أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قتل أكثر من 400 في محيط مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة، وارتكب جرائم تدمير وحرق واستهداف لألف وخمسين منزلاً، على مدار 13 يوماً من اقتحام المجمع.
وفي تصريح صحفي صادر عن المكتب ليلة السبت 30 آذار/ مارس أكد المكتب الحكومي أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" لايزال يحتجز 107 مرضى محاصرين داخل مجمع الشفاء في ظروف غير إنسانية، دون ماء، ودون دواء، ودون طعام، ودون كهرباء، من بينهم 30 مريضاً مُقعداً وقرابة 60 من الطواقم الطبية، ويمنع الاحتلال كل محاولات إجلاء هؤلاء المرضى من خلال المؤسسات الدولية، مما يضع حياتهم على المحك وفي خطر محدق.
وقال المكتب الحكومي: "يواصل جيش الاحتلال "الإسرائيلي عملياته العسكرية في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في غرب مدينة غزة لليوم الثالث عشر على التوالي، قتل خلالها مئات المواطنين ودمر ونسف عشرات المباني السكنية في محيط المجمع، وسط إعدامات وقصف عشوائي للمنازل بالقذائف المدفعية المليئة بالمواطنين والنازحين، وحرق عدد كبير من المنازل المأهولة بالسكان، إضافة إلى قصف شديد ومتواصل لم يتوقف حتى الآن في محيط الشفاء".
ووصف التصريح اقتحام جيش الاحتلال للمجمع بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، مُديناً الصمت الدولي تجاه هذه الجريمة، وإمعان الاحتلال في قتل وتجويع وتعذيب من هم داخل وفي محيط مجمع الشفاء.
وحمّلَ الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي وبعض دول أوروبا المسؤولية الكاملة إلى جانب الاحتلال "الإسرائيلي" "نتيجة المشاركة والانخراط في جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ينفذها جيش الاحتلال والتماهي مع سياسات الاحتلال الوحشية بحق شعبنا الفلسطيني وبشكل خارق وفظيع ضد القانون الدولي وضد القانون الدولي الإنساني، وخاصة مواقفهم الداعمة لسياسة التجويع ضد المدنيين والأطفال والنساء".
ووفقاً لشهادات ترد من مجمع الشفاء الطبي ومحيطه فإن رائحة الموت تفوح من كل زوايا الأمكنة هناك، فأمام الفلسطينيين خياران فقط إما الموت أو النزوح إلى جنوب القطاع، ومع ذلك وحسب العديد من الشهادات التي وصلت من الناجين، لم يكن النزوح بالخيار الأمثل للنجاة من الموت، حيث استشهد الكثير من الفلسطينيين في المنطقة أثناء محاولتهم النزوح.
هناك صعوبة بالغة في توثيق ورصد المجازر التي ترتكب في محيط مجمع الشفاء الطبي، بسبب انتشار الآليات العسكرية "الإسرائيلية" وسط قصف مدفعي وجوي متواصل، إضافة إلى وجود "الكواد كابتر" والقناصة في الأنحاء، ورغم ذلك ما يصل من مجازر مروعة تصنف من الممكن أن تعطي صورة مختصرة عما بحق الفلسطينيين في محيط مجمع الشفاء الطبي.
قصف وإعدام للمدنيين العّزل جرحى ونازحين
أمس الجمعة 29 آذار/ مارس استشهدت امرأة وأطفالها الستة إثر قصف الاحتلال منزلًا في محيط مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، ويوم الأربعاء الماضي استهدف الاحتلال عمارة مكونة من عدة طوابق يوجد بها مطعم عطية الشوا في محيط مفترق أبو طلال ما أسفر عن ارتقاء عدد كبير من الفلسطينيين. يقول أحد أقارب الشهداء: إن عمته استشهدت مع زوجها وأبنائها جراء القصف في حين كان يوجد في العمارة حوالي 30 شخصاً، ونجا شخصٌ وحيد استطاع الاتصال وأخبار ذويهم في جنوب غزة عن أقاربهم الذين فقدوهم.
فيما وأعلنت مصادر طبية في قطاع غزة، يوم الثلاثاء الماضي، استشهاد 30 شخصًا جراء قصف "إسرائيلي" لمنزل يعود لعائلة أبو حصيرة في محيط مجمع الشفاء الطبي، إضافة إلى ارتقاء فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف مماثل لمنزل لعائلة القيشاوي في محيط المجمع.
