فارس الصرفندي - إعلامي فلسطيني - الضفة الغربية المحتلة
لقد زرت لبنان خمس مرات ،مرة كنت إجازه والمرات الأربع للعمل، في كل مرة ولأنني فلسطيني انتظر ليس كغيري من أصحاب الجنسيات الأخرى.
فلأنك فلسطيني في مطار رفيق الحريري (مطار بيروت الدولي) عليك التوجه إلى مكتب الأمن العام ليحقق معك السؤال "الطبيعي" لماذا أنت هنا؟
من الذي أرسل إليك الدعوة؟ كم ستلبث ؟ هل لك أقارب في لبنان أم لا؟
وحين يختم لك رجل الأمن على جوازك تشعر بأنك غادرت سجن الاتهامات.
قلت يوماً لصديقي اللبناني بعد أن مررت بلبنان، سهوله، وجباله، ووديان، جنوبه وشماله وبقاعه وهرمله: "والله لو منحوني لبنان كاملاً بما فيه ما تركت فلسطين ولو كان بيتي مغارة محتلة"، فتفاجأ مما قلت وسأل: ألم يعجبك لبنان؟
قلت له: بالعكس، لبنان جميل، ورائحة جنوبه تشبه رائحة شمال فلسطين المحرومين منها، لكن يا صاحبي، للأسف، لم هذا الشعور اللبناني (ليس الكل بالطبع) تجاه الفلسطيني؟
هذا الشعور هو المقلق والمؤذي، رغم ما قدمه الفلسطيني لهذا البلد منذ سبعين عاماً، فكان الطبيب والمعلم والموسيقي والمخترع والسينمائي، حتى التراث كما قال ملحم بركات حمله الفلسطينييون لكم، وفي نهاية المطاف حين حاولت دخول مخيم برج الشمالي في صور تم إيقافي ليسأل رجل الأمن: "من أنا؟ ومن أين أتيت؟ وكيف وصلت إلى هنا؟" رغم أني كنت في زيارة إلى أقاربي، لا أحد ينزعج من محاولات تحقيق الأمن في أي بقعة من العالم، ولكن ما يؤلم هو وقوفي أنا الفلسطيني اللاجئ القادم من الضفة الغربية، على أبواب إخوتي في مخيم بلبنان، انتظر السماح لي بالدخول، ما يؤلم هو "لم يعيش إخوتي اللاجئون في لبنان في هذه الغيتوهات المحاطة برجال الأمن، والجدران"؟ ما الذي اقترفت أيديهم؟
اقرأ جيداً في التاريخ، لم أجد سبباً مقنعاً يبرر تحويل مخيمات الفلسطينيين في لبنان إلى سجون جماعية، ممنوع على سكانها العمل خارجها، ومحرم عليهم تحسين أوضاع سكنهم بإدخال حفنة طين وقليل من الطوب لترميم بيت أو حتى جدار، بعيداً عن وصاية "أونروا"، ممنوعون حتى من استقبال قريب لهم دون إذن مسبق من الجيش اللبناني.
تمر أمامي صور المظاهرات في مخيمات لبنان، لأجد نفسي أقول: "هذا كان يجب أن يحدث منذ سنين، كيف استطاع هؤلاء المرهقون من نكبة شتتهم، أن يتحملوا كل هذا الجور، من الأخ المضيف؟"
وأنا أعرف أن الجواب مكتوب في قلب كل طفل لاجئ قبل كبير، "أن وجودنا هنا مؤقت، وإنا عائدون" ولكن إلى حين العودة، ألا نحتاج أن نحيا بكرامة؟
كان لزاماً منذ وقت مبكر، أن يطالب اللاجئون الفلسطينيون في هذا البلد العربي بأدنى حقوقهم الإنسانية، وألا يراهنوا على سلطة فلسطينية أو منظمة تحرير لم تستطع أن تنتزع لهم هذه الحقوق طيلة عقود، فتمكنهم معيشياً وحياتياً، سيساهم أكثر في توجيه بوصلتهم نحو فلسطين التحرير والعودة، كيف يمكن لعاطل عن العمل لا يجد قوت أبنائه أن يفكر في قضية وطنية، قبل أن يؤمن أسباب العيش لأولاده؟ بالمنطق لا تستقيم .. كيف يمكن لمن ينام خائفاً من سقف قد يسقط على عائلته؟ أن يفكر بقضايا أكبر، مطلوب من اللاجئ ألا ينساها؟؟ بالمنطق لا تستقيم .
وفي ذات الوقت، آن الأوان أن يفهم العنصريون فقط من اللبنانيين، أن لو قدّر للفلسطيني اللاجئ في هذا البلد، وفي أي بلد، أن يعيش داخل خيمة في فلسطين، لما تردد لحظةً.
لكم أن تصدقوا، أو لا هذا شأنكم
فلسطين تسكننا نحن جموع اللاجئين، أكثر مما تتخيلون، نستنشق عشقها في أنفاسنا وآهاتنا وأفراحنا وزغاريدنا، حتى لهجتنا توارثها الأبناء والأحفاد فاللوباني والغوراني والصفدي وابن الشجرة والحيفاوي والعكاوي والنصراوي وابن الخالصة مازال ينطق بالقاف المقلقلة وحين يغني لا يعرف سوى اغنية ((راجعلك يا دار اهلي ))، فتأكدوا يا أبناء الأرز الجميل، المغروس في عمق هذه الأرض الطيبة، أننا عائدون، ساعدونا على ذلك، لا تقتلوا فينا روح الإنسان.