صابر حليمة - لبنان
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. يحضرون دوماً في تصريحات وزير الخارجية جبران باسيل ومؤيديه ونشطاء تياره.
تارة يحضرون عبر أسطوانة فوبيا التوطين المتكررة، وطوراً عبر التحريض على المخيمات وقاطنيها، وأحياناً عبر "التفوق الجيني" اللبناني، وأخرى عبر تحميلهم سبب الأزمة الاقتصادية في لبنان والارتفاع الهائل في نسبة البطالة..
هذه التصريحات الشعبوية، التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون وغيرهم من اللاجئين، لا تمت بصلةّ إلى الواقع من قريب أو بعيد، بل إن للاجئين الفلسطينيين دوراً إيجابياً بارزاً في الدفع بعجلة الاقتصاد اللبناني.
هذا ما أكدته رسالة الماجستير التي قدمها الفلسطيني رجا المجذوب في جامعة "الشرق الأدنى NEU" في عاصمة قبرص التركية نيقوسيا بعنوان: "ماذا سيحدث لاقتصاد مدينة صيدا إذا عاد اللاجئون الفلسطينيون إلى فلسطين؟".
الرسالة التي قدمها المجذوب لنيل الماجستير في العلوم الاقتصادية والإدارية ، أكدت رفض المشاركين في الدراسة اعتبار الفلسطينيين حملاً يثقل كاهل لبنان الاقتصادي، وسلطت الضوء على الأهمية القصوى للفلسطينيين في الدورة الاقتصادية لمدينة صيدا بشكل خاص وللبنان عموماً.
وفي حديث مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أشار المجذوب إلى أنه استوحى فكرة موضوع الرسالة من البروفيسورة الويلزية كارين هاويلز التي شجعته على تبني هذا الموضوع الأول من نوعه.
رجا، الذي ترعرع وعاش في صيدا لـ 19 عاماً، اهتم في إبراز تاريخ هذه المدينة العريق وتركيبة الوجود الفلسطيني فيها، مستخدماً مراجع ودراسات سابقة عن تاريخ صيدا وتاريخ الفلسطينيين وإحصاءات أجرتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والدولة اللبنانية.
وأوضح المجذوب أن رسالته تنقسم إلى محاور خمسة: أولها تضمن مقدمة عن الموضوع والقضية الفلسطينية واللجوء الفلسطيني بعد عام 1948، أما المحور الثاني، فتمثّل في خلفية تاريخية عن الفلسطينيين، مروراً بالحقبة العثمانية ووعد بلفور والاحتلال البريطاني لفلسطين والانسحاب البريطاني وأحداث النكبة ولجوء الفلسطينين إلى دول الجوار، وتضمن هذا المحور أيضاً مسميات "اللاجئين" بحسب "أونروا" وطبقات اللاجئين الثلاثة، إلى جانب تركيبة المجتمع الفلسطيني قبل اللجوء وبعده، ليصل بعدها إلى وضع اللاجئيين في لبنان ومساهمتهم بالنمو الاقتصادي بين عام 1950 حتى 1970 لحين نشوب الحرب الأهلية في لبنان والاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
35% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يقيمون في صيدا
المجذوب أشار في حديثه مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين إلى أن دراسته تركزت على مدينة صيدا جراء تمركز 35.8% من الفلسطينين فيها، داخل وخارج مخيمي عين الحلوة والمية ومية.
وبهدف اتباع المنهج العلمي، شمل المحور الثالث مقابلات مع 15 لبنانياً و10 فلسطينين من رجال ونساء تمّت في صيف 2018 عبر استخدام الأسئلة المفتوحة.
وشرح المجذوب أن الاسئلة الأساسية تمحورت حول مصير مدينة صيدا في حال عودة الفلسطينيين إلى بلدهم أو انتقالهم للعيش في مدينة أو دولة أخرى، وعن تأثير ذلك على الاستثمار، ومصير ممتلكاتهم والمخيمات والمحال التجارية التي يملكونها.
اقتصاد صيدا يتراجع 88 % دون الفلسطينيين
الأسئلة بحثت أيضاً دور الفلسطينيين في الدورة الاقتصادية، وعن أبرز ما سيفقده لبنان عندما يرحل الفلسطينيون.
المحور الرابع من الرسالة ناقش آراء المشاركين والنتيجة التي توصلوا إليها، إذ يقول المجذوب إنه صُدم من النتيجة التي أكدت تأثر الاقتصاد في مدينة صيدا بنسبة 88%، وتراجع الاستثمار بنسبة 50% بالنسبة لـ 72% من المشاركين،. كما اعتبر 50% أن المحلات التجارية سوف تتأثر بشكل سلبي، فيما أشار 76% من المشاركين إلى أنهم سيفتقدون إلى الفلسطينيين في صيدا لأنهم يعملون ويدخلون أموالاً طائلة إلى المدينة ويساهمون في عملية النمو الاقتصادي في المدارس والجامعات والمستشفيات والتجارة.
ويقول المجذوب إن تفاجأ أيضاً من إجماع المشاركين على رفض كلمة "عبء" في الإشارة إلى الوجود الفلسطيني، إذ اعتبروا أن الفلسطينيين هم مشاركون في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية في صيدا.
المحور الخامس من الرسالة شمل الخلاصة والتوصيات والقيود.
وهكذا، تثبت الأبحاث والإحصاءات العلمية مدى التأثير الهام والإيجابي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومدى مساهمتهم في تطوير هذا البلد في الجوانب والصعد كافة، ما يدحض أي خطاب شوفيني لا يستند على أسس علمية.