تشهد مُخيّمات اللاجئين في الضفّة المحتلة منذ بداية العام 2022 تصعيداً عسكريّاً صهيونياً هو الأكبر منذ سنواتٍ طويلة، وازدادت وتيرة هذا التصعيد في الشهور الأخيرة من العام الجاري، حيث أدّى ذلك لاستشهاد وإصابة واعتقال المئات من سكّان المُخيّمات التي لا تطالها حملات الاعتقال فقط، بل التصاعد الملحوظ في مستوى العنف وعمليات التنكيل بحق سكّانها.

الانتهاكات طالت 16 مُخيّماً للاجئين في الضفة

ومن خلال المتابعة اليوميّة للانتهاكات بأنواعها وخاصّة الاعتقالات التي ينفذها الاحتلال، رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر آب/ أغسطس ارتقاء اثنين من الشبّان في مُخيّمي جنين وقلنديا، و72 حالة اعتقال، و64 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و65 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 16 مُخيّماً للاجئين الفلسطينيين بالضفة من أصل 19 مخيماً فلسطينياً.

وأظهر الرصد تصاعداً كبيراً في عدد انتهاكات الاحتلال بحق المُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة مقارنةً بالشهر الذي سبقه، حيث رصدنا في شهر تموز/ يوليو المنصرم 44 حالة اعتقال، و7 إصابات من بينها بالرصاص الحي، و37 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 10 مُخيّماتٍ من أصل 19 مخيماً.

وخلال شهر آب/أغسطس، طالت انتهاكات الاحتلال المُخيّمات التالية: مُخيّم العروب، ومُخيّم نور شمس، ومُخيّم جنين، ومُخيّم الجلزون، ومُخيّم شعفاط، ومُخيّم عايدة، ومُخيّم الدهيشة، ومُخيّم العزة، ومُخيّم الفارعة، ومُخيّم الأمعري، ومُخيّم قلنديا، ومُخيّم طولكرم، ومُخيّم عسكر الجديد، ومُخيّم الفوار، ومُخيّم بلاطة، ومُخيّم عقبة جبر.

الاعتقالات

ووفق تحليل الرصد الذي أجراه موقعنا، يتبيّن أنّ مُخيّم الدهيشة يتصدَّر في عدد الاعتقالات بمجموع 11 معتقلاً خلال شهر آب/ أغسطس، يليه مُخيّم الفوار بذات العدد، ومن ثم يأتي مُخيّم الجلزون في المرتبة الثالثة بمجموع 9 معتقلين خلال ذات الشهر، وفي المرتبة الرابعة يأتي مُخيّم شعفاط بمجموع 7 معتقلين.

إصابات بالرصاص الحي

وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 64 لاجئاً برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مُخيّم العروب في مقدمة المُخيّمات التي سُجلت فيها الإصابات بعدد 15 إصابة منها بالرصاص الحي، يليه مُخيّم الجلزون بذات العدد، وذلك من أصل 64 إصابة توزّعت على بقية المُخيّمات، إلى جانب إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة.

مداهمات واندلاع مواجهات

وتبيّن أيضاً أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المُخيّمات المذكورة 65 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، إذ يوضّح الرصد أنّ مُخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة هو أكثر المُخيّمات اقتحاماً من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر  الثامن من عام 2022، يليه من ناحية العدد مُخيّم الدهيشة، ومن ثم مُخيّمات جنين والعروب وعايدة.

15-1.jpg

 

وللتعقيب على ذلك، يقول رئيس اللجنة الشعبيّة لخدمات مُخيّم الجلزون محمود مبارك لبوابة اللاجئين الفلسطينيين:  إنّ الوضع في مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيين بالضفة المحتلة صعب للغاية، حيث تتعرّض هذه المُخيّمات لانتهاكاتٍ يوميّة ومستمرة من قِبل جيش الاحتلال وعلى مدار أيّام الأسبوع.

ويلفت مبارك خلال حديثه، إلى أنّ معظم مُخيّمات اللاجئين بالضفة يتم اقتحامها واعتقال منها الفتية والشباب، مُؤكداً أنّ جيش الاحتلال يحاول بشتّى الطرق إسكات صوت هذه المُخيّمات التي تُعاني من كافة النواحي، لذلك نقول أنّ اللاجئين في المُخيّمات على وشك الانفجار في أي لحظة في ظل هذه الأوضاع التي لا تسر أحداً.

سيبقى صوت المُخّيمات عالياً

ويوضح مبارك، أنّ هناك عدّة طرق يتّبعها الاحتلال وأجهزته الأمنيّة من أجل إسكات الصوت الحر داخل مُخيّمات اللاجئين، ومنها القمع بالرصاص والاقتحامات الليلية للبيوت والاعتقالات، أو من خلال نشر المخدرات، ونشر الفتن الداخليّة.

