في الأماكن التي تتصاعد فيها إرهاصات الانتفاضة لي ذكريات، أريدها أن تستمر في فعل الذكرى، وأريد لها أن تستمر في جعلي منتم لحالة المكان الذي أحبه وأرجح أني سأموت يوما ما في أحد شوارعه.
رام الله النائمة الآن وصخب أولادها يدندن في طبيعيته (المواجهة).. رام الله التي كبرنا في الشتات ونحن نغني لها، ونغني من أجلها.. ونغني ونحن في الطريق إليها..
رام الله التي سكنت أحد فنادقها، وقذفت بنفسي من نافذة فندق يطل على شارع الإرسال اللطيف في سكونه وإطلالته الديمقراطية على بيت الرئيس.
رام الله الحب الذي أدرك أن رواية ستكتب في شوارعها، أدركها حسين البرغوثي في "الضوء الأزرق" لكنه همس بأحرفها من دون أن ينطقها..
الضفة التي تشتعل رويدا رويدا، تنتظر قفز روح أحدهم إلى السماء، لتشتعل.. وقد لا يطول الانتظار.. علمنا الثورة للآخرين، ونتعلم اليوم من درسنا اليومي.. وما كان المال حبا، ولا رغدا، وما كان الصبح لمرسيدس المسؤول، ما كان إلا للمنتظر عند الحاجز التالي وهو يركب المرسيدس ويختصر الحكاية بصرخة الحب الكامل للأرض..
الضفة.. رمز البدايات.. لن تكون.. غزة.. رمز المقاومة.. لن تكون.. باقي فلسطين.. حكايتنا الأولى.. لن تكون..
لن يكون أي شيء إلا بشعب تجمعه الجغرافيا ويوحده التاريخ..
بلادنا الممتدة من الحتف إلى الحتف.. من النفس إلى اللحد.. من البداية إلى القيامة.. من الصمت إلى الصرخة..
رام الله.. أول النهاية.. أول الكلام.. وأولنا.. وحيفا حين تنتصر فإن في رام الله أزقة تضحك، وأزقة تصرخ.
****
الشبه بينهما ليس صدفة، أن يشبه أحمد جرار، صالح البرغوثي، في الشكل ليست صدفة، ثمة تكوين الضفة جمعهما.. ثمة فلسطين في اللقاء الذي لم يجمعهما، ثمة حزن في قلبهما.. وثمة احتمال للشهادة كان ينظر أحدهما إليه، فكان اللقاء..
هل بوسع الضفة أن تنتظر أكثر، هل بوسعها أن تبتسم لجند يجولون قرب بيت الرئيس..
حتى ولو أنه لم يقنعنا لكنه الرئيس.. وهو الذي يمثل كبرياء فلسطينيتنا، ولكنه حين جرب الانحياز إليهم.. انحزنا إلينا مثلما نختار الاتجاه الطبيعي لوجودنا.. ليس لأنهم الأعداء فقط، وليس لأنهم النقيض، ولكنهم حرماننا من الابتسامة بشكل طبيعي وحرماننا من الحياة بشكل طبيعي وحرماننا من الحب بشكل طبيعي وحرماننا من الإحساس بالثورة.. لكننا الثورة..
هؤلاء الجنود الذين أتوا من كل مكان وبات علينا قبولهم كجزء من تكوين الأرض التي كونتنا، ولم نعرفها.. إنما انتمينا إليها بحكم الوجود المطلق لفلسطين.. فلسطين الأبدية المطلقة بحكم الإنسانية وبحكم الذرائع والحجج والإكراه والإنكار.. فلسطين التي هي نحن الذين ننتمي إلى إنسانية تربط البشر في كل مكان.. حتى أولئك الذين ينتمون فقط لمظلومية الإنسان..
هؤلاء الجنود.. حين يقتلون فينا الشاب شبيه الشاب، برصاصهم يخلقون أشباه أشباه الأول والثاني والثالث.. ويخلقون منا من أولئك الذين سيرفضون حتى الحوار.. أولئك الذين يستنفرون الحب فينا.. يستنفرون الحب الأول والثاني والثالث.. ويستنفرون حكايتنا التي لن تصعد فوقها ريشة هندي أحمر..
تبتسمان! لماذا تبتسمان.. ولماذا تبتسم في عيونكما فلسطين.. ربما لم يعد بوسعنا سوى العبور إلى أقصى درجات الانتصار.. درجات الصعود إليك يا ثورة تنتصر وطنا وحبا وشوقا وحكاية تحكي سيرة اللاجئ والمواطن في الأوطان الكثيرة للفلسطينيين..
تبتسمان.. أنتما وسواكم، حكايتنا حين نحكي حكاية ملائكتنا الشهداء..