وكانت قناة الجزيرة قد بثت صوراً تُظهر آثار دبابات "إسرائيلية" دهست فلسطينيين في محيط المستشفى وذلك بعد إجلائهم من المستشفى وخلال محاولتهم الوصول إلى مكان آمن، وتظهر الصور نصف جثة لفلسطيني مصاب في إحدى ساقيه جبيرة، وقد تعرض لدهس من قبل إحدى الدبابات "الإسرائيلية بعد محاولته النجاة زحفاً.
وفي السياق وثق المرصد الأورمتوسطي إعدام جيش الاحتلال "الإسرائيلي" للمسن فريج وصفي الحلاق خلال وجوده في ساحة مجمع الشفاء بعد إطلاق النار عليه وتركه عمدًا ينزف لعدة ساعات دون تقديم أي خدمات إسعافية لإنقاذ حياته.
كما ووثق المرصد الأورومتوسطي يوم الثلاثاء الماضي إعدام جيش الاحتلال "الإسرائيلي" 13 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 16 سنة، بعضهم أثناء محاصرتهم مع عوائلهم دخل المنازل المحيطة بالمجمع، وآخرون خلال محاولتهم النزوح، وذلك بعد إجبارهم على ذلك، في مسارات حددها لهم جيش الاحتلال مسبقًا.
يقول الأورومتوسطي: إن تعمد استهداف الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة وقتلهم على هذا النحو المنهجي والواسع النطاق "دليل آخر على ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية وتعمدها التأثير وتدمير أجيال كاملة للشعب الفلسطيني هناك".
ويتحدث الشاب أنس ناصر عن إعدام والده وشقيقه أمام والدته وأخوته في منشور كتبه على موقع الفيسبوك ذكر فيه أنه في أول أيام الحرب تم قصف بيتهم في منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة، ونزحوا أكثر من 7 مرات، وحوصروا في مناطق الصبرة والزيتون وآخر مكان في محيط الشفاء.
وقال: "في اليوم التاسع من محاصرة الشفاء وتحديداً البيت الذي يوجد فيه أهلي، الساعة 3 والدتي كانت تجهز السحور وكلهم استيقظوا، وفجأة داهم البيت أكثر من 60 جندياً وأعدموا والدي وشقيقي بلال مباشرة أمام أعين أمي وأخواتي، وكتب الله عمراً جديداً لأخي الأصغر بعد ما أخذ بلال الرصاصة الأخيرة بصدره عن أخي صلاح"
شهادات مروّعة من الناجين
وفي السياق تأتي الشهادات المروعة من النازحين الناجين من المجازر وعبروا إلى مناطق الجنوب، حيث ذكرو أنهم اضطروا إلى التخطي من فوق الجثث للوصول إلى الجنوب، حيث الجثث في كل مكان، إضافة إلى وجود عشرات الشهداء تحت الركام.
في تصريح سابق أكد ناطق باسم الدفاع المدني الفلسطيني في غزة استمرار نسف المنازل المحيطة بالمجمع، مؤكداً وجود مئات الشهداء في المكان دون التمكن من الوصول إليهم وانتشالهم، وكذلك عدم قدرتهم على انتشال الجثامين من تحت الأنقاض وذلك لعدم وجود حفارات كافية لذلك، حيث يواصل الاحتلال استهداف المعدات والعربات الخاصة بالدفاع المدني، إضافة إلى أنه يمنع منذ سنوات دخول معدات تخصصية تساعدهم على إزالة الركام.
ويضيف: إننا جهة مدنية ولكن الاحتلال يستهدفنا ويصنفنا كـ "إرهابيين".
ووثق المرصد الأورمتوسطي أيضًا استخدام جيش الاحتلال المدنيين والنازحين داخل مجمع الشفاء كدروع بشرية وإرسالهم تحت التهديد إلى بنايات سكنية في محيط المستشفى لطلب إخلائها من سكانها قبيل اقتحامها واعتقال من فيها وتدميرها.
وقال: إن زوجة ممرض أفادت بأنها شاهدت استخدام قوات الاحتلال زوجها كدرعٍ بشري من أجل فتح أبواب أقسام داخل المشفى على مدار ساعات، ولا تعلم مصيره حتى اليوم.
فيما انتشرت مناشدة أخرى من سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المصاب الذي فقدته حين اقتحمت قوات الاحتلال أحد أقسام مشفى الشفاء واقتادت النساء بعيداً، وأجبروها على مغادرة المستشفى حيث يوجد ابنها إيهاب أمير وهو تقريباً في الحادية عشرة من عمره للعلاج، ولا تعرف مصيره أو ما حلّ به.
ليست القصة الوحيدة، قصص أخرى تدمي القلوب عما يشهده الفلسطينيون في محيط مجمع الشفاء الطبي، حيث أوامر الإخلاء "الإسرائيلية" نحو الجنوب، مقترنة بالمجازر والتدمير والإعدام الميداني.
تذكر إحدى الناجيات لبوابة اللاجئين الفلسطينيين – عبر اتصال هاتفي- وهي امرأة تبلغ من العمر 72 عامًا تفاصيل ما جرى معها وتقول: كنت أنا وابني وزوجته وأولاده في بيت في محيط مجمع الشفاء الطبي، ونحن في المنزل، جرّفت آليات الاحتلال جزءاً من المنزل الذي نوجد به وطالبوا منا الخروج، كان ابني يحمل ابنته التي تبلغ من العمر سنة، أخذوها منه وألقوها على الأرض وهي تبكي بشكل هستيري واعتقلوا والدها وابنه الذي يبلغ من العمر 18 عامًا، وعند محاولتنا لإيقافهم تم تهددينا بقتلهم إذا لم نلتزم بالأوامر، طلبوا منا الذهاب إلى الجنوب، حملت أنا وزوجته أغراضنا وأطفالنا وذهبنا دون قدرتنا على الالتفات، خرجنا الساعة الثانية فجراًمن محيط المجمع ووصلنا منهكين إلى الجنوب مشيًا على الأقدام تحت أمطار الشتاء، حينما وصلت إلى هناك كنت في حالة يرثى لها وذهبت إلى المستشفى بعد ألمٍ شديد في الصدر نتيجة إصابة سابقة بجلطة قلبية، بعد استشهاد ابنتي في مخيم جباليا قبل أقل من شهر.
وفي شهادةٍ مصورة أخرى ذكر أحد الناجين من المجازر في محيط مجمع الشفاء والذي وصل إلى الجنوب: "حاولت أطلع أمي وأبوي من تحت الردم صاروا يضربوا علينا قذائف.. من 7 أيام ما أكلنا اشي.. الطفل هذا نفسه بس بخبز".
وتتحدث طفلة أخرى عن الأهوال التي شاهدتها خلال رحلة النزوح: "الشهداء كانوا على الأرض وصار راسي يوجعني من المشاهد"، حيث أجبرت على النزوح بعد اقتحام جيش الاحتلال لمنزل عائلتها.
تدمير واسع
وتعمد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" خلال الأسبوعين الماضيين تدمير ما تبقى من منازل واقفة، حيث استهدفت طائرات الاحتلال3 بنايات سكنية تضم نحو 100 شقة سكنية ودمرتها بالكامل في محيط مجمع الشفاء الطبي، إضافة إلى تجريف منازل في منطقة العباس المجاورة للمجمع، وتدمير العديد من المنازل والعمارات في حي الرمال، ونسف منازل في محيط فندق الأمل غرب مجمع الشفاء.
يذكر أنها ليست المرة الأولى التي يقتحم فيها جيش الاحتلال مجمع الشفاء الطبي، لكنها الأشرس من حيث تعمد استهداف المدنيين والنازحين على مساحة واسعة فيه وبمحيطه، بهدف تدمير محيطه كاملاً.
ورغم استهدافه في السابق، إلا أن عدم وجود مسشتشفيات عاملة داخل القطاع المحاصر نتيجة استهدافها خلال الحرب، جعل أكثر من 7 آلاف نازح ومريض يعودون إليه ويلجؤون في مبانيه، بحسب مصادر محلية.
وعن أوضاع المرضى والكوادر الطبية، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة سابقاً، أن جنود جيش الاحتلال يحتجزون المرضى والأطباء والجرحى في مبنى تنمية القوى البشرية غير المهيأ للرعاية الصحية، ويمنعهم من الخروج منه، وأضافت: "الطواقم الطبية والمرضى المحاصرون يكررون مناشدتهم لكافة المؤسسات الأممية والمجتمع الدولي للتدخل العاجل لإنقاذ أرواحهم".
وهي المرة الثانية التي تقتحم فيها قوات الاحتلال المستشفى منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ اقتحمته في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني بعد حصاره لمدة أسبوع وتعمدت خلالها تدمير ساحاته وأجزاء من مبانيه ومعدات طبية ومولد الكهرباء.