العراق

وسط تهميش مستمر وكامل، تتفاقم معاناة نحو 4 آلاف لاجئ فلسطيني يقطنون في تجمّع البلديات شرق العاصمة العراقيّة بغداد، وسط دائرة من العزل المجتمعي والأمني غير المباشر، وظروف سكنيّة ومعيشيّة وصحيّة تتماثل مع مقابلاتها لأشقّائهم في أماكن لجوئهم المختلّفة، بل وتفوقها في مواضع مختلفة.

عزل أمني ومجتمعي، هو امتداد لمحاولات مباشرة سابقة لإنهاء الوجود الفلسطيني في التجمّع المذكور، تمثّلت بهجمات الميليشيات الطائفيّة على أبناء التجمّع، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وقتل وتهجير المئات منهم، لتتواصل المحاولات بطرق غير مباشرة، عبر التضييق المجتمعي والأمني بطرق مختلفة وسط صمت الحكومة العراقيّة والمفوضيّة الساميّة لشؤون اللاجئين وسفارة السلطة الفلسطينية في بغداد.

الحلقة الأضعف اجتماعيّاً

في مجتمع عراقيّ هتّكته الاعتبارات العشائريّة والسياسيّة المذهبيّة، يقطن الفلسطينيون في تجمّع البلديّات وسط منطقة يحكمها أمراء الميليشيات المذهبيّة، المستندة إلى أعراف عشائريّة كثيراً ما باتت تستخدم في العراق لغرض الابتزاز المالي والسياسي، فباتت مسألة "الفصل العشائري" وهو عرف بدائي لحلّ النزاعات، إحدى أدوات الابتزاز في ظل غياب الدولة والقانون، أو تحم أمراء العشائر والطوائف بالأجهزة الأمنية، ما يوقع الكثير من الفلسطينيين في التجمّع ضحايا انتهاكات متعمّدة.

أحد اللاجئين الفلسطينيين من سكّان التجمّع، غادر قبل أشهر إلى بريطانيا، بعد أن شمله برنامج إعادة التوطين في المفوّضيّة السامية لشؤون اللاجئين، يقول أنّه قد تعرّض قبل مغادرته بنحو عام، لموقف ابتزازيّ، من قبل أحد الأشخاص القاطنين بالقرب من التجمّع، وهو عضو بإحدى المجاميع المسلّحة النافذة، وذلك على خلفيّة نزاع بسيط على موقف لدرّاجة ناريّة يمتلكها وقام بركنها بجانب سيارة تعود لذلك الشخص، ليجنّ جنونه بسبب سقوط الدرّاجة على السيارة وتسببها بخدش بسيط، ليطالبه على الفور بمبلغ كبير كتعويض عن الأضرار التي تسببتها دراجته لسيارة هذا الشخص.

ويتابع اللاجئ الفلسطيني: " حين رفضت قام بتهديدي، واستدعاء أناس من جماعته الذين اقترحوا أن يفصل وجهاء المنطقة على طريقة الفصل العشائري بالأمر"،مضيفاً، ولأنّ "الفلسطيني في العراق ضعيف اجتماعيّاً وليس لديه من يحميه، رضخت لما قرره وجهاء المنطقة وقمت بدفع المبلغ المطلوب والذي يفوق سعر دراجتي بأضعاف لتفادي مشكلة أكبر".

واقع جعل الفلسطينيين في تجمّع البلديات، منكمشين على ذاتهم، يتفادون الاحتكاك مع البيئة المحيطة، وتقديم أيّة شكاوى للأجهزة الأمنيّة التي تتواطأ ضدّهم، نظراً للنفوذ الكبير للميليشيات المسلّحة التي تحكم المنطقة داخلها، وتعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين بعقليّة عدائيّة ترفض وجودهم.

إلى جانب ذلك، تتواصل عمليّات القضم لمنازل ومساحات التجمّع من قبل أصحاب النفوذ السياسي والأمني،  حيث شهد التجمّع عمليات استيلاء على العديد من وحداته السكنيّة عقب الاحتلال الأمريكي وتهجير سكّانها من الفلسطينيين، لتتواصل بأشكال متعددة، عبر تعدّيات على مساحات تعود لنادي حيفا الرياضي، والحدائق التي أنشئت في التجمّع، بهدف بناء منازل ومراكز لأشخاص نافذين على طريقة وضع اليد وهو تقليد بات سائداً في العراق في ظل غياب القانون.