ويُشير مبارك إلى أنّ هناك حرصاً شديداً من قِبل كافة أهالي المُخيّمات وكل القوى والمؤسّسات الوطنيّة الغيورة على هذه المُخيّمات باتجاه الإصرار على أن يبقى هذا الصوت حر ومرتفع، ومن أجل أن تبقى هذه المُخيّمات شامخة في مجابهة هذا الاحتلال وبطشه المستمر.

محاولة لكيِّ الوعي

هذه الهجمة المُستمرة من قِبل الاحتلال على اللاجئين الفلسطينيين وحواضنهم المؤقّتة ألا وهي المُخيّمات، تأتي في ظل تقصيرٍ كبيرٍ من السلطة الفلسطينيّة التي تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار والإدانة، بحيث يرى مراقبون أنّ هذا الدور شبه الغائب للسلطة وأجهزتها الأمنيّة هو ما يشجّع الاحتلال على الأرض لارتكاب المزيد من الجرائم بالتوازي مع صمت المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين إزاء هذه الانتهاكات.

ويرى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" صلاح عبد العاطي: أنّ الاحتلال يكثّف من انتهاكاته الجسيمة بحق اللاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية، وتحديداً في مُخيّمي جنين وبلاطة وباقي المُخيّمات من حيث الاقتحامات التي تكون بهدف الاعتقال أو قتل المقاومين، بهدف كي الوعي وضمان إيقاع أذى بليغ في الحاضنة الشعبيّة من خلال عمليات هدم منازل المقاومين داخل مُخيّمات اللاجئين.

الاحتلال يتوهّم أنّه يستطيع إيقاف مقاومة المُخيّمات

ويُشير عبد العاطي إلى أن الاحتلال يعتقد أنّه بهذه الجرائم يستطيع إيقاف المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربيّة، وبالتالي هو يحاول رفع كلفة المقاومة الفلسطينيّة حتى تنفضّ الحاضنة الشعبيّة داخل المُخيّمات عن المقاومين، وبالتالي يُعيد الاحتلال عملية الهدوء إلى الضفة، لكنّ هذا الاحتلال لا يُدرك أنّ حالة الاحتقان التي باتت تتزايد هي نتيجة مباشرة لجرائم الاحتلال المتواصلة بحق المدنيين في المُخيّمات، ومن خلال إطلاق يد المستوطنين لتصفية الفلسطينيين في الطرقات والأزقّة بدمٍ بارد وأمام أعين العالم.

وحول السلطة وإجراءاتها، يُؤكّد عبد العاطي أنّ المطلوب من السلطة التحلّل من كل اتفاقات أوسلو وملحقاتها وبناء إستراتيجيّة تقوم على تدويل الصراع واستعادة الوحدة على أساس الشراكة السياسيّة، مع ضمان تغيير عقيدة الأجهزة الأمنية ووظيفة السلطة لتصبح خادمة للمشروع الوطني، وتوقف وظيفة التنسيق الأمني وتنضم إلى جهد شعبي واسع في إطار رفع كلفة الاحتلال.

 ويضيف عبد العاطي: أنّ الاحتلال بعدم احترامه لأيٍ من الحقوق الفلسطينيّة وتنكّره لقواعد القانون الدولي الإنساني يستوجب تعاملاً مغايراً عن السياسات السابقة التي سلكتها السلطة بما في ذلك ضمان نقل كل انتهاكات الاحتلال وإحالتها إلى محكمة الجنايات الدوليّة والبناء على كل الهوامش التي أتاحها انضمام فلسطين إلى الأجسام والمنظمات الدولية لضمان مسار جاد لمساءلة الاحتلال وفرض المقاطعة والعقوبات على هذا الاحتلال.

المقاومة تتصاعد أيضاً

وبالرغم من اشتداد هجمة الاحتلال على مُخيّمات اللاجئين والضفة المحتلة بمدنها وقراها بشكلٍ عام، أظهرت معطيات نشرتها وسائل إعلامٍ عبريّة، أنّ هناك زيادة كبيرة وملحوظة في عمليات المقاومة الفلسطينيّة خلال شهر آب/ أغسطس الفائت، مقارنةً بالأشهر التي سبقته.

وبحسب المعطيات، فإنّ شهر آب وُصف بـ"الأعنف"، حيث سجّل فيه 172 هجوماً على قوات جيش الاحتلال منها 23 عملية إطلاق نار، و135 هجوماً بالزجاجات الحارقة، فيما تلفت المعطيات إلى أنّ هذه الزيادة تترافق مع عمليات مكثّفة لجيش الاحتلال خاصّة في الأسابيع الأخيرة التي جرى فيها اعتقال أكثر من 100 فلسطيني من أنحاءٍ متفرّقة من الضفة.  

أحمد حسين – صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد