نيويورك
قرّرت لجنة المسائل السياسيّة الخاصة وإنهاء الاستعمار "اللجنة الرابعة" في لقائها المُنعقد في الجمعيّة العامة منذ الاثنين الماضي، تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، حتى 30 حزيران/يونيو عام 2023.
ومن المُنتظر اعتماد القرار خلال تصويت اللجنة، الجمعة 15 تشرين الثاني/نوفمبر، كمُقدمة للتصويت النهائي والحاسم مطلع الشهر المُقبل، والذي يُشارك فيه (193) دولة.
وفي خطاب القائم بأعمال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، كريستيان ساوندرز، قال إنّ وضع الوكالة اليوم أكثر حرجاً مما كانت عليه في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، عندما كانت تمر بأسوأ صدمة ماليّة في تاريخها، وعمليّاً ليس لدى الوكالة أموال نقديّة ولا احتياطيّات رأس ماليّة عاملة.
جاء ذلك في كلمة ساوندرز لتقديم تقرير المُفوّض العام للجمعيّة العموميّة ولإعطاء تقرير مُوجز للجنة الرابعة حول التطوّرات العمليّاتيّة والتطوّرات الأخرى التي تؤثّر على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة لمناقشة آفاق المشهد للفترةِ القادمة.
وناشد فيها كافة شُركاء "أونروا" والأعضاء إلى التركيز على تمكين الوكالة من مُواصلة تنفيذ مهام ولايتها التي يعتمد عليها لاجئو فلسطين، وإلى القيام وبشكلٍ عاجل بصرف الأموال التي تم التعهّد بها لكي نتمكّن من المُحافظة على عمليّاتنا.
الوضع المالي الأسوأ في تاريخ "أونروا"
وجاء في خطابه "لا أرغب بأن أكون دراماتيكيّاً، إلا أننا في وضع اليوم أكثر حرجاً ممّا كُنّا عليه في تشرين الثاني من العام الماضي، عندما كُنّا نمر بأسوأ صدمة ماليّة لنا في تاريخنا، إنّ الفجوة التمويليّة لدينا تبلغ 89 مليون دولار، أي أنها أكثر بمبلغ 25 مليون دولار عمّا كانت عليه في الربع الرابع من 2018."
وحسب ساوندرز، إنه "ما لم يتم تسلّم تبرعات في الأيام القادمة، فإننا لن نكون قادرين على دفع رواتب شهر تشرين الثاني لموظفينا البالغ عددهم 30000 موظف وموظفة، كما أنّ عمليّة تقديم خدماتنا الرئيسيّة وعمليّاتنا الطارئة تقع أيضاً في مرمى الخطر"، ولفت إلى أنه تم بالفعل تأخير دفعات المُورّدين.
وأكّد ساوندرز أنّ بعض الشُركاء الذين تعهّدوا بسخاء بالتبرع بالمال لهذا العام لم يقوموا بتحويل تلك التبرعات بعد، وآخرون اشترطوا تعهّداتهم وتحويلاتهم بإجراءات ينبغي على "أونروا" ورئاسة الأمم المتحدة أن تقوم باتخاذها استجابةً للمسائل الإداريّة التي تم الإبلاغ عنها بشكلٍ واسع.
وفي هذا السياق أكّد أنّ هذه المسائل الإدارية تتم الاستجابة لها ومُعالجتها بشكلٍ صحيح، قائلاً "إنّ تقدير الجهات المانحة حق سيادي نحترمه بالكامل، إلا أنّ من شأن انقطاع الخدمة أن يؤثّر على المُنتفعين الأشد عُرضة للمخاطر بما في ذلك أكثر من 1.5 مليون لاجئ يتلقّون المُساعدة الطارئة الأساسيّة، وخاصة الغذاء.
وذلك من شأنه أن يؤثّر على 23 ألف مريض نستقبلهم بشكلٍ يومي بالمُعدل في عياداتنا في غزة والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، والذين من ضمنهم الآلاف من الأطفال الذين يتلقّون مطاعيم ضروريّة."
وكان ساوندرز قد اضطلع بمهام نائب المُفوّض العام، بعد أن تم تعيينه من قِبل الأمين العام بعد مُغادرة ساندرا ميتشيل، ومع استقالة بيير كرينبول من منصبه كمُفوّض عام في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، طلب منه الأمين العام انطونيو غوتيريش أن يضطلع بمهام "أونروا."
