فلسطين المحتلة
بعد (50) عاماً على جريمة إحراق المسجد الأقصى على يد إرهابي أسترالي قدم إلى فلسطين بحجّة السياحة، باتت المخاطر التي تُهدد المسجد في تصاعد مُستمر، إن كان بالانتهاكات المُباشرة على الأرض بحق البشر والحجر، أو القرارات والمُخططات السياسية من قِبل قادة وسلطات الاحتلال أو شركاء الاحتلال في الجريمة، وصولاً إلى انعدام الموقف العربي والدولي الحاسم تجاه هذه الانتهاكات، بل والوقوف إلى جانب الاحتلال والتطبيع معه في الكثير من الأحيان، وانعدام الدعم والإسناد الحقيقي لأهل القدس من أجل تقوية صمودهم في الدفاع عن الأقصى كقوّة شعبيّة تُحيط بأكنافه.
المجلس الوطني يستعرض الأخطار التي تُواجهها القدس
في بيانه الذي صدر بالتزامن مع ذكرى إحراق المسجد الأقصى، أكّد المجلس الوطني الفلسطيني أنّ مسؤوليّة حماية المسجد الأقصى وكافة المُقدسات الإسلامية المسيحية، وتوفير مُقوّمات صمود المقدسيين، ومنع تكريس مُخطط الاحتلال بالتقسيم الزماني والمكاني، مسؤوليّة عربيّة وإسلاميّة بالدرجة الأولى.
وقال المجلس في بيانه الذي صدر في الذكرى الخمسين لإحراق الأقصى، إنّ "مدينة القدس بمُقدساتها لإسلاميّة والمسيحيّة وأهلها الصامدين وعقاراتها ومنازلها وإرثها التاريخي والثقافي والديني لا تزال تتعرض لعدوان إسرائيلي ممنهج، بهدف تفريغها من سكانها الفلسطينيين وصولاً لتهويدها."
وطالب المجلس الوطني الفلسطيني، منظمة التعاون الإسلامي وبرلماناتها وكافة مؤسساتها، التي أسست بعد حريق المسجد الأقصى عام 1969 على يد يهودي أسترالي يُدعى مايكل دنيس روهان، بالدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته، وتوفير الدعم المادي والسياسي العاجل لمدينة القدس واستثمار كافة إمكانياتها الدبلوماسية والاقتصادية والمالية لوقف استمرار حرائق الاحتلال المستمرة في المدينة المقدسة.
وأضاف المجلس الوطني إنّ الشعب الفلسطيني بحاجة إلى خطوات عملية ودعم فعلي يمكّنه من الصمود، وحماية المسجد الأقصى وحقوق الأمتين العربية والإسلامية في مدينة القدس، فهي في خطر حقيقي لا يمكن مواجهته بالمواقف الكلامية فقط.
وأعلن المجلس الوطني دعمه وتأييده لدعوة مجلس النواب الأردني لعقد دورة طارئة للاتحاد البرلماني العربي في عمان لمواجهة انتهاكات وجرائم الاحتلال بحق المسجد الأقصى ومدينة القدس وأهلها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، واتخاذ موقف برلماني عربي حازم وموحد تجاه هذه السياسات والإجراءات العدوانية.
واستعرض المجلس الوطني الأخطار الحقيقية التي تواجه مدينة القدس والمقدسات، حيث بلغ عدد المستوطنات أكثر من (29) مستوطنة، والتي تُشكّل ثلاثة أطواق حول المدينة، من منطقة الحرم القدسي الشريف والبلدة القديمة وأحياء القدس، والقرى الفلسطينية المحيطة بها.
وأضاف أنّ الاحتلال يُمارس سياسة التطهير العرقي عبر هدم العقارات، وإلغاء المؤسسات الفلسطينية، وطمس المعالم التاريخية، والاضطهاد والتمييز، وطرد المقدسيين، ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، و"عبرنة" الأسماء العربية في المدينة المقدسة.
وشدد على أنّ مدينة القدس تتعرض أيضاً لتغيير معالمها التاريخية والدينية، عبر بناء الكنس والتي بات عددها (105)، إلى جانب حفر (28) نفقاً استيطانياً، وتنفيذ (104) حفريات أثرية في مواقع متنوعة، منها (22) حفرية فعالة، وأبرزها (4) حفريات أسفل ومحيط المسجد الأقصى، وخمس حفريات في بلدة سلوان الملاصقة لسور المسجد، وخمس حفريات في البلدة القديمة، وثماني حفريات في مواقع متفرقة من مدينة القدس.
