حكاية لاجئ
سلسة حكايا.. أبطالها لاجئون فلسطينيون يشكلون بقصصهم فسيفساء لوحة النكبة واللجوء والتمسك بالحلم
تقرير دعاء عبد الحليم – مخيم برج البراجنة
ابتسامة عمرها خمسة وسبعون عامًا، ما زالت حتى الآن حيّة على وجه الحاجة أم صبحي، التي ذاقت مرارة النكبة الفلسطينية عام 48، وما تلتها من حروب وويلات تقسم الجبل فكيف بامرأة!!
استقبلتنا بروح مرحة ما زالت تنبض بالعطاء، فكان سؤالنا الأول الذي تهفو له نفس الأجيال التي تعاقبت بعد جيل النكبة، أن ما هي ذكرياتك عن فلسطين؟ لم تتذكر فلسطين، تذكرت سنوات ما بعد اللجوء، تغرغرت عيناها بالدّموع "نحنا تعبنا كتير تبهدلنا نمنا بالفلا ما كان إلنا إلا الله والحمد لله على كل حال، عأساس طالعين أسبوع وطوّل هالأسبوع".
نكبة هذه اللاجئة من مدينة صفد شمالي فلسطين المحتلة، لم تتوقف عند لحظة اللجوء ذاتها.
إلى لبنان كانت وجهتها وعائلتها، بيت جبيل جنوبي لبنان .. ثم بلدة برج البراجنة حيث أنشئ مخيم برج البراجنة عام النكبة ليضم في حنايا خيمه قصصاً تناقلت وأخرى دفنت مع أصحابها، أما قصة أم صبحي فحان وقتها أن تحكى ..
تنقلت ابنة الـ 4 أعوام حينها من مدينة لبنانية إلى أخرى، تقول: " إن أيامهم كانت تزداد سوءاً، هم وكل اللاجئين الذين لم يجدوا حضناً دافئاً يخفف اللجوء والألم" ، وكان مخيم برج البراجنة هو المحطة الأخيرة. في هذا المخيم كبرت الحاجة أم صبحي وبدأت رحلة كفاحها في سن الثانية عشر، فبينما كان أبناء جيلها يلعبون ويلهون، كانت هي تتعلم مهنة الخياطة حتى تكون سندًا لها ولأهلها، وبعدها لبيتها، الذي تقول إنها بنته بكل ما وفّرته من مال طيلة سنوات.
فرحة الإحساس بالبيت والاستقرار لم تكتمل، فبعد خمسة وأربعين يوماً ف باغتته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اجتياح عام 82، وقصفته بصواريخ لم تبقِ حجرًا على حجر باستثناء الغرفة التي أجرينا الحديث فيها، وهي الغرفة التي حولتها أم صبحي لمشغل خياطة تحيك فيه الثياب لأهالي المخيم، وتعلم من يريد التعلم .
ألم لم يحبط هذه المرأة الفلسطينية الحمد لله إجيت بوست الولاد وحمدت الله إننا ما صرلنا شي الحجر بتعوض "
ظلّت تعمل بالخياطة، لساعات طويلة في يومها، كي تساعد زوجها وتسدد احتياجات أسرتها، وتواصل " خمسة وسبعين سنة ما احتاجنا حدا ما غنينا بس الحمد لله اشتغلنا وعلّمنا ولادنا وتحدّينا الظروف".
كانت الحاجة أم صبحي زوجة وأمٌ وعاملة في البيت وخارجه، تنسّق وقتها ولم تنسَ حلمها بالعلم حيث تؤكّد أن العلم هو مفتاح العودة، فكانت في أوقات فراغها تدرس اللغة الإنجليزية والقرآن حتى تستطيع تعليم أولادها.
وعند ذكرها لأولادها تذكّرت رحلة ابنتها (التي تحمل جنسية أوروبية) إلى فلسطين، حملت هاتفها وقلّبت بصور ابنتها وهي تقول" فكركوا ما تمنيت أكون مع بنتي بالأقصى وبصفد،قالتلي يما صفد كلها يهود أنا بحلم باليوم الي نرجع وتكون صفد وكل فلسطين النا".
حلم العودة يراودها في كل لحظة وحين وأمل تحرير فلسطين لم ينقطع، ولكن تردف قائلة: حتى عودتنا نحن من حقّنا أن نحصل على حقوقنا في لبنان" لا ولادي ولا ولاد ولادي ولا فلسطيني ماخد حقّه بلبنان والناس كلها تعبانة".
شاهد الفيديو