تونس
أثار تقرير بثّته القناة الثانية الإسرائيلية، حول دخول وفد من السيّاح الإسرائيليين إلى تونس وزيارتهم المنزل الذي اغتيل فيه القائد الفلسطيني خليل الوزير "أبو جهاد" في الضاحية الشمالية للعاصمة، استياءً كبيراً في الأوساط الشعبيّة والسياسية التونسيّة، حيث طالبت المعارضة في البلاد مساءلة الحكومة حول الزيارة.
وبثّت القناة الإسرائيليّة الثانيّة، تقريراً حول زيارة وفد السيّاح الإسرائيليين لتونس، في ما يُعرف بموسم " حج الغريبة" اليهودي، حيث تتوجه مجاميع من اليهود لزيارة "كنيس الغريبة" في جزيرة جربا التونسيّة، وأورد التقرير الإسرائيلي الذي حمل عنوان " العودة إلى تونس" أنّ "السلطات التونسيّة تسمح لمرّة واحدة في السنة لزيارة الأرض التي ولدوا فيها" مشيراً إلى ألفي إسرائيلي تمكّنوا من زيارة تونس هذا العام.
وعرض التقرير، مجاميع من الإسرائيليين يستقلون حافلةً، وهم يرددون هتافات تمجّد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتجوّلهم في حيّ سكني قال إنّه يضم منازل ليهود تونسيين هاجروا إلى " إسرائيل"، قبل أن يختم بتصريحه عن زيارة الوفد، لمنزل القائد الفلسطيني خليل الوزير "أبو جهاد" في ناحية سيدي بوسعيد شمال العاصمة، والذي كان مسرحاً لجريمة اغتياله من قبل الموساد الصهيوني في نيسان/ أبريل 1988.
منزل ابو جهاد
نفي رسمي تونسي
وزارة الداخلية التونسية نفت في بلاغ رسمي، ما ورد في التقرير الإسرائيلي، و"دخول أي سائح بجواز سفر إسرائيلي إلى التراب التونسي"، وكذّبت الأنباء حول زيارة الوفد لمنزل أبو جهاد قائلةً:" إنّ المنزل الذي عُرض في التقرير هو ملك لرجل أعمال تونسي وموجود على المسلك السياحي سيدي شعبان سيدي بوسعيد، ويبعد 4 كيلومترات عن المنزل الذي اغتيل فيه أبو جهاد".
من جهتهم، ناشطون وكتّاب تونسيّون، كذّبوا بلاغ الحكومة التونسيّة بشقيّه، الذي ينفي دخول إسرائيليين بجوازاتهم إلى تونس، والشق الذي ينفي زيارتهم لمنزل الشهيد أبو جهاد الوزير.
الناشطة "ميساء سويلاتي" عرضت عبر صفحتها في "فيسبوك" صور نشرها "إسرائيلي" أثناء زيارته إلى تونس، وقالت : " الإرهابي إلياهو موشي يكذّب وزير الداخليّة" ويظهر هذا الصهيوني في صورة له حاملاً جواز سفره الإسرائيلي في مطار تونس، وفي أخرى إلى جانب عناصر من الشرطة التونسيّة.
ردود فعل تونسية غاضبة
الناشط والمحلل السياسي التونسي المعز الحاج منصور، أكّد في مقال له "هل هو تشفٍّ أم افتخار؟" الأخبار حول زيارة الوفد إلى بيت الشهيد أبو جهاد، بعد استجابة الحكومة التونسيّة لطلب الوفد السياحي الإسرائيلي عبر وزير السياحة التونسي روني طرابلسي.
ونقل الناشط الحاج منصور عن مصادر لم يصرّح عن هويتها أنّ "الوفد السياحي الإسرائيلي كان من ضمنه بعض أفراد من الكوماندوز الذين شاركوا سابقاً في اغتيال أبو جهاد، وقد أصروا على زيارة المكان الذي نُفذت فيه واحدة من أشهر عمليات الموساد في التصفية السياسية في تاريخ القضية الفلسطينية، من أجل الفخر والتشفي والإنتقام بتذكر بطولات الجيش الذي لا يقهر".
الاتحاد التونسي للشغل، وهو الإطار النقابي الأكبر في البلاد، دعا إلى عدم تحويل موسم " حج الغريبة" إلى وسيلة للتطبيع مع " إسرائيل".
وأدان الاتحاد في بيان له، ما اعتبره "استباحة أرض تونس من قبل الصهاينة وبتواطؤ مع جهات سياسية وأخرى تعمل في المجال السياحي" في إشارة إلى وزير السياحة اليهوديّ الأصل روني طرابلسي، الذي اتهمه بأنّه يغطّي على التطبيع السياحي.
وطالب بوضع "تصوّر وطني واضح بخصوص الزيارة السنوية لمعبد الغريبة في جزيرة جربة، يجعلها مناسبة دينية بحتة تضمن حقّ اليهود في الزيارة وتمنع في الوقت نفسه الاختراقات الصهيونية والتطبيع مع هذا الكيان العنصري وتحترم سيادة الوطن".
من جهته اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية زهير المغزاوي، ما جرى وصمة عار على جبين الحكومة التونسيّة، حيث وقف رئيس الحكومة إلى جانب الوفد الإسرائيلي، محذّراً من "محاولات استغلال زيارة معبد الغريبة بجزيرة جربة من أجل تمرير أجندات تطبيعية".
كما طالب النائب السابق في كتلة الجبهة الشعبية إياد الأخضر، بمساءلة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير السياحة روني الطرابلسي لتوضيح ما حدث، مشيراً إلى وجود "ميل متصاعد للهيمنة الصهيونية على تونس وعلى العالم العربي".
الجدير بالذكر، أنّ وزير السياحة التونسي يهوديّ الديانة روني طرابلسي، والمشرف على الوفد السياحي الإسرائيلي، متهّماً بتسيير أعمال شركة سياحيّة بعنوزان " تونيزيا باي ترافل" و تقوم برحلات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة بالتنسيق مع جيش الاحتلال الصهيوني، وسط تجاهل الحكومة التونسيّة لدعوات التحقيق في أنشطة الوزير التطبيعية.
لماذا أبو جهاد الوزير؟
لطالما شكلت قيادات فلسطينية بعينها هاجساً لدى استخبارات الاحتلال، بعدما تمكنت الثورة الفلسطينية من تنظيم صفوفها في الشتات، والإنطلاق بعمليات ضد الاحتلال داخل فلسطين المحتلة وخارجها،والتأثير على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الأراضي المحتلة عام 48، ومنهم خليل الوزير "أبوجهاد" الرجل الثاني في حركة فتح، أحد أبرز قيادات العمل الفلسطيني المقاوم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأبرز مهندسي الانتفاضة الأولى التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وشارك في توجيهها ودعمها حتى ساعة استشهاده.
وتعتبر استخبارات الاحتلال عملية اغتياله من أهم العمليات التي أثرت في خفوت صوت الانتفاضة والثورة الفلسطينية، لذا هي تراها "انتصاراً" ولا عجب أن يُقدم صهاينةٌ على زيارة مسرح جريمة كيانهم، حيث قامت وحدة "سييرت متكال" العسكرية الصهيونية، بقيادة المقدم موشيه بوغي يعلون، الذي أصبح لاحقاً رئيس الأركان ثم وزيراً للحرب، باغتياله في منزله 16 نيسان/ أبريل 1988.
نُقل جثمانه إلى مدينة دمشق حيث شيعه عشرات الآلاف من الفلسطينيين والسوريين ودفن في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك.