أسفرت الجهود الطيبة التي بذلتها الجهات الفلسطينية المختلفة في سورية، عن نتائج أولية، ونقول أولية، لكنها ملموسة، على صعيد إعادة شريان الحياة الى عاصمة الشتات الفلسطيني، إلى مخيم اليرموك. وتلك النتائج تفتح الطريق، وهي المقدمة للانطلاقة المرجوة من أجل اعادة الحياة كاملة لمخيم اليرموك.
الخطوات مازالت في بداياتها، وتنتظر جهوداً كبيرة جداً، حيث المصاب كبير، وحجم الدمار هائل، ولايمكن تصوره، على صعيد الدمار الذي لحق بالأبنية والدور والمنازل والعقارات والأملاك العامة، وعلى صعيد البنية التحتية، وخاصة شبكة الكهرباء والهاتف، والمياه نسبياً.
نحن هنا، لانريد أن نوزّع الأمل والتفاؤل بكل اتجاه، بهدف رفع معنويات أبناء مخيم اليرموك وسكانه من فلسطينيين وسوريين على حدٍ سواء، بل نقول بأن الوضع مازال يحتاج لجهودٍ كبيرة، يجب أن تُبذل من قبل الجميع، من كل القوى والفصائل، ومن الهيئات الفلسطينية المعنية، ومن قبل النشطاء والمخلصين والحريصين على شعبهم، وبالتضافر مع الجهات المعنية في البلد من خلال الاتصال الدائم معها بهدف تسريع الأمور وتيسيرها.
وفي حقيقة الأمر، إن المذكرة الرسمية التي تم رفعها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية إلى الجهات العليا المعنية بالدولة السورية، بعد زيارة وفدها لدمشق في العاشر من تموز/يوليو 2018، وبالتوافق مع باقي القوى الفلسطينية، أعطت نتائجها الأولية بالموافقة الرسمية من قبل الدولة السورية على القيام بترميم مقبرة الشهداء الأولى في مخيم اليرموك والمقبرة المدنية الملاصقة لها، وفتح الطرق المؤدية إليها لنقل مايتوجب نقله من مواد إعمار وغيرها.
تلك الخطوة هامة لسببين اثنين :
أولهما أنها تفتح الطريق لنيل الموافقات التالية على باقي بنود المذكرة الفلسطينية المرفوعة للجهات المعنية بالبلد، وخاصة منها على صعيد تنظيف المخيم من الركام والدمار، والبدء بإعادة الناس إلى البيوت التي لم تتضرر، والتي يُمكن الإقامة بها وإصلاحها أولياً، والبدء بمشوار إعادة الإعمار للمخيم ككل، وإيجاد المداخل التي تُمكّن من ذلك، بما في ذلك بمساعدة وكالة الأونروا بالرغم من الأزمات المالية (السياسية في جوهرها) والتي تعيش الأونروا تحت وطئتها في المرحلة الحالية نتيجة الضغط الأمريكي "الإسرائيلي".
وثانيهما أنها تؤكد بأن وضع مخيم اليرموك وفق خريطته التنظيمية سيبقى، ولن يخضع لأي تعديل تنظيمي يؤدي لإنهائه كما كان يروج الكثيرون، حيث كان بعضهم يُقرر ويقول بأن مقبرة الشهداء ستزال باعتبارها تعترض الطريق المتحلق من شارع الــ 30 باتجاه طريق المطار. عدا عن الأهمية الرمزية لمقبرة الشهداء وماتعنيه في الوجدان والضمير الوطني والجمعي الفلسطيني والسوري والعربي.
وبالفعل بدأت اللجنة الفلسطينية المعنية بترميم مقابر الشهداء بالعمل المباشر على أرض الواقع، وهي لجنة وطنية مهنية تضم مهندسين وأصحاب مهنة وخبراء وممن يعرفون خريطة اليرموك التنظيمية وواقع مقبرة الشهداء قبل الدمار الذي لحق بها، ولأعضائها خبرة في هذا الميدان، دون التفات من أحد لإنتماءاتهم التنظيمية، بمعنى أن الموضوع المهني، الوطني، كان الأساس في تشكيل اللجنة واختيار أعضائها.
وفي المعلومات شبه المؤكدة، ومصدرها العديد من القوى والفصائل الفلسطينية، إن الموافقة على تنظيف مخيم اليرموك من الردم وإزالته، وإزالة ركام الأبنية المدمرة، باتت جاهزة تقريباً، بعد أن تمت تسوية الموضوع لجهة التكاليف المالية التي استعدت وأقرّت منظمة التحرير الفلسطينية بدفعها بالتنسيق والتشاور مع الدولة السورية.
ويفترض بأن إزالة الركام ستبدأ من شارع اليرموك وعلى طوله، وصولاً للشوارع الفرعية العريضة التي تتفرع عنه، ومنها شارع لوبية، وشارع القدس (شارع المدارس)، وشارع الثلاثين، وشوارع صفد وحيفا وصفورية، وجلال كعوش، وشارع الــ 15، شارع فرن أبو فؤاد، شارع عكا، شارع أم الفحم ... ومتفرعات تنظيم غربي اليرموك ...
إذاً، نحن أمام خطوات إيجابية مُبشّرة وملموسة، وتحتاج لبضع الوقت، لكن على الجميع أن يشحذوا الهمم من أجل إنجازها في المرحلة التالية، وإعادة بناء عاصمة الشتات الفلسطيني، واختصار الوقت، والإسراع بالعمل. فالشعب في النهاية لن يرحم المتقاعسين من أي فصيل أو جهة فلسطينية كانت.
مخيم اليرموك، ليس موئلاً جغرافياً، أو بقعة سكانية فقط، بل هو في جوهره عنوان لمن لايعرف أو لمن يتجاهل، والعنوان لايموت، لأنه يختصر أم القضايا، وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة، القضية التي تُشكّل أم القضايا والعناوين في معركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي.
إن التحدي الكبير ينتظر جميع القوى الفلسطينية، في ضرورة سعيها وتكثيف جهودها من أجل بلسمة جراح أبناء فلسطين في سوريا الذين أصابتهم المحنة السورية، وخاصة في بعض المخيمات والتجمعات ومنها مخيم اليرموك ومخيم حندرات ودرعا والسبينة وغيرها. والبحث بالسبل الممكنة لمساعدة الناس، وعودة الحياة الطبيعية للمخيمات والتجمعات الفلسطينية.