يتواصل التصعيد العسكري الصهيوني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالضغة الغربية المحتلة، متسبباً في استشهاد وإصابة واعتقال مئات اللاجئين الفلسطينيين.
وخلال الأشهر الماضية، شكات المخيمات في الضفة المحتلة ساحة مواجهة واسعة مع جيش الاحتلال الذي ارتكب مئات الاعتداءات والانتهاكات بحق أهلها، وفي المقابل تصاعدت عمليات المقاومة المنطلقة من المخيمات وتردد اسم مخيمات عدة على طول أراضي الضفة الغربية كبلاطة وجنين وشعفاط والدهيشة وعايدة والعروب وعسكر كأحد أبرز نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال، لا سيما مع خروج بيانات وتصريحات من مجموعات المقاومة في جنين وبلاطة وشعفاط تتبنى عمليات ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه.
الانتهاكات طاولت 14 مُخيّماً للاجئين في الضفة
ومن خلال المتابعة اليوميّة للاعتداءات التي يرتكبها الاحتلال، رصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر ارتقاء 11 فلسطينياً 4 منهم فقط في مُخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين، وبقية الشهداء توزعوا على مُخيّمات: العروب والجلزون وشعفاط وعسكر الجديد، فيما تم رصد 91 حالة اعتقال، و67 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و184 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 14 مخيماً بالضفة من أصل 19 مخيماً فلسطينياً.
وأظهر الرصد تصاعداً كبيراً في عدد اعتداءات الاحتلال على المخيمات الفلسطينيّة بالضفة خلال شهر أكتوبر مقارنةً بالشهر الذي سبقه، حيث استشهد 11 فلسطينياً في شهر أكتوبر، مقارنةً بشهر أيلول/ سبتمبر الذي ارتقى فيه 10 فلسطينيين نصفهم في مُخيّم جنين.
وخلال أكتوبر/ تشرين الأوّل، طالت انتهاكات الاحتلال المُخيّمات التالية: مُخيّم العروب، ومُخيّم نور شمس، ومُخيّم جنين، ومُخيّم الجلزون، ومُخيّم شعفاط، ومُخيّم عايدة، ومُخيّم الدهيشة، ومُخيّم قدورة، ومُخيّم الفارعة، ومُخيّم قلنديا، ومُخيّم عسكر الجديد، ومُخيّم الفوار، ومُخيّم بلاطة، ومُخيّم عقبة جبر.
الشهداء
ووفق تحليل الرصد الذي أجراه موقعنا، يتبيّن أنّ مُخيّم جنين نال النصيب الأكبر في عدد الشهداء، إذ ارتقى جرّاء استمرار عدوان الاحتلال على هذا المُخيّم بالتحديد 4 شبّان خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل، فيما ارتقى 3 شبّان في مُخيّم الجلزون، واثنان في مُخيّم عسكر الجديد، وارتقى شاب في مُخيّم شعفاط، وآخر في مُخيّم العروب.
الاعتقالات
ويتبيّن حسب الرصد، أنّ مُخيّم شعفاط يتصدَّر في عدد الاعتقالات بمجموع 50 معتقلاً خلال الشهر المذكور خاصة بعد عمليتي الشهيد عدي التميمي ابن هذا المخيم، يليه مُخيّم الدهيشة بعدد 8 معتقلين، ثم يليه مُخيّما جنين والجلزون بذات العدد، ويأتي مُخيّم قلنديا في المرتبة الرابعة بمجموع 5 معتقلين.
إصابات بالرصاص الحي
وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 67 لاجئاً برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مُخيّم جنين إلى جانب مُخيّم شعفاط في مقدمة المُخيّمات التي سُجلت فيها الإصابات بمجموع 30 إصابة منها بالرصاص الحي، يليهما مُخيّم العروب بعدد 12 إصابة، وذلك من أصل 67 إصابة توزّعت على بقية المُخيّمات، إلى جانب إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة.
مداهمات واندلاع مواجهات
وتبيّن أيضاً أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المُخيّمات المذكورة 184 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، إذ يوضّح الرصد أنّ مُخيّم العروب للاجئين الفلسطينيين هو أكثر المُخيّمات اقتحاماً من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر العاشر من عام 2022 بـ 50 اقتحاماً، يليه من ناحية العدد مُخيّم شعفاط بعدد 45 اقتحام، ومن ثم مُخيّمات عايدة والجلزون وجنين.
المُخيّمات كابوس يُديم إحياء قضية اللاجئين
يقول مدير مركز دراسات اللاجئين عماد عفانة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ المُخيّمات الفلسطينيّة تمثّل حالة رمزيّة عميقة لجهة تجسيد قضية اللاجئين في الوطن والشتات، وعمل العدو طويلاً عبر كثيرٍ من المشاريع على تفريغ المُخيّمات في الأرض المحتلة كونها تمثّل له كابوساً يديم إحياء قضية اللاجئين في نظر الفلسطينيين وفي نظر العالم ومؤسّساته الدوليّة والإنسانيّة والحقوقيّة.
يوضح عفانة، أنّ مشاريع تفريغ المُخيّمات تمثّلت تارةً بمشاريع إسكان أكثر تنظيماً وترتيباً خارج المُخيّمات، وتارةً بتشجيع اللاجئين على الهجرة بحثاً عن فرصٍ لتعليمٍ أو عملٍ أفضل، ولذلك نرى وسنبقى نرى ضغطاً صهيونياً على المُخيّمات لتبقى بؤراً للعوز والفقر والفوضى وضعف الخدمات المقدّمة لها في إطار تنفير اللاجئين من البقاء في المُخيّمات ودفعهم للبحث عن فرصٍ أفضل خارجها، لا سيما وأنّ هذه المُخيّمات مثّلت منذ النكبة قبل أكثر من 74 عاماً حواضن للمقاومة والثورة، فقد خرّجت المُخيّمات الكثير من القادة والمناضلين الذين صقلتهم سنوات الألم والبؤس، وهذا سبب آخر لاستهداف العدو للمُخيّمات انتقاماً منها ومحاولةً منه لتجريف كل محاولات بقائها حواضن راعية للمقاومة ومدرسة تخرّج القادة والمناضلين.
ويخلص عفانة إلى أنّ ما حلّ بالمُخيّمات داخل أو خارج الأرض المحتلة كان عبارة عن مُخطط محبوك ومرسوم بدقّة سواء نُفّذ بأيدٍ صهيونيّة أو عربيّة فالنتيجة واحدة وهي اضعاف المُخيّمات وانهاء كل أمل في عودتها كحواضن ثورة حقيقيّة يمكن أن تشكّل قواعد انطلاق للتحرير والعودة.
تتعزّز في نظر اللاجئين الفلسطينيين إمكانية النيل من الاحتلال وهزيمته
إلا أن استهداف المخيمات لم يضعف بنية الحاضنة الشعبية للمقاومة فيها وهذا كان أحد أهداف حصار مخيم شعفاط شرقي القدس المحتلة الشهر الماضي، وما تلاه من حصار نابلس ومخيم بلاطة فيها، ما يشير إلى أنها ما تزال تقدم مقاومة قدر المستطاع في وجه الاحتلال رغم ما تعانيه من أزمات كبيرة كالفقر والتهميش والبنية التحتية الهشة.
في هذا الجانب يرى عفانة أنه من الطبيعي أنّ يولد الضغط الانفجار، واستمرار العدو في ممارسة الضغط على المُخيّمات، من الطبيعي أن يواجه بالرفض والمقاومة كردٍ فعلٍ طبيعي فطري، ففلسطين في نظر اللاجئين المطحونين في المُخيّمات ما زالت قائمة في نظرهم بحدودها من رفح إلى أم الرشراش، وكما يُقال "طول الألفة يضيع الهيبة"، لذا فإنّ أكثر من 74 عاماً من الصراع مع هذا العدو أضاع هيبته من نفوس وعيون الشعب الفلسطيني المناضل، وكل يوم تتعزّز في نظر اللاجئين الفلسطينيين إمكانية النيل من الاحتلال وهزيمته، واللاجئون على يقينٍ أنّه لو توفّر لهم ظهيرٍ عربي قوي لأنجزوا هدف التحرير منذ زمنٍ طويل، على حد تعبيره.
يقول عفانة: لكن ومع بالغ الأسف جميعنا يعلم أنّ من صنع كيان الاحتلال هو ذاته من صنع هذه الأنظمة العربيّة – سايكس بيكو- لحماية الاحتلال وحدوده، ونحن نرى ما كان يُسمى بدول الطوق، حيث اتضح أنّ الطوق ليس لحصار العدو، بل لمنع المقاومة من المساس به أو تهديد وجوده، فالأنظمة العربيّة خير من يحرس حدود العدو اليوم، على حد وصفه.
للاحتلال أصابع في بؤس المخيمات كي لا تبقى ساحة مواجهة
يضيف عفانة أنّ المطلوب رفع مستوى الحياة وتطوير المُخيّمات لتصبح بيئة قابلة للحياة وليست طاردة لها، وهذا لا يتعارض مع اللجوء، ولا يُنقِص من عزم اللاجئين على العودة إلى ديارهم وبيوتهم التي هجروا منها، وفي هذا الإطار هناك احتمالين لهذه الظاهرة: إمّا أنّ للعدو أصابع خفية تدفع المسؤولين على إبقاء المُخيّمات الفلسطينيّة بيئة مزرية طاردة للاجئين ومنفّرة لهم من الصمود فيها لتنفيذ مخطط إفراغ المُخيّمات والقضاء على بعدها وعمقها ورمزيتها لقضية اللاجئين، وأيضاً القضاء عليها كساحة مواجهة واشتباك.
والاحتمال الثاني بحسب عفانة: أنّ هناك مفهوماً خاطئاً لدى هؤلاء المسؤولين، وهو أنّ إبقاء المُخيّمات بواقعها المزري والمكتظ وغياب الخدمات الجيدة ومنع تطوير بنيتها التحتية وواقع السكن فيها ليليق بالبشر، يخدم قضية اللاجئين أو ممكن أن يزيد انتماء اللاجئين لقضيتهم، "لكنّني أرجّح الاحتمال الأوّل مغموساً بالخيار الثاني لوجود كثير من الجهلة والبسطاء في مواقع المسؤوليّة."
وتجدر الإشارة إلى أنّ حصار الاحتلال لمُخيّم شعفاط في مدينة القدس كان من أبرز الانتهاكات خلال شهر أكتوبر، حيث ضرب الاحتلال حصاراً شاملاً على المُخيّم والمناطق المُجاورة في سياق ما ادّعاه أنّه ضمن إجراءات البحث عن منفّذ عمليّة حاجز شعفاط عُدي التميمي الذي ارتقى شهيداً بعد 12 يوماً من المُطارَدة.