في إطار البحث عن حلول تمويلية لأزمة العجز المتفاقم في موازنة أونروا، ينعقد الثلاثاء ٢٣/يونيو/ ٢٠٢٠ في نيويورك، "مؤتمر التعهدات المستمرة للدول المانحة" بمشاركة ٧٠ من الدول المانحة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين"أونروا" .

يأتي المؤتمر في ظل التصاعد المستمر للأزمة المالية التي تعانيها أنروا، خصوصاً مع تزايد النفقات الطارئة التي اضطرت لتلبيتها ضمن موازنتها لهذا العام، وأبرزها تلك المترتبة على انتشار جائحة "كورونا"، وتفاقم مصاعب الوضع الإنساني للاجئين الفلسطينيين في سوريا.

تبحث الورقة بين أيديكم في الواقع المالي للأونروا، محاولة إيجاد تقدير حقيقي للموقف حول إمكانيات الصمود المالي لها، في ضوء وجود اتجاه أمريكي للضغط من أجل تجفيف منابع تمويلها تمهيداً لتصفيتها، وهو ما بات يتجاوز حدود القرار الأمريكي المعلن بوقف مساهمة الولايات المتحدة في موازنة الأونروا، وذلك استناداً للمعلومات المنشورة والمتوافرة حول هذه الأزمة، وحدود القدرة المثبتة للوكالة في عمليات حشد التمويل من خلال أدواتها المختلفة خلال الأعوام الماضية.

 

موازنة الأونروا وبرامجها .. طوارئ فقط:

انعكاس ذلك يبدو واضحاً على طبيعة التقليص الكبير في خدمات "أونروا" خلال الأعوام الماضية، وهو ما يظهره توزيع أرقام الموازنة، اذ تبلغ حصة البرامج الطارئة الثلاثة التي تشغلها الوكالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي برامج الغذاء،  ٨٥% من مجموع الموازنة التي تحتاج لتغطيتها في الضفة الغربية وقطاع غزة بما يعادل، ١٥٣ مليون دولار، موزعة على ثلاثة برامج طارئة هي برنامج المساعدات الغذائية الطارئة، وبرنامج المال مقابل العمل الطارئ، وبرنامج المساعدات النقدية الطارئة، فيما لا تتجاوز حصص الثوابت الاستراتيجية لعمل "أونروا"  ١٥% من مجموع هذه الموازنة المحدودة، وتغيب بشكل كلي ضرورات العمل التنموي والإغاثة الهادفة لتمكين اللاجئين من وضع أفضل، وكذلك التشغيل الثابت للاجئين والمنصوص عليه كأحد واجبات الوكالة الرئيسية في ميثاقها الرئيسي وقرار تشكيلها الأممي.

فيما تبلغ موازنة "أونروا" التي تحتاج لتغطيتها في سوريا ولبنان والأردن ما مجموعه ٢٦٩ مليون دولار امريكي،٥٨ % منها مخصصة لبرامج طارئة، وهي برنامج المساعدات النقدية لتلبية الاحتياجات الاساسية، والمساعدات النقدية لتلبية احتياجات غير غذائية، والمساعدات النقدية لتلبية احتياجات غذائية، وذلك في ظل تصريح الوكالة بكون ٨٩% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أن اجمالي برامج "أونروا" الحالية في هذا البلد تعمل فقط في إطار الاستجابة لتقليص أخطار الجوع والفقر وفقدان المأوى، دون وجود أي برامج لتغيير الحالة الاستراتيجية للاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، الأمر ذاته ينطبق على وضع اللاجئين الفلسطينيين في كل من لبنان والأردن.

 

العوامل المؤثرة في قدرة "أونروا" على سد العجز في موازنتها:

 

أولاً : حدود الموازنة وأزمتها

خلال عام  ٢٠١٩ بلغت موازنة وكالة الغوث ١.٢ مليار دولار، لتماثل موازنة العام السابق، ورغم بدايتها ذاك العام بعجز يصل لنصف هذا المبلغ إلا أنها ومن خلال حشد التبرعات وتوفير النفقات داخلياً، أنهت العام بعجز ٢١٣ مليون دولار، وهو أمر ترك آثاراً واضحة على برامج وخدمات الوكالة، وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين المحتاجين لهذه الخدمات، ولكنه سمح أيضاً بصمود الهيكل المالي والإداري وقوام البرامج الرئيسية التي تشغلها أنروا (إغاثة - صحة- تعليم).

مع بداية العام الحالي اضطرت "أونروا" لرفع موازنتها على نحو عاجل الى ١.٤ مليار دولار، وجاءت الزيادة لاعتبارات الطوارئ المتمثلة في الأزمة الصحية جراء انتشار فيروس كورونا، والتي قدرت الوكالة نفقاتها الاضطرارية المرتبطة به، بـ ٩٧ مليون دولار كما أشارت في ندائها الطارئ بهذا الشأن، وكذلك اضطرت "أونروا" لنفقات طارئة أخرى أبرزها تلك المتعلقة بالوضع الإنساني المتدهور للاجئين الفلسطينيين في سوريا جراء الأزمة السورية.

استطاعت "أونروا" تجنيد نصف قيمة هذه الموازنة فقط حتى الآن، ولا زالت تعاني من أزمة مالية خانقة جراء عجزها عن تجنيد بقية قيمة الموازنة، أي أن قيمة العجز الحالي في الموازنة تصل إلى ٧٠٠ مليون دولار، وهو ما دفعها لإطلاق أدوات عدة لجمع التبرعات، منها المؤتمر الحالي الذي يضم ٧٠ من الدول المانحة.

 

ثانياً: أزمة التزام المانحين

مما يفاقم هذه الأزمة، ويدخل إليها تعقيدات إضافية، عدم التزام من دول عدة بسداد التعهدات التي قدمتها بشأن مساهمتها في موازنة "أنروا"، فمن أصل ١١٦.٥ مليون دولار هي مجموع تعهدات الدول العربية، التي تعادل نسبة ٧.٨% من إجمالي موازنة الأونروا، التزمت الأخيرة حتى الآن فقط بدفع ١٨ مليون دولار.

ذلك بجانب تنصل مجموعة من المانحين المعتادين من تقديم تعهداتهم المعتادة، فهناك ٢٥ من الدول المانحة لم تقدم أي تبرعات لـ "أونروا" ضمن موازنة هذا العام وكان مجموع تبرعاتها خلال العام المنصرم ١٥٠ مليون دولار، وكذلك هناك ١٥ دولة مانحة قلصت تبرعاتها هذا العام قياساً بالعام الماضي الذي كان مجموع تبرعاتها فيه ١٥٩مليون دولار.

 

ثالثاً: الضغط الأمريكي

بجانب وقف الإدارة الأمريكية لتبرعاتها لأونروا والتي كانت تبلغ ٣٩٠ مليون دولار سنوياً، أي حوالي ٣٠% من موازنة الوكالة، فهي تمارس ضغطاً مستمراً لتوجيه التبرعات لما يسمى "صندوق الازدهار لأجل السلام"  الذي أقرت استحداثه مع بقية الأطراف المشاركة في ورشة المنامة الاقتصادية، ويأتي ذلك في سياق الوجهة الأمريكية بتصفية دور "أونروا"، واعتماد الصندوق المذكور كمدخل لأي تبرعات توجه للجمهور الفلسطيني، بهدف تصفية قضية اللاجئين، واستخدام الأموال المذكورة كأداة جاذبة لإجبار الفلسطينيين على القبول بالخطة الأمريكية للتسوية في الشرق الأوسط  المعروفة بـ "صفقة القرن"، وتبدو انعكاسات الموقف الأمريكي واضحة في عدم التزام معظم الدول التي شاركت في ورشة المنامة بتعهداتها المالية لأونروا.

 

رابعاً: جهود أونروا والفلسطينيين

 على نحو متزامن تقوم الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية بجهد كبير لأجل تجنيد التبرعات اللازمة، وكانت منظمة التحرير قد أعلنت عن إطلاق حملة رقمية للتبرع لأونروا، قدمت لها بعدد من اللغات كما أفادت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين على لسان مسؤول دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، عن مجموعة من المسارات التي تنتهجها لأجل الضغط على المانحين لتمويل أونروا، وعملت مع العديد من شركائها على ضمان تجديد تفويض "أونروا" لثلاث سنوات قادمة، بغية تحقيق الضمان السياسي لها.

