-3-
في طريق مثل هذه الطريق، لا تستطيع منع نفسك من التفكير في كل المقدمات التي أوصلتك إلى هذه النتيجة. والسفر تجربة وجودية تليق بكل باحث عن المعنى. وسفرك في منزلة بين المنزلتين: لا هو سياحة صوفية تقوم بها بملء إرادتك طلبا للحقيقة، ولا هو انتجاع للكلأ والماء يلجئك إليه الاحتباس الحراري. شيء بينهما: تحقيق حلم قديم، فرار بما تبقى من كرامتك، قرف مما حل بك في سبع سنوات عجاف، وأمل بنهاية شطرنجية أفضل.
كيف وصلنا هنا؟ مجددا تفوتك مباراة الكلاسيكو. في الذهاب، حال دون ذلك ازدحام العيادة. ثم فجأة تخطرين ببالي: جميلة، طازجة على الدوام، سعيدة الصباح، هادئة المساء، وشهية الليل.
ويقطع فرويد خواطري العذبة: - أليس تعبير حضن الوطن جنسيا؟
- وكيف يكون ذلك؟
- تخيل أحدهم يقص عليك هذه الذكرى: "كان معلمي في الصف الأول يحبني جدا، فقد كان يجلسني في حضنه طيلة الحصة".
- هذه بيدوفيليا! يبدو أنني نجوت من حضن الوطن بأعجوبة.
- يبدو أنك فعلت.
مثانتي تمتلئ بالبول والكراهية. كم لبثنا في الباص؟ الطبيعة التي كانت تحف بجانبي الطريق بارعة للغاية. الآن فقط أعي ذلك. حينها، في زمن الباص، لم يكن شيء جميلا، خلا ذكريات ماضية. أدنو من مجمع حيوي مدهش، وأفرغ فيه حموضة الرحلة.
لأول مرة أرى الهلال العربي السوري الأحمر. كم افتقدناه في السنوات السابقة! هو ذا يزودنا بكرتونات التونا والمربى والزعتر والمرتديلا والخبز.. وبجوار كل هلال يرتسم صليب أحمر متمكن.
- هل كان الرب فلسطينيا؟
- وماذا يهم؟ جميعنا، في الذل، عبيد.