تعدّيات، شملت إزالة العديد من المحال التجاريّة البسيطة العائدة للاجئين فلسطينيين خلال السنوات الماضيّة، بحجّة أنها تقع بالقرب من منزل أو مقر لأحد النافذين شيّد حديثاً داخل التجمّع.

 أزمات سكن ومعيشة تدفع للتفكير بالانتحار !

وحول الواقع السكني، يعيش ما تبقّى من لاجئين فلسطينيين في التجمّع المذكور، في وحدات سكنّيّة صغيرة، شيّدت منذ تسعينيات القرن الفائت، يتكّون أكبرها من ثلاث غرف صغيرة على مساحة 70 متراً، ومع ازدياد عدد أفراد العائلة الواحدة، باتت الشقّة تؤوي ما قوامه 10 أشخاص، ويحول الفقر والوضع الأمني الضاغط على الفلسطينيين دون انتقال معظم العائلات إلى منازل خارج التجمّع، ما يجعلها مضطرةً للبقاء في شقق التجمّع المملوكة للحكومة ولا يحق لهم التصرّف بها.

حالٌ مغلّف بالفقر المدقع والبطالة، والخوف من التنقّل وذلك لكون الفلسطيني في دائرة الشبهة لدى الحواجز الأمنيّة والميليشياوية  المنتشرة بكثرة في مناطق شرق بغداد، ما ولّد حالات نفسيّة لدى معظم سكّان التجمّع تدفع بعضهم للتفكير بالانتحار.

حول تلك الحالات، نقل الصحفي العراقي تحسين اللامي، "استوقفت شاباً فلسطينياً وفضل عدم ذكر اسمه يقول لي : والله فكرت أن أنتحر مرتين خلال عام واحد، ولكن خوفي على أمي جعلني أتراجع عن الانتحار بسبب ما نعانيه من اضطهاد وتمييز عنصري وبطالة لكوني فلسطينياً".

وسط كل هذا البؤس، لا يمتلك اللاجئون الفلسطينيون في العراق، سوى التعلق بأمل أن تجد مفوضيّة شؤون اللاجئين حلاً لأوضاعهم بشكل جذري عبر إعادة توطينهم، أسوةً بمئات العائلات التي هجّرت سابقاً من العراق، وفي هذا السياق، رفع وجهاء تجمّع البلديات مذكّرة للمفوضيّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر الفائت، طالبوا فيها، أن تعيد المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين النظر بملفات إعادة التوطين المرفوضة، والتي مضى عليها سنين طويلة، ومعظمها جرى رفضها من قبل حكومات هولندا والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرين إلى إهمال غير واضح من قبل المفوضيّة لتلك الملفات علماً أنّ غالبيّة أصحابها تلقوا تهديدات في العراق أفقدتهم رزقهم وسبل عيشهم.

كما لفتوا، إلى ضرورة نظر المفوضيّة إلى العوائل التي فقدت أبناءها خصوصاً الأمهّات اللواتي فقدن أبناءهنّ وأزواجهن بسبب الهجرة، منذ نحو عشر سنوات، دون لقائهن معهم بسبب عدم قدرتهن على السفر، لأسباب ماديّة وقانوية، ومشيرين أيضاً منوّهين إلى ضرورة مراجعة ملفات كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم 75 عاماً للم شملهم مع أولادهم.

تجدر الإشارة، إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لا يخضعون لتعريف وكالة " الأونروا" للاجئين الفلسطينيين، ولا تشملهم الوكالة ضمن مناطق عملها، وجرى اعتبارهم كلاجئين لدى دولة العراق منذ خمسينيات القرن الفائت، الأمر الذي عرّضهم منذ الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، إلى عمليات قتل  وتهجير واسعة على يد الميليشيات المسلّحة، والتباس في اعتباريتهم القانونية في البلاد بسبب تبدل نظام الحكم، وعدم احتوائهم كلاجئين من قبل الحكومات التي تعاقبت على العراق عقب الغزو.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد