسب عدد من الصحافيين والكُتّاب اليمينيين في كيان الاحتلال، تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أو على الأقل اتّهمه هؤلاء بالتردد وعدم الحسم لصالح سَنّ القانون؛ خشيةً من الإضرار بصورة "إسرائيل" في الغرب.
وتردّدت مقولات كثيرة مفادها أنّ الجاليات اليهودية في الغرب، والتي يُفترض أنّ القانون جاء ليخدمها، تحفظت على القانون في اتصالاتها الداخلية مع القيادات السياسية في تل أبيب؛ وذلك خشية ظهور "الدولة" التي تتعاطف تلك الجاليات معها وتدعمها بوصفها "دولة عنصرية تميّز ضد الأقليات"، على حد تعبيرها.
اليمين العقائدي التقليدي في إسرائيل من جهته رفض القانون، ولم يرَ فيه حاجة، لما فيه من جوانب ستثير قلق أبناء الديانة اليهودية في العالم. مثل أنّ القانون سيطرح من جديد مسألة (من هو اليهودي)، وهي قضية تعلو وتخبو من حين إلى آخر، كما أنّ القانون بطابعه العنصري يخلق حالة حرج لليهود في "أوطانهم" في العالم.
وبحسب مراقبين فإنّ كتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم" في الكنيست تتحفظان على هذا القانون، من جوانب الشريعة اليهودية. فـ"الحريديم" (طائفة من اليهود الأرثوذكس تعيش في وسط منغلق على نفسه في إسرائيل)، يتخوفون من طابع القوانين "الدستورية"، أو تلك التي يطلق عليها مصطلح "قانون أساس"، فمثلًا نص قانون "القومية" المتداول، يقول إنّ الكيان الإسرائيلي الحالي، هو دولة اليهود في العالم، وهذا ينقض رواية "مملكة إسرائيل" التوراتية، التي سيقيمها المسيح حينما يأتي إلى العالم لأول مرّة، ولكن "الحريديم" لا يجاهرون بهذا الخلاف، ويكتفون بالقول إنّ مكانة الشريعة ليست بالقدر الكافي في هذا القانون.
"المركز الإسرائيلي للديمقراطية"، الذي يُعنى بدراسة أوضاع الحكم والتشريع في إسرائيل، رأى من جهته أنّ "قانون القومية الذي حدد هوية الدولة، لا يتضمن أيّ التزام بتحقيق المساواة، وغير معني بتحقيق توافقات واسعة داخل المجتمع، سيجعل إسرائيل تبكي لأجيال".
وجهات نظر فلسطينية ..
احتج النواب العرب وقاموا بتمزيق أوراق نص القانون، خلال جلسة الكنيست التي أُقرَّ بها القانون، وتم إخراجهم من القاعة بالقوة بعد وصفهم القانون بأنه "قانون فصل عنصري".
حنين زعبي، النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي في "القائمة المشتركة"، رأت في تصريح صحافي، أنّ "هذا القانون وأمثاله هو البرهان أنّ التعامل مع هذا الوطن كوطن قومي لليهود هو أمر مصطنع، يحتاج للقوة والعنف والقسر، ومن يؤسس لعلاقة مع وطن ومع سكانه عبر القوة والقسر يؤسس في ذات الوقت لصراع مرير معهم. إنّ إمكانية السلم والحياة الطبيعية الوحيدة الممكنة هي الندية الكاملة، وهي دولة المواطنين، التي تعترف بالغبن التاريخي لأصحاب الوطن، وتضمن حق العودة، وهو مشروع مفتوح لتضامن جميع من يملك الضمير والجرأة لكي يعترف بالمشروع الصهيوني كمشروع استعماري".
أما أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، فرأى أن "أميركا شريك كامل لإسرائيل في هذا القانون"، وأنّ "(صفقة القرن) بدأت التنفيذ بقرار نقل السفارة، وتجفيف دعم وكالة (الأونروا) بهدف إسقاط ملف اللاجئين من طاولة المفاوضات"، مبينًا أنّ مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، سيطرح سؤالًا على "الدائرة القانونية" في الأمم المتحدة عن هذا القانون، وتوافقه مع ميثاق الأمم المتحدة.