الأوقاف الإسلاميّة: سياسات الاحتلال تُهدد الوجود العربي الإسلامي في القدس
من ناحيتها، قالت دائرة الأوقاف الإسلاميّة بمدينة القدس المُحتلّة، في بيانها: "بعد مرور خمسين عاماً على الحريق المشؤوم تزداد المخاطر التي تتهدد الأقصى بُنياناً وإنشاءً، فالحفريات الإسرائيلية في مُحيط المسجد الأقصى المٌبارك تُهدد مبنى المسجد الأقصى وجدرانه مُنشآته."
وحسب الأوقاف، إنّ الأنفاق التي تحفرها سلطات الاحتلال في البلدة القديمة من مدينة القدس، هددت وتُهدد المدارس الأثريّة التاريخيّة الإسلاميّة، وتُهدد سلوان جنوبي المسجد الأقصى، ومسجد سلوان والبيوت الإسلاميّة في الحي، والبؤر الاستيطانيّة التي تزرعها سلطات الاحتلال في مُختلف أرجاء المدينة المُقدسة، تُهدد الوجود العربي الإسلامي في القدس.
وبيّنت الأوقاف أنّ الاحتلال يستعمل كل الوسائل الإجراميّة في سبيل إخراج أهل القدس من مدينتهم، وتناولت أمر تزوير الوثائق حيث "يتم في أروقة المحاكم ومكاتب المُحامين بدعم من سلطات الاحتلال، وأعمال البلطجة تتم في وضح النهار وتستهدف المُجاورين للحرم القدسي قبل غيرهم، ومجموعة الكنس التي زرعتها وتُخطط لزراعتها في منطقة الواد في مُحيط المسجد الأقصى المبارك تستهدف كل وجود عربي إسلامي في القدس، ومنع المُسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى يستهدف تفريغ المسجد من المُسلمين وجعله متحفاً أثرياً لزيارة الغرباء."
ولفتت في بيانها إلى أنّ سلطات الاحتلال تُواصل عرقلة أعمال الترميم الضرورية في المسجد الأقصى، وفرض قوانين الاحتلال عليه وسلب الأوقاف الإسلامية صاحبة الحق الشرعي في صيانته وترميمه وإدارته.
كذلك انتقدت صمت العالم دون تحريك ساكن حيال انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى، والتي تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار.
عدوان مُتواصل يهدف إلى تدمير الأقصى
وكان مُتطرف أسترالي قد أحرق المسجد الأقصى في 21/8/1969، حيث أتى على جزء كبير من الجهة الجنوبيّة من المسجد، خاصة منبر صلاح الدين الأيوبي، وقُدّرت المساحة التي احترقت حوالي (1500) م من أصل (4400) وهي مساحة المبنى الكليّة، كما دُمّر مسجد عمر ومحراب زكريا ومقام الأربعين وثلاثة أروقة من الأعمدة مُمتدة من الجنوب شمالاً داخل الأقصى، والأقواس، ودُمّر السقف وأجزاء من القبّة الخشبيّة الداخليّة و(48) شباكاً، بالإضافة لاحتراق المفروضات ومجسم سورة الإسراء المصنوع من الفسيفساء، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق كما سقط عامودان رئيسيان مع القوس الحامل للقبة وتضرر المحراب والجدران الجنوبيّة.
ومنذ تلك الحادثة يُواصل الاحتلال مُحاولاته فرض نفسه مُشرفاً على المسجد الأقصى وإثبات وجوده فيه عبر الاقتحامات شبه اليوميّة، وعمله على تخصيص أوقات مُحددة للمستوطنين لاقتحام المسجد.
كذلك يعمل الاحتلال على عزل مُكوّنات الدفاع عن المسجد، عبر حظر ما أسماه تنظيمي "المرابطين والمرابطات" في 8/9/2015، ومعهم حلقات العلم التي كانت تُعقد في مصاطب الأقصى وباحاته، وحظر (17) مؤسسة تابعة للحركة الإسلامية – الجناح الشمالي في الأراضي المحتلة عام 1948، في 17/11/2015.
ويُرافق اقتحام الأقصى اعتداءات أخرى بحق المُصلين والمرابطين وحراس الأقصى، أهمها الإبعاد عن القدس والأقصى ومنعهم من الصلاة والغرامات المالية والسجن، وما يُرافق ذلك من تعنيف جسدي ونفسي. وخلال الأعوام السابقة كانت الاقتحامات تتوقف خلال أيام العشر الأواخر من شهر رمضان، لكنها خلال عام 2016 استمرت في محاولة لفرض واقع جديد على الأقصى.
كما يُبعد الاحتلال الفلسطينيين ممّن يرتادون الأقصى لمدد تتراوح بين (3) أيام إلى (6) أشهر، مع إمكانية تجديد هذه الفترات بناءً على قرار من سلطات الاحتلال، كذلك يُعرقل عمل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس لترميم مباني المسجد الأقصى وصيانتها، لجعلها آيلة للسقوط أو غير قابلة للاستخدام.