ويقول ساوندرز في هذا السياق، إنه في ظل الظروف الحاليّة ومع المُغادرة غير المُتوقّعة للقيادة العُليا، فإنّ ضمان استمراريّة عمليات "أونروا" وتوفير قيادة قويّة مع التكريز على الإصلاحات الضروريّة، تُعد أولويّة بالنسبة للمنظمة الأمميّة.
وأشار إلى أنّ هذه الظروف الاستثنائيّة العصيبة تتفاقم جراء وضع الوكالة على صعيد التدفق النقدي، الذي يُعد الأسوأ في تاريخها المُمتد عبر سبعين سنة، وهذه تحديات حرجة تتطلّب الانتباه العاجل "ونحن سنكون بحاجة إلى دعمكم القوي في الوقت الذي نمضي فيه قدماً من أجل السير بنجاح خلال هذه الفترة الصعبة."
التحديات الداخليّة: الاتحادات
حسب التقرير، إنّ من ضمن الأولويّات الداخليّة الفوريّة لساوندرز هي العمل على تأسيس حوار مُثمر مع اتحادات العاملين في "أونروا"، والتي تُمثّل (30) ألف موظف وموظفة في أقاليم عمليات الوكالة الخمسة ورئاستها العامة في كل من عمّان وغزة.
ويُشير إلى أنه تم مؤخراً إقرار زيادات على الرواتب من قِبل الحكومة الأردنيّة للمُوظفين العموميين، وحيث أنّ سياسة الوكالة الراسخة تقتضي بأن يعمل سُلّم الرواتب في البلدان المُضيفة بمثابة جهة مُقارنة لموظفي "أونروا" الذين يعملون بوظائف مُماثلة، ووكالة الغوث بالنسبة للموظفين المحليين لا تتبع سُلّم رواتب الأمم المتحدة، والذي هو أعلى بكثير.
وسعى الاتحاد "أونروا" في الأردن إلى الحصول على زيادة مُماثلة وبدعمٍ حكومي وبناءً على وساطة رسميّة، وافقت الوكالة على زيادة بناءً على المبادئ القائمة للوكالة، وقاومت الوكالة هذا القرار بسبب الوضع المالي الصعب الذي نجد نفسنا فيه، "إلا أنه وعلى أيّة حال فإننا نعي بأننا لا نستطيع الإبقاء على مُوظفينا إلى الأبد رهناً بقيودنا الماليّة، وخصوصاً إذا ما أردنا مُواصلة المُحافظة على قوّة عمل جيّدة لتقديم خدمات نوعيّة"، حسب ساوندرز.
ويُشير المسؤول الأممي إلى أنّ اتحادات العاملين في الأقاليم الأخرى تسعى للحصول على زيادة، فإنّ الإدارة ستقوم بالتشاور مع كافة أصحاب المصلحة بما في ذلك السلطات المُضيفة وذلك من أجل ضمان أن تسير النقاشات وفقاً لسياسة "أونروا" للرواتب وفي جو من الحوار.
مُراجعات داخليّة وتطوير:
يقول ساوندرز إنّ الوكالة قد استعادت التركيز وعملت بجد على الكيفيّة التي يُمكن من خلالها النهوض أقوى وأنها قادرة بشكلٍ أفضل على تنفيذ مهام ولايتها لما فيه فائدة اللاجئين الفلسطينيين، حيث يجري تنشيط التفاعل بين "أونروا" واللجنة الاستشاريّة، والتي تم إنشاؤها من قِبل الجمعيّة العامة من خلال قرارها التأسيسي في عام 1949 من أجل تقديم النُصح والمُساعدة للمُفوّض العام، لدى تنفيذه مهام الولاية.
وأضاف إنّ "إعادة تفويض السلطة والمُساءلة للأقاليم ولمُدراء الرئاسة العامة، بعد سنوات من الأزمة الماليّة قد أدى بنا ربما إلى مركزيّة زائدة، وسنعمل على جلب الإدارة العمليّاتيّة وصُنع القرار أقرب إلى أرض الواقع حيث تنتمي، اعتماداً على رؤية واستراتيجيّة الأمين العام."
كما أضاف، أنّه يجري زيادة الشفافيّة والرقابة ومُراجعة إدارة الموارد البشريّة وضمان تبسيط وانسيابيّة العمليّات، وذلك وصولاً للهدف النهائي المُتمثّل بتطوير قوّة عمل قادرة بشكلٍ أمثل على مُواجهة تحديات "أونروا" المُتطوّرة، مع التركيز على النوع الاجتماعي وإدخال آليّة غير رسميّة لتسوية النزاعات، وتعزيز أخلاقيّات العمل ومُواءمتها مع مُمارسات الأمم المتحدة الأفضل حيثما كان ذلك ملائماً.
التطوّرات في الأقاليم:
غزة: مُعدلات فلكيّة من الفقر والبطالة
قال ساوندرز إنّ هناك حوالي (1.1) مليون لاجئ من فلسطين مُسجّلين لدى "أونروا"، يعتمدون الآن على الوكالة الأمميّة من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسيّة وتحديداً المعونة الغذائيّة، وهذه الإعالة ليست من صُنع "أونروا"، إنها نتيجة مُباشرة لانهيار اقتصاد غزة منذ عام 2000 عندما كان في ذلك الوقت (8) بالمائة تقريباً من اللاجئين المُسجّلين يتلقّون معونة غذائية من "أونروا."
ولا يزال تقديم المُساعدات ضرورة إنسانيّة في غزة، وذلك مع وجود مُعدلات فلكيّة من الفقر والبطالة اللتان تعملنا على خلق ضغوط اجتماعيّة شديدة على المجتمع بأسره، وليس هنالك من تخفيف ملموس للحصار، كما أنّ هناك تقارير عن مانحين أوقفوا دعم الوقود الذي أبقى على محطات توليد الكهرباء في غزة عاملة حتى اللحظة، فيما تستمر الاحتجاجات بالقرب من الحدود وسط وقف هش لإطلاق النار يتم خرقه من وقتٍ لآخر.
وفي ظل هذه الخلفيّة، فإنّ الانخفاض الحاد في التمويل لمُناشدتنا للطوارئ، والتي انخفضت إلى النصف من (141) مليون دولار في 2017 إلى (72) مليون دولار هذا العام، لن يُساعد الاستقرار والأمن في غزة وما وراءها، وتأمل "أونروا" بأن يقوم المجتمع الدولي بفعل كل ما بمقدوره لزيادة دعمه لبرامج "أونروا" للمساعدة الطارئة.
الضفة المُحتلّة: الحماية تُعد تحدياً مُستمراً
لخّص تقرير المُفوّض العام التطوّرات المُتعلّقة بوجود "أونروا" في القدس الشرقيّة والتصريحات العامة من البلدية بشأن تكرار خدمات "أونروا" وإغلاق مرافقها "ونحن نُراقب الوضع ونعمل على الانخراط مع وزارة الخارجيّة الإسرائيلية حيال هذه المسألة، وبالتوازي مع ذلك فإننا نعمل على ضمان جودة تقديم البرامج في القدس الشرقية وشهدنا زيادة كبيرة في التسجيل بمدارسنا، في أعقاب سنوات من انخفاض معدلات التسجيل"، حسب المسؤول الأممي.
وفي سائر أرجاء الضفة الغربية فإنّ الحماية تُعد تحدياً مستمراً، ومن بين مجالات التركيز هنالك عمليات التوغّل التي تقوم بها قوات الاحتلال داخل مُخيّمات اللاجئين، واستخدام الذخيرة الحيّة وقنابل الغاز. "وتواصل الوكالة العمل على كسب التأييد مع المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين وشهدنا في بعض الحالات تغييرات على الأرض. وإننا لا نزال ملتزمون بالنهوض بجدول عمل الحماية في الضفة الغربية من خلال القنوات المناسبة"، على حد تعبيره.
سوريا: تُواصل "أونروا" العمل على استعادة الخدمات في المُخيّمات
يقول ساوندرز في التقرير، إنه بعد ثماني سنوات من النزاع المُدمّر، هنالك بارقة من الأمل في سوريا لما مجموعه (450) ألف لاجئ تقوم "أونروا" بمُساعدتهم، "ومرونة هذا المجتمع لهي بحق مصدر إلهام، ومن بينهم موظفون لدينا - فقدنا منهم تسعة عشرة موظفا بسبب أعمال العنف وأكثر من نصفهم قد تم تهجيرهم – عملوا على إبقاء برامج الوكالة الحيوية تعمل طوال الوقت."