بدوره قال فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في تصريح صحافي، إنّ "قانون القومية، شرعنة رسمية للعنصرية الإسرائيلية، واستهداف خطير للوجود الفلسطيني وحقه التاريخي في أرضه، وسرقة واضحة لممتلكاته ومقدراته".
سبل المواجهة ..
إنّ ما راج قبل أيام من "بيان موقف للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل"، والذي دعت نخب سياسية ووطنية من داخل الخط الأخضر للتوقيع عليه من قبل الشخصيات العامة والأوساط السياسية والوطنية والشعبية في الداخل، حدد ما هو مطلوب من فلسطينيي الـ48 لمواجهة هذا القانون، حيث رأى الداعون للتوقيع عليه، أنّ لا بد من الارتقاء بالفعل السياسي والاحتجاجي بالمنظورين القريب والمستقبلي لمستوى الخطر المتمثل بهذا القانون العنصري، الذي "يجسّد تحولًا جديًا وجذريًا في دسترة التمييز العنصري كـ خطوة نحو نزع شرعية حقوقنا بالمواطنة المستمدة من حقيقة كوننا أبنائها الأصليين".
كما دعا البيان الفعاليات والهيئات السياسية، وعلى رأسها "لجنة المتابعة العليا" و"القائمة المشتركة" و"اللجنة القطرية" والأحزاب إلى "تصعيد ومواصلة النضال حتى إلغاء هذا القانون وكافة القوانين والتشريعات والسياسات التي تشرعن التفوق العرقي لليهود واستبدالها ببديل ديمقراطي حقيقي خاصّة أنّ أذاها يطال جميع شرائح شعبنا دونما تمييز ممّا يتطلب وحدة صف في مواجهتها". إضافة إلى "القيام بنشاط دبلوماسي جماعي مدروس ومثابر في المرافق الدولية الحكومية وغير الحكومية يوضح جذور وتجليات التمييز العنصري البنيوي الإسرائيلي ومطالبة الجهات العالمية ذات الصلة باتخاذ موقف أكثر جدية وصلابة من السياسات الإسرائيلية التي تحول العرب لمواطنين من الدرجة الثانية".
وأخيرًا، يجب على كافة القوى الفلسطينية في الداخل والقدس والضفة وغزّة والشتات، في ظل تعاظم الهوس العنصري الصهيوني تزامنًا مع حالة التآكل في الموقف العربي والإسلامي عامّة، رفع مستوى التعاون والتنسيق فيما بينها، لفضح وتعرية "قانون القومية" ومجمل السياسات الإسرائيلية العنصرية التي تلغي خيارات "السلام" والمساواة الحقيقيين، والمساهمة في العمل الجاري لإسقاط "صفقة القرن" والتأكيد على الهوية الفلسطينية الوطنية الجامعة من جهة، والتوجه لمنصات دولية بشأن القانون ومجمل التمييز العنصري ضد شعبنا الفلسطيني من جهة ثانية.
ليس اعتبار الدين اليهودي "قومية"، واعتبار إسرائيل "الدولة القومية" ليهود العالم، إلّا إعلان حرب –بدعم أمريكي صريح-، لا يطال الفلسطينيين فقط وإنّما العالم كله.
ولتفهم جوهر القانون الصهيوني العنصري الجديد الذي يمس بشكل مباشر نحو مليون وثمانمائة ألف عربي فلسطيني، هم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون، يقيمون خلف الخط الأخضر، ونحو 8 ملايين لاجئ فلسطيني في الوطن المحتل والشتات، لابد من قراءة فاحصة لهذا القانون الفاشي، الذي يقوم على ترسانة من القوانين العنصرية ويؤسس للفصل العنصري، والذي أقرّه الكنيست في القراءة الثالثة، فجر يوم الخميس الموافق 19 تمّوز/ يوليو 2018.
صحيح أنّ دولة الاحتلال لم تكن يومًا بحاجة إلى التصديق على "قانون القومية"، الذي يحصر الدولة بـ"الشعب اليهودي" فقط، الأمر الذي يستثني فلسطينيي 48 ويهمش دورهم السياسي والاجتماعي في البلاد، فواقع الحال يعج بمظاهر التمييز ضد الفلسطينيين والعرب داخل إسرائيل منذ 70 عامًا. غير أنّ خطورة هذا القانون تكمن من خلال ما يؤكده المشرِّع الإسرائيلي في أنّ "القدس الكاملة والموحدة" عاصمة للدولة العبرية، وأنه لا وجود لحقوق جماعية للعرب في دولة هذا المشرّع، بل إنّ هذه الحقوق هي لليهود فقط، حيث يلغي القانون الحق بالمساواة، وينص على عدم وجود مكانة للأقليات في إسرائيل، ذلك أنّ القانون من حيث الجوهر، ينفي وجود أيّ قومية أخرى على ما يسمى بـ"أرض إسرائيل"، وحتى إن بقيت إسرائيل على (جزء من "أرض إسرائيل")، حسب التعابير الإسرائيلية، فإنّ أبناء القومية (الأخرى)، لا يحق لهم أية حقوق قومية جماعية، بل حقوقًا فردية.
كذلك فإنّ إقرار الاعتراف بالدولة اليهودية كدولة "الشعب اليهودي" يعني إلغاءً ذاتيًا لحقِّ العودة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين من قبل الطرف الذي يقبل بهذا الاعتراف، وقبولًا عربيًا بسد الطريق أمام أيّ تطلع إلى أن تكون إسرائيل دولة جميع مواطنيها.
ومن مخاطر هذا القانون أيضًا أنه يلزم "المحكمة العليا" في كيان الاحتلال بتفضيل "الهوية اليهودية للدولة" على القيم الديمقراطية في حال وقع تناقض بين الهوية والديمقراطية، حيث يؤكد المشرِّع على تفضيل "القومية اليهودية" على الديمقراطية بصيغة ملتبسة، إذ يقول: "يهدف القانون إلى حماية مكانة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، من أجل إرساء قيم دولة إسرائيل في قانون القومية كدولة يهودية وديمقراطية".
زد على ذلك أنّ القانون لم يذكر أيًا من المساواة أو حقوق الأقلية في بنوده، رغم أنها كانت جزءًا أساسيًا من وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948، التي نصت على "المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بصرف النظر عن العقيدة أو العرق أو الجنس".
كما أنّ القانون يلغي عمليًا تعريفات قانونية سابقة للّغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية في إسرائيل بعد اللغة العبرية؛ إذ أكد في البند الرابع (أ) أنّ "العبرية هي لغة الدولة".
وفي مخالفة صارخة للقوانين الدولية، ولاتفاقيّات أوسلو المشؤومة وما تبعها من اتفاقيّات بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، يشرّع هذا القانون الاستيطان بل ويشجعه ويدعمه، إذ ينص على أنّ "تنمية الاستيطان اليهودي من القيم الوطنية، وستعمل إسرائيل على تشجيعه ودعم تأسيسه"، وينص البند السابع في القانون صراحة على ما يلي: "ترى الدولة في تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وستعمل على تشجيع بنائها وترسيخها".
جذور تاريخية ..
قُدّم "قانون القومية" المثير للجدل، بدايةً في آب/ أغسطس 2011، ونوقش في الكنيست طوال سبع سنوات، وأُدخلت عليه عدة تعديلات في الدورة البرلمانية الـ 18، (2009- 2013)، وعاد طرح القانون بقوة في الدورة البرلمانية الـ 19، (2013- 2015)، إلّا أنّ الحكومة في حينه، شهدت خلافًا داخليًا حوله، ولم يتم طرح القانون للتصويت عليه.
وكان أن ظهر القانون بصيغته الأولى من خلال نائب المعارضة، آفي ديختر، رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك) الأسبق، حينما كان عضو كنيست من حزب "كديما"، وانضم إليه فريق من نواب اليمين، وتبين في حينه، أنّ من وراء المشروع تقف منظمات اليمين المتطرف، خاصّة من التيار "الديني الصهيوني".
وكانت النسخة السابقة من نص القانون أكثر تشددًا، حين نصت على "إقامة مجتمعات لليهود فقط"، ممّا يعني عزل فلسطينيي 48، وعددهم نحو مليون وثمانمائة ألف نسمة من أصل نحو 9 ملايين (أي حوالي 20 بالمئة من عدد السكان).
