لم تكن الوعود التي أطلقتها مديرة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في لبنان "دورثي كلاوس" بشأن قضية رئيس اتحاد المعلمين في الوكالة فتح الشريف سوى "حبر على ورق" يقول معلمون في الوكالة، فـ "دوروثي" وعدت بحل المشكلة والاكتفاء بالإنذار الشفهي وعودة الأمور الى طبيعتها بعد ذلك، ولكن ما هي إلا أيام حتى وصل بريد الكتروني رسمي من المفوض العام للوكالة "فيليب لازاريني" بقرار وضع الأستاذ الشريف في إجازة ثلاثة أشهر دون راتب والطلب منه تسليم كل متعلقات عمله وعدم دخول مؤسسات الوكالة، وهو القرار الذي تزامن مع إجراءات أخرى بحق نائبه الأستاذ رائف الأحمد بحسم شهر راتب كامل من مرتبه وإحالته للتحقيق بناء على مشاركة سابقة له عام 2019 تدعو إلى إقرار حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ومرة أخرى، تحرك قضية تعامل إدارة "أونروا" مع موظفيها الفلسطينيين بخصوص محاولات "إخضاعهم" لما يسمى "سياسة الحيادية" التي تتبناها الشارعَ في أوساط اللاجئين الفلسطينيين الذين يرفضون على كل المستويات الشعبية والفصائلية والنقابية والأهلية بأن يُعاقب موظفو "أونروا" على خلفية نشاطاتهم الإنسانية والوطنية وممارستهم لحقوقهم في التعبير عن انتمائهم لوطنهم فلسطين والتضامن مع أشقائهم الذين يتعرضون لجرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.
وضمن حراك احتجاجي متصاعد دعا إليه اتحاد المعلمين في الوكالة وفصائل وقوى فلسطينية وإضراب واسع عن العمل، شهد يوم الأربعاء وقفة حاشدة أمام مقر وكالة "أونروا" الرئيسي في العاصمة اللبنانية بيروت.
وتحت عنوان "لا مساومة على انتمائنا الوطني" وصلت ظهر يوم الأربعاء 27 آذار/ مارس الجاري تحمل مئات اللاجئين الفلسطينيين من مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان، إلى أمام مقر الوكالة، فكانت وقفة غاضبة شارك فيها أيضاً ممثلون عن الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والأهلية، رفعوا الأعلام الفلسطينية ولافتات تضامنية مع رئيس اتحاد المعلمين الذي اتخذت بحق الإجراءات العقابية فتحى الشريف و كذلك لافتات تدين قرارات الوكالة بحقه، وسرعان ما صارت الساحة مكتظة جداً أمام باب مقر "أونروا" المقفل وألقوا كلمات ووجهوا رسائل للوكالة تعبر عن رفضهم لممارساتها، وتؤكد على حقوق العاملين في الوكالة بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، إذ يواجه جرائم إبادة "إسرائيلية" منذ نحو 6 أشهر.
سبب العقوبات معروف وهو الانتماء لفلسطين ووكالة "أونروا" حق للفلسطينيين حتى العودة
رئيس اتحاد العاملين ومدير ثانوية دير ياسين فتح الشريف كان حاضراً وهتف له المشاركون تضامناً معه، وقال لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن على إدارة وكالة "أونروا" أن تحل الموضوع بأسرع وقت ممكن وإلا فإن "الأمور ستذهب إلى ما لا يُحمد عقباه"، مشيراً إلى أنه "ابن تلك المؤسسة التي قضى فيها أكثر من 29 سنة ولن يتخلى عنها بهذه السهولة ابداً".
وأضاف شريف: إنه لن يقبل أن تكون مكافأته من قبل مديرة الوكالة في لبنان توقيفه عن العمل وبدون راتب لمدة 3 أشهر، موضحاً ان السبب بالنسبة له "معروف وهو انتماؤه إلى الشعب الفلسطيني سواء كان داخل الأونروا أو خارجها"
مدير مدرسة حطين في منطقة صيدا الأستاذ ابراهيم مرعي أشار لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إلى أن وكالة "أونروا" "حق للفلسطينيين حتى العودة إلى فلسطين وليس منةً من أحد"، قائلاً: "أعيدونا إلى أرضنا وخذوا مليون أونروا، ولن تستطيع اي مؤسسىة في العالم ان تسلخنا عن شعبنا وارضنا".
وقال مدير مؤسسة ثابت لحق العودة سامي حمود: إن الوقفة أمام مكتب الوكالة الرئيسي يأتي ضمن تحركات احتجاجية رافضة لقرار إدارة الوكالة بحق الأستاذ فتح شريف، مضيفاً لموقعنا: أن الشعب الفلسطيني بجميع شرائحه وحتى الطلاب جاؤوا ليعبروا عن تضامنهم مع الاستاذ شريف ويوجهون رسالة مفادها أن هذه الإجراءات هي إجراءات مشينة بحق شعبنا الفلسطيني".
وعبّر بأن تهمة الانتماء الوطني "شرف لاي فلسطيني يدافع عن قضايا شعبه وهي ليست جريمة بل هو وسام وشرف على رأس وصدر الأستاذ فتح شريف".
هناك من يمارس الإبادة الفكرية بحق الفلسطينيين في المخيمات
بدوره، عبر مسؤول قوى التحالف الوطني في مخيم عين الحلوة عمار حوران عن فرحته بهذه الجموع الفلسطينية التي لبت نداء التضامن مع الأستاذ فتح شريف، وقال: يجب على المخيمات في تلك القضايا أن تكون على قلب رجل واحد حتى نستطيع التغلب على إجراءات الأونروا العقابية وحتى لا تتجرأ في المستقبل أن تفكر بالمساس بأي موظف" بحسب تعبيره.
وقال: "جئنا من كل المخيمات لنقول في ظل الإبادة الجماعية التي يواجهها شعبنا في قطاع غزة أن هناك من يحاول أن يبيدنا فكرياً في لبنان ولن نقبل القرارت الظالمة بحق أي موظف مهما يكن موقعه الوظيفي وهذه القرارات لن تمر لأننا مستمرين حتى النهاية".
وأبدت الطالبة ايلانا عبد الغني من مخيم عين الحلوة تضامنها مع استاذها فتح الشريف، وقالت: إنه يتعرض للظلم من قبل إدارة الوكالة.
وأشارت الى أن الشريف هو "من ربى الاجيال على حب فلسطين وعلمنا حب الوطن والفداء فكيف لنا نحن كطلاب أن نتركه في هذه المحنة، نحن طلاب ومعلمون جئنا لنرفع صوتنا عالياً ونقول أنه معلمنا والمساس به يعني المساس بنا ولن نعود الى مقاعد الدراسة حتى تتراجع دورثي كلاوس عن إجراءاتها العقابية".
وكذلك قال مسؤول الحراك الشعبي المستقل في مخيم عين الحلوة يوسف اليوسف: إنه "واجب علينا أن نكون في الوقفة وندافع عن معلمينا وقدوتنا ونؤكد تضامننا من عين الحلوة للأستاذ فتح شريف لانها قضية وطنية بامتياز ولأن إدارة الوكالة بقراراتها هذه لم تطال من الأستاذ فتح بل تريد كسر هيبة الشعب الفلسطيني وهذا ما لا نقبل به ابداً".
ومنذ شهر تقريباً، تفجرت قضية الأستاذ فتح الشريف بعد أن طلبت إدارة الوكالة منه وهو رئيس اتحاد معلمي الوكالة في لبنان ومدير ثانوية دير ياسين في مخيم البص الاستقالة وأحالته إلى التحقيق بعد حملات إغاثة قام بها لمساعدة المدنيين الجائعين في قطاع غزة، وحينها وفي 2 آذار / مارس تحديداً شهدت المخيمات الفلسطينية حراكاً واسعاً ضد ممارسات الوكالة بحقه انتهت بأن حلت مديرة الوكالة في لبنان "درووثي" كلاوس القضية بسحب كل القرارات ولكن سرعان ما عاد المفوض العام للوكالة "فيليب لازاريني" إلى فرض العقوبات على الشريف.
اقرأ/ي الخبر: الأزمة بين "أونروا" واتحاد المعلمين في لبنان حلّت، ماذا جرى خلال لقاء الشريف-كلاوس؟
وتسلط هذه القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام تثار بقوة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين الضوء على سياسات تتعلق بما يسمى "الحيادية" تفرض على إدارة وكالة "أونروا" وتقبل بها الأخيرة لضمان استمرار تمويلها من قبل الدول المانحة، حيث تطلب الدول المانحة من الوكالة بأن تلزم موظفيها بعدم التعبير عن انتمائهم لفلسطين أو إدانة الجرائم "الإسرائيلية" وإلا تعريضهم للتحقيق وإنهاء عملهم وتهديد مصادر رزقهم مقابل استمرار التمويل، الأمر الذي يرى فيه الموظفون الفلسطينيون في الوكالة والفلسطينيون بشكل عام "ابتزازاً" سياسياً الهدف منه المساومة على لقمة عيش اللاجئين الفلسطينيين والخدمات المقدمة لهم من قبل الوكالة مقابل الصمت عن الجرائم المرتكبة بحقهم وفي مقدمتها جريمة طردهم من أرضهم وإقامة كيان الاحتلال "الإسرائيلي" عليها.