وتُواصل الوكالة العمل على استعادة الخدمات في المُخيّمات التي تسمح الأوضاع الأمنيّة فيها بذلك. "ومؤخراً، بدأنا العمل على استعادة عملياتنا في درعا في الجنوب، والتي لفترة طويلة كانت منطقة يُعد الوصول إليها صعب المنال لأنها كانت مسرحا لعمليات عدائية مكثفة حتى السنة الماضية."
وتابع "كما أنّ مُناشدتنا الطارئة من أجل سوريا لم تحصل على الموارد المطلوبة، الأمر الذي تطلّب منّا القيام بتعديل على عملية استهداف المساعدة لتصل فقط إلى الأشد عُرضة للمخاطر"، ويقول إنّ "استدامة هذه المساعدة – وخدماتنا الرئيسة أيضاً– تُعد مسألة أولوية مستمرة. وتأمل الأونروا أن يقوم المجتمع الدولي ببذل كل ما بمقدوره من أجل زيادة دعمه لبرامجنا للمساعدة الطارئة."
لبنان: مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا لا يزال مُستمراً بالمُعاناة
وفي لبنان، فإنّ مجتمع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا والذين يبلغ عددهم حوالي (28) ألف شخص لا يزال مستمراً بالمعاناة من ظروف معيشية صعبة للغاية. إنّ عدم المقدرة على الحصول أو على تجديد الوثائق المدنيّة يؤثر على الوضع القانوني للعديدين، وغالباً ما يؤثر على الأسر بأكملها. وظروف المعيشة الصعبة يتم تخفيفها بواسطة مساعدة الوكالة، ويعمل لاجئو فلسطين من سوريا على استكشاف السُبل بشكلٍ نشط من أجل مغادرة لبنان والبعض منهم يطالب بإلغاء التسجيل من "الأونروا" اعتقاداً منهم بأنّ هذا قد يُوفّر لهم سبيلاً للوصول إلى فرص لإعادة التوطين المتاحة للاجئين الآخرين من سوريا. وبالنسبة للعديدين، فإنّ العودة إلى سوريا مفضلة إلا أن الوضع ليس مؤاتياً لمثل تلك العودة، "ونحن نراقب الوضع عن كثب"، حسب التقرير.
وفي ختام قوله، يقول ساوندرز:
"في هذا الوقت، فإنه من الحيوي أن تظل الدول الأعضاء والشركاء الآخرين ملتزمة تجاه الوكالة والخدمات التي تقدمها. كما أنه من الضروري أيضا للمجتمع الدولي أن يدعم العمل الحاسم الذي تؤديه الوكالة في مجالات الصحة والتعليم والمساعدة الإنسانية، والذي يعد مصدرا للاستقرار في منطقة مضطربة."
وتابع "إنّ الوكالة قاب قوسين من تجديد ولايتها هذا الأسبوع، إنّ وضعنا المالي صعب. كما أنّ التوترات العماليّة لدى أوساط القوى العاملة لدينا تتصاعد حيال شروط الخدمة وهنالك تهديد متجدد بالإضرابات في أقاليم متعددة، وعملياً فإنّ كافة إدارتنا التنفيذية قد غادرت في الأشهر الأخيرة. لقد قُمنا باتخاذ تدابير قوية ليس فقط من أجل تثبيت السفينة بل وأيضاً لاستخدامها كفرصة من أجل خلق زخم إيجابي وإدخال إصلاحات واسعة. وعلى أية حال، فإنّ هناك حدوداً لم يكن مُمكن أن نقوم به لوحدنا. إننا بحاجة إلى أساس مالي لمواصلة تلبية احتياجات لاجئي فلسطين."
وأكّد أنه لا يُمكن السماح بتقويض مهام ولاية "أونروا" أو التقليل منها بأي شكل من الأشكال من خلال تصرفات بضعة أفراد، "ونحن نعتمد عليكم، كمُمثلين للمجتمع الدولي، لاتخاذ إجراء حاسم لدعم الأونروا من أجل تلبية حقوق الإنسان الأساسية والمحافظة على كرامة أكثر من خمسة ملايين ونصف لاجئ من فلسطين."