وطرح القانون في الدورتين البرلمانيتين السابقتين، بصياغات فيها بعض الفوارق، منها ما هي جوهرية، من حيث الجدل الداخلي في الشارع الإسرائيلي، في ما يتعلق بمدى علاقة الدين بالدولة، رغم أنّ كل الصياغات تتفق على عنصريته.
القانون ذو السمات الفاشية من حيث فحواه، لا يجدد أيّ شيء، لأنّ الممارسة الفعلية تمارس منذ قيام كيان الاحتلال، لكن الجديد في الأمر هو مكانة القانون كـ"قانون أساس"، والذي سيتحول إلى دستور مستقبلي تصادق عليه "الدولة"، وتحديد الرؤية المستقبلية التي تراها "الدولة" في العلاقة بينها وبين المواطنين، خاصّة الأقلية القومية للفلسطينيين في الداخل، والتي يتجاهلها القانون بالكامل، ويعطي المكانة في الرموز والحقوق الجماعية لليهود.
ويرى مراقبون في إقرار الكنيست للقانون بالقراءة الثالثة والأخيرة بأغلبية 62 نائبًا مقابل معارضة 55 وامتناع اثنين، تكريسًا لعنصرية المحتل التي تضرب الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.
مخاوف من داخل البيت الإسرائيلي ..
بحسب عدد من الصحافيين والكُتّاب اليمينيين في كيان الاحتلال، تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أو على الأقل اتّهمه هؤلاء بالتردد وعدم الحسم لصالح سَنّ القانون؛ خشيةً من الإضرار بصورة "إسرائيل" في الغرب.
وتردّدت مقولات كثيرة مفادها أنّ الجاليات اليهودية في الغرب، والتي يُفترض أنّ القانون جاء ليخدمها، تحفظت على القانون في اتصالاتها الداخلية مع القيادات السياسية في تل أبيب؛ وذلك خشية ظهور "الدولة" التي تتعاطف تلك الجاليات معها وتدعمها بوصفها "دولة عنصرية تميّز ضد الأقليات"، على حد تعبيرها.
اليمين العقائدي التقليدي في إسرائيل من جهته رفض القانون، ولم يرَ فيه حاجة، لما فيه من جوانب ستثير قلق أبناء الديانة اليهودية في العالم. مثل أنّ القانون سيطرح من جديد مسألة (من هو اليهودي)، وهي قضية تعلو وتخبو من حين إلى آخر، كما أنّ القانون بطابعه العنصري يخلق حالة حرج لليهود في "أوطانهم" في العالم.
وبحسب مراقبين فإنّ كتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم" في الكنيست تتحفظان على هذا القانون، من جوانب الشريعة اليهودية. فـ"الحريديم" (طائفة من اليهود الأرثوذكس تعيش في وسط منغلق على نفسه في إسرائيل)، يتخوفون من طابع القوانين "الدستورية"، أو تلك التي يطلق عليها مصطلح "قانون أساس"، فمثلًا نص قانون "القومية" المتداول، يقول إنّ الكيان الإسرائيلي الحالي، هو دولة اليهود في العالم، وهذا ينقض رواية "مملكة إسرائيل" التوراتية، التي سيقيمها المسيح حينما يأتي إلى العالم لأول مرّة، ولكن "الحريديم" لا يجاهرون بهذا الخلاف، ويكتفون بالقول إنّ مكانة الشريعة ليست بالقدر الكافي في هذا القانون.
"المركز الإسرائيلي للديمقراطية"، الذي يُعنى بدراسة أوضاع الحكم والتشريع في إسرائيل، رأى من جهته أنّ "قانون القومية الذي حدد هوية الدولة، لا يتضمن أيّ التزام بتحقيق المساواة، وغير معني بتحقيق توافقات واسعة داخل المجتمع، سيجعل إسرائيل تبكي لأجيال".
وجهات نظر فلسطينية ..
احتج النواب العرب وقاموا بتمزيق أوراق نص القانون، خلال جلسة الكنيست التي أُقرَّ بها القانون، وتم إخراجهم من القاعة بالقوة بعد وصفهم القانون بأنه "قانون فصل عنصري".
حنين زعبي، النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي في "القائمة المشتركة"، رأت في تصريح صحافي، أنّ "هذا القانون وأمثاله هو البرهان أنّ التعامل مع هذا الوطن كوطن قومي لليهود هو أمر مصطنع، يحتاج للقوة والعنف والقسر، ومن يؤسس لعلاقة مع وطن ومع سكانه عبر القوة والقسر يؤسس في ذات الوقت لصراع مرير معهم. إنّ إمكانية السلم والحياة الطبيعية الوحيدة الممكنة هي الندية الكاملة، وهي دولة المواطنين، التي تعترف بالغبن التاريخي لأصحاب الوطن، وتضمن حق العودة، وهو مشروع مفتوح لتضامن جميع من يملك الضمير والجرأة لكي يعترف بالمشروع الصهيوني كمشروع استعماري".
أما أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، فرأى أن "أميركا شريك كامل لإسرائيل في هذا القانون"، وأنّ "(صفقة القرن) بدأت التنفيذ بقرار نقل السفارة، وتجفيف دعم وكالة (الأونروا) بهدف إسقاط ملف اللاجئين من طاولة المفاوضات"، مبينًا أنّ مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، سيطرح سؤالًا على "الدائرة القانونية" في الأمم المتحدة عن هذا القانون، وتوافقه مع ميثاق الأمم المتحدة.
بدوره قال فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في تصريح صحافي، إنّ "قانون القومية، شرعنة رسمية للعنصرية الإسرائيلية، واستهداف خطير للوجود الفلسطيني وحقه التاريخي في أرضه، وسرقة واضحة لممتلكاته ومقدراته".
سبل المواجهة ..
إنّ ما راج قبل أيام من "بيان موقف للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل"، والذي دعت نخب سياسية ووطنية من داخل الخط الأخضر للتوقيع عليه من قبل الشخصيات العامة والأوساط السياسية والوطنية والشعبية في الداخل، حدد ما هو مطلوب من فلسطينيي الـ48 لمواجهة هذا القانون، حيث رأى الداعون للتوقيع عليه، أنّ لا بد من الارتقاء بالفعل السياسي والاحتجاجي بالمنظورين القريب والمستقبلي لمستوى الخطر المتمثل بهذا القانون العنصري، الذي "يجسّد تحولًا جديًا وجذريًا في دسترة التمييز العنصري كـ خطوة نحو نزع شرعية حقوقنا بالمواطنة المستمدة من حقيقة كوننا أبنائها الأصليين".
كما دعا البيان الفعاليات والهيئات السياسية، وعلى رأسها "لجنة المتابعة العليا" و"القائمة المشتركة" و"اللجنة القطرية" والأحزاب إلى "تصعيد ومواصلة النضال حتى إلغاء هذا القانون وكافة القوانين والتشريعات والسياسات التي تشرعن التفوق العرقي لليهود واستبدالها ببديل ديمقراطي حقيقي خاصّة أنّ أذاها يطال جميع شرائح شعبنا دونما تمييز ممّا يتطلب وحدة صف في مواجهتها". إضافة إلى "القيام بنشاط دبلوماسي جماعي مدروس ومثابر في المرافق الدولية الحكومية وغير الحكومية يوضح جذور وتجليات التمييز العنصري البنيوي الإسرائيلي ومطالبة الجهات العالمية ذات الصلة باتخاذ موقف أكثر جدية وصلابة من السياسات الإسرائيلية التي تحول العرب لمواطنين من الدرجة الثانية".
وأخيرًا، يجب على كافة القوى الفلسطينية في الداخل والقدس والضفة وغزّة والشتات، في ظل تعاظم الهوس العنصري الصهيوني تزامنًا مع حالة التآكل في الموقف العربي والإسلامي عامّة، رفع مستوى التعاون والتنسيق فيما بينها، لفضح وتعرية "قانون القومية" ومجمل السياسات الإسرائيلية العنصرية التي تلغي خيارات "السلام" والمساواة الحقيقيين، والمساهمة في العمل الجاري لإسقاط "صفقة القرن" والتأكيد على الهوية الفلسطينية الوطنية الجامعة من جهة، والتوجه لمنصات دولية بشأن القانون ومجمل التمييز العنصري ضد شعبنا الفلسطيني من جهة ثانية.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين