مع دخول حراك المخيمات الفلسطينية في لبنان يومه العاشر، ضد قانون العمل اللبناني الذي يتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين كأجانب دون أن ينصفهم بالسماح لهم ممارسة 36 مهنة، مع بقاء ضبابية قانونية حول استفادتهم من نظام الضمان الاجتماعي، يستمر الإضراب العام في المخيمات مع خروج مظاهرات يومية تطالب بأدنى الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، والتي لا تتعارض مع بقاء حقهم في العودة إلى فلسطين قائماً وفق القرار الدولي 194.
في الوقت نفسه، لم تتفق الأطراف السياسية اللبنانية المختلفة على حل لهذه القضية، وتتراوح تصريحات المسؤولين اللبنانيين بين مؤيد لخطوة وزير العمل كميل أبوسليمان بتنفيذ حملته لـ "مكافحة العمالة الأجنبية" دون قرار واضح باستثناء اللاجئين الفلسطينيين منه، وفق تبريرات تتعلق برفض التوطين يصفها المحللون السياسيون بـ "غير المنطقية، إذ لا يتناقض إعطاء الحقوق الإنسانية مع حق العودة" وبين داعين لوقف تطبيق خطة أبو سليمان على اللاجئين الفلسطينيين لخصوصية وضعهم، وأيضاً دون قرار حكومي معلن، ودون إعلان رسمي من الحكومة بانتقال هذا الملف إلى عهدتها، كما وعد رئيسها سعد الحريري الوفود الفلسطينية.
في مقابل ذلك، أعلنت لجنة المتابعة الفلسطينية في لبنان الاستمرار في جميع أشكال التحركات وفي جميع الأوقات وفي كل المخيمات والتجمعات الفلسطينية والمدن، بشكل حضاري ومنضبط بعيد عن أي شكل من أشكال الاستفزاز، لإعلاء الصوت ضد مطلب واحد وهو تهديل القوانين المتعلقة بالفلسطينيين بما يسمح لهم العيش بكرامة في هذا البلد إلى حين عودتهم إلى فلسطين.
بعد تصريحات باسيل، حراكات فلسطينية تطالب بتأمين الطريق إلى فلسطين
ولكن على ما يبدو، فإن حراكات فلسطينية مختلفة بدأت تطالب فعلاً بتنفيذ العودة إلى فلسطين عبر الحدود مع لبنان، وذلك عقب تصريحات لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل اعتبر فيها أن منح الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية "يمهد لسيناريو التوطين" وشارحاً بأن الحقوق الإنسانية هي العمل على إعادة اللاجئين إلى أوطانهم.
ودعت المجموعات والحراكات الفلسطينية رئاسة الجمهورية الممسكة بالقرار العسكري والدبلوماسي،والحكومة المشكلة من غالبية القوى والأحزاب، إلى الطلب من الجيش اللبناني والقوى والأجهزة الأمنية بمؤازرة قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) تأمين وحماية مسيرة العودة إلى فلسطين وصولاً الى نقطة الناقورة الحدودية، وذلك يوم الأحد المقبل 28 تموز/يوليو الجاري.
وفي بيان للحراكات في المخيمات جاء: "استجابة لطلب معالي وزير خارجية لبنان جبران باسل وطلب معالي وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان الذي يصر على معاملتنا كأجانب في لبنان حسب القانون اللبناني، نعلن نحن اللاجئون الفلسطينيون عن قرارنا بالعودة إلى أراضينا المحتلة منذ عام ١٩٤٨ من نفس الطريق الذي قدم من أجدادنا وأباؤنا وذلك يوم الاحد 28/7/2019 وبناء على ذلك نطالب الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام الدولية (اليونفل) تسهيل الإجراءات على الحواجز، وتأمين الطريق لنا من جميع مخيمات لبنان،وسيتم تسليم بطاقات الهوية الخاصة باللاجئين على حواجز المخيمات، وسيتم الإعلان عن إجراءات الخروج من المخيم لجميع اللاجئين خلال ٤٨ ساعة،
شكرا لبنان على الضيافة الطويلة، شكراً للأشقاء اللبنانيين الذي وقفوا مع قضيتنا العادلة والمحقة".
وكان باسيل قد أدلى بتصريحات عقب اجتماع تكتل "لبنان القوي" قال فيها إنه مع حزب القوات اللبنانية في التشديد بتطبيق "قانون العمل" بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، "والسبب الأساسي هوتوفير فرص عمل للبنانيين في ظل ارتفاع نسب البطالة بشكل غير مسبوق، وأن أي شيء يساهم بتطبيع الوجود السوري والفلسطيني في لبنان، هو شكل من أشكال التوطين".
واعتبر الوزير اللبناني أن "الحقوق الانسانية هي العمل للعودة الى أوطانهم".
هل القرار مجمد أم لا؟
بموازة ذلك، اعتبرت كتلة المستقبل النيابية أن "إعلان رئيس الحكومة بأن معالجة مسألة عمل الإخوة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باتت بعهدة مجلس الوزراء، لما لهذه القضية من خصوصية وحساسية وطنية وعربية، يعني تجميد القرار حتى انعقاد اول جلسة لمجلس الوزراء".
والمقصود بالقرار هو إجراءات وزارة العمل الجديدة الخاصة بـ "مكافحة العمالة الأجنبية"
ولفت بيان للكتلة تلته النائب بهية الحريري إلى "ضرورة التمييز بين ما ينطبق على النازحين عموماً وما ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين الذين يكتسبون صفتهم من القرار الدولي 194 الذي يحظى بإجماع اللبنانيين والفلسطينيين والرافض لأي توطين أو تجنيس أو تهجير".
كما أكدت الكتلة على "ضرورة دعم وكالة "أونروا" المسؤولة عن شؤون اللاجئين الفلسطينيين في وجه محاولات خنقها مالياً وإدارياً لإلغاء دورها الأساسي في تحصين قضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس".
ولكن غياب التوافق الرسمي اللبناني يبدو جلياً، مع إصرار وزير العمل كميل أبو سليمان على خطته الوزارية، وعدم الإشارة إلى أن ملف عمل اللاجئين الفلسطينيين انتقل من عهدة وزارته إلى الحكومة، كما أخبر الحريري وفد حماس سابقاً، وكما جاء في بيان كتلة المستقبل.
فخلال لقائه وفداً من اتحاد نقابات عمال فلسطين - فرع لبنان جدد وزير العمل كميل أبو سليمان تصريحاته السابقة بأن "القانون لا يُجزأ، وهو يطبق على الجميع، ولا يمكن وقف تنفيذه بحق فئة معينة، وأن ليس من صلاحية الوزير وقف تطبيقه"
غضب المخيمات لم يخفت
ومع هذا الجمود الحكومي اللبناني في إيجاد مخرج سريع للقضية، واقتصار الأمر على مواقف وتصريحات لأحزاب متفرقة، ولوسائل إعلام عدة، يحافظ الشارع في المخيمات الفلسطينية على وحدة موقفه من ضرورة تعديل القوانين اللبنانية المجحفة بحق اللاجئين الفلسطينيين، متخذاً من أشكال التعبير الاحتجاجي وسيلة لتحصيل حقوقه الإنسانية.
وحتى اللحظة لا تزال المخيمات والتجمعات الفلسطينية، مسرح مظاهرات تنادي بإقرار حقوق اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية المتعلقة بقوانين الدولة المضيفة والسياسية المتعلقة بحق العودة إلى فلسطين.
ففي مخيم عين الحلوة، ما تزال مداخل ومخارج المخيم مغلقة بالمتظاهرين والمتعصمين، مع تسهيل حركة انتقال الأهالي على المداخل امام المشاة والمرضى والطلاب فقط دون السيارات، وسط إضراب عام دخل يومه العاشر، يشمل عدم ذهاب العمال إلى أعمالهم وعدم إدخال البضائع إلى المخيم.
وشهد المخيم يوم الاثنين مظاهرات عدة، أبرزها تلك التي خرجت بعد تصريخات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، ودعت إلى ضرورة تنفيذ العودة إلى فلسطين بأسرع وقت.
واستمرت الحملات التضامنية بين أبناء المخيمات المختلفة في لبنان تحت شعار "#كلنا_عين_الحلوة"، حيث قام مخيم البص وتجمعا القاسمية وجل البحر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بالتبرع بالأموال وشراء الخبز والمواد الغذائية دعماً لصمود واستمرار الحراك في مخيم عين الحلوة.
كما وزعت اللحوم في المخيم بمبادرة من مزارع وملاحم الضيعة تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وتواصل مطابخ ومطاعم عدة تقديم وجبات للمعتصمين على مداخل المخيم.
واستجابت كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية لدعو إضاءة الشموع في إزقة المخيمات وشوارع المدن كشكل من أشكال التعبير الأخلاقي عن المطالب الإنسانية المحقة.