كما تستهدف "أونروا" مجموعة من المؤتمرات والمناسبات المتتالية كنقاط لحشد التمويل اللازم، و إحداث زخم استثنائي في حجم التبرعات المقدمة لها بما يسد العجز في موازنتها، وأبرز هذه المحطات هي التالية:

  • مؤتمر التعهدات المستمرة للدول المانحة.
  • مؤتمر المشرفين على الشؤون الفلسطينية في جامعة الدول العربية.
  • اجتماعات اللجنة الاستشارية للأونروا والتي تشارك فيها ٣٠ دولة مانحة في الأول من تموز/يوليو المقبل.
  •  

خامساً: قدرة المؤتمرات على حشد التمويل

سبق لأونروا أن لجأت للمؤتمرات المماثلة لأجل حشد التمويل، ورغم النجاح النسبي لحملاتها، ولهذه المؤتمرات، إلا أن مجموع ما حققته من تبرعات كان محدوداً بالفعل، ولم ينجح في سد عجز موازناتها، فخلال مؤتمر للمانحين عقد في حزيران/ يونيو من العام الفائت 2019 اقتصرت التبرعات التي تم تجنيدها فيه، على ١١٠ مليون دولار، وفي عام ٢٠١٨ كانت أقل بكثير، إذ اقتصرت على ٤٠ مليون دولار.

 هذه الأرقام تشير بشكل واضح لحدود وسقف التبرعات التي يمكن أن تصل إليها "أونروا" من خلال هذه المؤتمرات.

 

السيناريوهات و حدود الممكن

في خطط الأونروا لجمع التبرعات فإنها تستهدف مانحيها المعتادين، أي أنها لا تخرج عن حدود مخاطبة الدول المانحة المساهمة سنوياً في موازنتها من أجل الالتزام بسقف المساهمة المعتاد، لذا فإن سقف المنح السنوية التي تقدمها دول لم تتبرع هذا العام هو ١٥٠ مليون دولار، بجانب ١٥٩ مليون دولار هي القيمة التي قدمتها العام الماضي ١٥ دولة، قدمت سقفاً أقل في هذا العام.

والحال هذه، فإن إمكانية استعادة الدعم الأمريكي تبقى مستحيلة وترتبط بخطط لتصفية ملف اللاجئين، وتفكيك وكالة"أونروا" بشكل كامل، أي أن الولايات المتحدة قد تبدي استعداداً لتمويل عملية التفكيك، ولكنها لن تمول إطلاقاً عمليات وبرامج التشغيل، وتفضل وضع مزيد من الضغط على اللاجئين الفلسطينيين لإجبارهم على القبول بخطتها لتصفية قضيتهم وحقوقهم.

فيما يبدو إطار العمل الفلسطيني الحالي والذي يتجه نحو الضغط على الدول المانحة لأجل تقديم مساهماتها المعتادة، أو جمع التبرعات الشخصية والمؤسساتية من خلال الحملات الرقمية ذو قدرة محدودة على تغيير سلوك المانحين، أو تعويض العجز الكبير في موازنة "أونروا".

 

وفقاً لهذه المدخلات تبدو السيناريوهات القائمة هي التالية:

١- نجاح المؤتمر الحالي في الوصول لسقف مؤتمر العام الماضي(١١٠ مليون دولار)، وهو ما يعني بقاء عجز بحدود ٦٠٠ مليون دولار في موازنة "أونروا"، ومع فرضية تحقيق نجاح في دفع معظم الدول المتبرعة للالتزام بسقف العام الماضي قد يصل حجم التبرعات الجديدة إلى ٣٠٠ مليون دولار، ما يعني وصول إجمالي التبرعات لهذا العام إلى سقف مليار دولار وبقاء عجز قيمته ٤٠٠ مليون دولار، وهذا يعني اضطرار وكالة الغوث لمراكمة عجز في موازنتها، واتجاهها إجباريا لتقليص برامجها في قطاعات رئيسية وحيوية، وفي ضوء الوضع الطارئ الحالي وما ترتب عليه من احتياجات إضافية، فإن هذا سيترجم فعلياً، في معاناة ملايين من اللاجئين خصوصاً في سوريا ولبنان وقطاع غزة، من نقص حاد في الدعم الغذائي، وانهيار في الخدمات التعليمية والصحية، أو بقاء تشغيلها عند حدودها الدنيا، ومع ذلك يعني هذا السقف المالي حفاظ "أونروا" على هيكلها الإداري والمالي الرئيسي، وضمان عدم التوقف النهائي لبرامجها التي ستتعرض لتقليص هائل على مستوى خدماتها وموظفيها.

٢- في ضوء الأزمة الصحية العالمية وما ترتب عليها من أضرار اقتصادية هائلة ضربت معظم دول العالم، سيؤدي هذا الى تآكل في حجم التبرعات المقدمة من المانحين، وهو ما يعني فعلياً اتجاهاً شبه محتوم لتقليص التبرعات المقدمة، وحدوث ثغرة تمويلية خطرة للغاية، قد تعني المساس بالهيكل الأساسي لبرامج "أونروا" وتهديد قدرتها على العمل بشكل جدي، وبداية لنهاية دورها حتى وان احتفظت بوجود شكلي أو جزئي.

٣- السيناريو الثالث هو دخول مانحين جدد على خط التبرع، أو مضاعفة عدد من الدول المانحة الحالية لمساهمتها بشكل نوعي واستثنائي، ما يعني سد معظم العجز الحاصل في موازنة الوكالة، ويبقى فهمنا لاستحالة هذا السيناريو مرتبطاً بطبيعة جدول الدول المانحة ومقدار مساهماتها.

 

خلاصة:

توضح "أونروا" في نداءاتها المتكررة بأنها في ظل تقلص مواردها تعطي الأولوية للاحتياجات الطارئة، وهو ما يعني إعلاناً فعلياً عن عجزها عن تلبية مجموعة من الضرورات الحيوية لعملها في خدمة أكثر من ٥.٨ مليون لاجئ فلسطيني يستفيدون من خدماتها، وذلك الوضع "المثالي"، في ظل نجاحها في حشد كامل التمويل المطلوب لموازنتها المتقشفة.

وتشير التجارب السابقة لمحاولات الوكالة في تجنيد التمويل لمحدودية قدرة هذه المحاولات والأدوات على حشد التمويل الملائم، ورغم محاولات منظمة التحرير الفلسطينية لتوجيه ضغط على الدول المانحة لتجنيد هذا التمويل، تبدو فرص النجاح محدودة بنسب معينة، بما يعنيه ذلك من ترجيح لسيناريو استمرار العجز المالي لدى الوكالة بسقف عجز لا يقل عن ٣٠٠ مليون دولار في أفضل الأحوال.

ترجمة هذه الاحتمالية في أفضل سيناريوهاتها هي استمرار العجز عن تشغيل برامج استراتيجية تتكفل بتحسين وضع اللاجئين، بل والمرجح هو شروع الوكالة في مزيد من التقليص لبرامجها الطارئة القائمة، وهو ما يعني إفراغ وجودها من محتواه الرئيسي، وعجزها عن أداء المهمات الرئيسية المنوطة بتشكيلها، وتحول دورها الإغاثي والتشغيلي لمفهومه الضيق القاضي بتوجيه مساعدات جزئية خاصة باحتياجات تهدف لمنع مزيد من التدهور في أوضاع اللاجئين.

 

معالجات:

  • ضرورة تشكيل تحالف فعال من الدول والأطراف المعنية بإنقاذ دور "أونروا"، يضم بجانب الفلسطينيين، الدول المضيفة للاجئين، ومجموعة المؤسسات الدولية والحقوقية المعنية يشكل جبهة ضغط على الدول المانحة.
  • العمل على تظهير موقف فلسطيني وموقف من الدول العربية المضيفة يختص الدول العربية المانحة والممتنعة عن الإيفاء بالتزاماتها، ويشكل حالة ضغط خاصة عليها.
  • التصعيد السياسي لهذه القضية من طرف الجهات الفلسطينية المسؤولة بما يشمل، الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس جامعة الدول العربية.
  • حشد موقف من مجموع الشبكات والقوى المناصرة للشعب الفلسطيني و لقضية اللاجئين بهدف تشكيل ضغط جماهيري استثنائي على الدول المانحة والمعنية.
  • العمل من خلال الجمعية العمومية للأمم المتحدة لاستصدار قرار يخصص مساهمة مباشرة من جميع الدول الأعضاء لمصلحة "أونروا"، بجانب المساهمة من موازنة الأمم المتحدة لهذا الغرض.
  • تصعيد أشكال العمل الجماهيري الضاغط تجاه الأطراف المسؤولة كافة، بما يشمل سفارات الدول المانحة، والسفارات الأمريكية والعربية المعنية، بما يتكفل بإحداث ضغط كافي على هذه القوى.
خاص/ بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد