تقرير: الوليد يحيى _ لبنان
ينام عامر، مواليد 1991 ويستفيق على هواجس الترحيل إلى سوريا، مشهديّة مرعبة تجتاح منامه، عناصرها فقر ويتم محدق بأطفاله وزوجته في حال إعادته، وهو الذي فقد منزله في مخيّم اليرموك، ومطلوب للسوق إلى الخدمة العسكريّة في صفوف " جيش التحرير الفلسطيني"، باعتباره متخلّفاً عن الإلتحاق في الخدمة الإلزاميّة.
فمنذ أن بُدئ الحديثُ عن خطط لإعادة المُهجّرين من لبنان إلى سوريا، وتصاعد الخطاب الحاد حدّ التعبئة العنصريّة ضد اللاجئين وخصوصاً القادمين من سوريا، بدأ عامر يفكّر بماذا يخبّئ له المستقبل، وهو زوج وأب لطفلين أكبرهم بعمر السادسة والثاني لم يتجاوز الأربع سنوات، يأويهما منزل في مخيّم عين الحلوة للاجئين بصيدا جنوبي لبنان، ويدبّر معيشته وعائلته بما يدر عليه عمله في سوق الحسبة بمدينة صيدا، كسائق لشاحنة تنقل الخضراوات والفاكهة.
حالة عامر، واحدة من بين 8700 حالة لأسر فلسطينية مهجّرة من سوريا في لبنان وفق أرقام " الأونروا"، ينتابهم رعب الإعادة القسريّة الذي يجول في أذهان السلطات اللبنانية، فالعودة ليست خلاصاً لهم، "أين ستسكن أسرتي وكيف ستعيش في حال جرى سوقي إلى الخدمة العسكريّة؟" وفق ما قال عامر لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، تساؤل يجيب عليه لنفسه " قد يكون ابني من بين آلاف الأطفال المتسوّلين في شوارع دمشق، وأسرتي في أوضاع مجهولة".
رعب الإعادة إلى واقع مجهول السمات في سوريا، يجعل من شقاء البقاء في لبنان " إلى أن الله يفرجها" وفق عامر، أهون بعض الشيء، رغم المعاناة المعيشيّة الكبيرة، والمذلّة التي تلفّ حياته وأسرته. ساعات عمل طويلة ومرتّب بالكاد يكفي لدفع آجار المنزل وتلبيّة الاحتياجات اليومية من طعام وشراب، وحرمان من الكثير من المتطلّبات الحياتيّة، فضلاً عن التعقيدات القانونية في الحصول على الإقامة وحذر الملاحقات وسواها.
يصف عامر عمله في لبنان بـ "الاستعباد"، 10 ساعات وأحيانا تمتد إلى 12 ساعة عمل تبدأ في السادسة صباحاً، وأجر لا يتجاوز 600 ألف ليرة لبنانية شهريّاً أي ما يعادل 400 دولار أمريكي، وهو مبلغ في المقاييس اللبنانية، يعدّ دون الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعامل اللبناني بنحو 50%، "فأصحاب العمل يستغلّون العامل المهجّر من سوريا تحت طائلة الطرد في حال اعترض أو تذمّر" وفق ما يؤكد عامر ويضيف " أحيانا يوكلون إليّ مهام تنظيف المستودع علماً أنّ عملي هو سائق شاحنة، لكنّ لا اجرؤ على الاعتراض".
واقع في لبنان، استثنائيّ في شقائه على اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا، وهو ما تقوله أرقام صادرة عن " الأونروا" في تقرير " النداء الطارئ" لسنة 2019 بشأن " أزمة سوريا الإقليميّة"، وتشير الأرقام إلى معدّل بطالة في صفوف الفلسطينيين المهجّرين من سوريا في لبنان يبلغ 52%، وتتفشّى في معدّلها الأعلى بين فئة الشبّاب بنسبة 36%، ومن حيث الواقع المعيشي، فإنّ 89% من عموم المهجّرين يعيشون تحت خط الفقر، و 95% يفتقدون للأمن الغذائي، بينما يعتمد 80% منهم على المعونات الماليّة والمساعدات العينيّة التي تقدّمها الوكالة وبعض الجمعيات بشكل غير ثابت.
واقع عمل وعيش وفقر، ليس فيه من المميزات ما يغوي اللاجئين المهجّرين من سوريا للبقاء في لبنان، لكنّ الملموس أفضل من المجهول الذي ينتظرهم في حال إعادتهم، فمعظم أولئك المهجّرين، هم ممن فقدوا القاعدة الأساسية التي بنوا عليها أسس عيشهم في سوريا، بعد تدمير مخيّماتهم، حيث منازلهم ومصادر رزقهم.
فلم يعد لابن مخيّم اليرموك بدمشق أو حندرات في حلب على سبيل المثال لا الحصر، ما يعود إليه في سوريا، والكثير منهم في حال عادوا، مطلوبون للخدمة العسكريّة وهو خيار ذو تبعات مأساوية على أسرهم وأطفالهم، عدا عن تهديده لسلامتهم الشخصيّة في بلد لم تنته فيه الحرب بعد، ويشارك " جيش التحرير الفلسطيني" بها ويزجّ باللاجئين الفلسطينيين على جبهاتها المستعرة، كل ذلك وأكثر، يطحن فلسطينيي سوريا في لبنان بين شقاء البقاء فيه، ومجهول الإعادة.