تقرير دعاء عبد الحليم - بيروت
"تحيا المقلوبة بالباذنجان، ويسقط الاحتلال الإسرائيلي" عبارة انتشرت قبل شهرين تقريباً على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين فلسطينيين، لا يحاربون احتلالاً يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطينيي ومقدساته ومدنه ومخيماته عبر الطعام بالتأكيد، ولكن يردون على هذا الاحتلال بطريقة هو يبغضها، و يكشفون محاولاته المحمومة لسرقة كل ما يتعلق بفلسطين بما فيه طعام أهلها.
فلماذا المقلوبة ؟
تروي كتب التاريخ أن أهالي القدس استقبلوا القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي إبان تحرير المدينة المقدسة من الاحتلال الصليبي عام 583 هـ ، وقدموا له ولجنود جيشه طبق "المقلوبة" أو "الباذنجانية" وهي عبارة عن أرز مطبوخ مع الباذنجان والدجاج يقلب بطريقة معينة حين التقديم، فسميت مقلوبة النصر، وارتبط هذا الطبق منذ ذلك اليوم بالانتصارات التي يحققها العرب والمسلمون.
استمر هذا الارتباط إلى يومنا هذا، حيث يتكرر أن تقوم المقدسيات المبعدات عن المسجد الأقصى كهنادي الحلواني وخديجة خويص بقلب هذا الطبق على أبواب المسجد، وفي ساحاته، في حركة رمزية تدل على "الانتصار القادم".
هذا المشهد، كثيراً ما يدغدغ مشاعر اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات، حيث يبدؤون بنسج أحلامهم حول عودتهم إلى فلسطين، وتقديم "طبق الانتصار" في المسجد الأقصى، وهذا ما عبّرت عنه صراحة اللاجئة الفلسطينية "وهيبة الموسى" من مخيم شاتيلا بالعاصمة اللبنانية بيروت حين استضافت فريق بوابة اللاجئين الفلسطينيين، لتشاركهم إفطاراً رمضانياً فلسطينياً في بيتها.
الطعام الشعبي جزء من الهوية الفلسطينية المتجذرة في مخيمات اللجوء
تقول وهيبة : " عندما أرى المرابطات في الأقصى يقدمن المقلوبة في ساحاته وعلى أبوابه، أتمنى أن يأتي يوم وأقوم بهذا العمل"
هذه اللاجئة الفلسطينية، سمعت عن محاولات الاحتلال سرقة مأكولات شعبية فلسطينية كثيرة كالمسخن والمقلوبة والفلافل والشكشوكة وغيرها، ونسبها له " كإحدى الطرق لبناء تاريخ غير موجود له في بلادنا"، لذا أصرت حين استضافت فريقنا لإنجاز تقرير حول الإفطار الرمضاني في مخيمات اللاجئين بلبنان أن تعد المقلوبة والمسخن، في رسالة منها إلى أن عمر هذه الأطباق أكبر من عمر الكيان الإسرائيلي، "وهي فعلاً الأطباق التي كان تعدها في شهر رمضان جداتنا في قرانا ومدننا الفلسطينية التي هجرنا منها بالقوة، وما زلنا نحافظ على هذه العادة هنا في مخيمات اللجوء، كجزء على تأكيد هويتنا الفلسطينية، وانتمائنا إلى أرض فلسطين التي خرجت منها هذه الأطباق".
الحفاظ على التقاليد الفلسطينية في ظل واقع لجوء صعب
قد يرى متابع، أنه من الترف بمكان أو "من غير المنطقي" الحديث عن التمسك بطعام للحفاظ على الهوية أو مقاومة احتلال، ولكن من يعرف الاحتلال الإسرائيلي يدرك جيداً أن الطعام واللباس والتراث جزء من الحرب التي يخوضها ضد الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين أن يقاوموا ويدافعوا عن تراثهم .
ولا يرى اللاجئون الفلسطينيون في جميع مخيمات الشتات ودول العالم أنهم بمنأى عن هذه المعركة الثقافية، لذا هم يقومون بدورهم المطلوب في هذا النطاق.
ولكن السيدة "وهيبة موسى" التي تقطن أصلاً في بيت متواضع جداً وصغير يشبه كافة بيوت الفلسطينيين في مخيم شاتيلا المكتظ باللاجئين ، والمحروم من أبسط مقومات الحياة أنه "ليس بإمكان كل اللاجئين الفلسطينيين هنا طبخ هذه المأكولات دائماً في رمضان!"
تشرح بأن " الوضع الاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان لا يسمح لكثير منهم بإعداد طعام قد يحتوي على مكونات عدة من الدجاج والخضار"
واقع حقيقي تتحدث عنه هذه اللاجئة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، مع منعهم من قبل السلطات من ممارسة أكثر من 70 مهنة، واعتماد معظمهم على أعمال حرة ومشاريع صغيرة في معيشتهم، قد لا يتلاءم مردودها مع تكاليف العيش في لبنان.
فهي على سبيل المثال، تعمل خارج البيت صباحاً، وتساعد ابنها في دكانه بعد الظهر لتساعد أولادها على إكمال دراستهم الجامعية"
حالها حال معظم اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، يكافحون من أجل لقمة العيش، دون أن ينسيهم ذلك أن "هنالك على بُعد حدود مصطنعة، توجد فلسطين التي تنتظر عودتهم منذ 71 عاماً، وعليهم إلى أن يتحقق اللقاء، المقاومة بكل ما أوتو من حياة وإصرار وقوة."
شاهد الفيديو