تقرير: الوليد يحيى
يستعد اللاجئ الفلسطيني "أ . س" المهجّر قسراً من مخيّم اليرموك إلى الشمال السوري، لسلك طريق "التكميش"، وهو منفذ استدلّ عليه اللاجئون الفلسطينيون المهجّرون في مخيّمات الشمال ليكون معبرهم نحو الخلاص باتجاه تركيا ومنها إلى دول اللجوء الأوروبيّة عبر البحر، وفق ما أفاد اللاجئ الذي رفض الكشف عن اسمه لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
يأس في سجنهم المطلق وفق ما يصفونه، يدفع باللاجئين الفلسطينيين نحو الهجرة، لانعدام أي أفق يحفزّهم على الصبر والصمود، "فلا شيء ننتظره هنا" وفق "أ .س" الذي يقول لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إنّ "الحياة في الشمال السوري موت بطيء، ولا شيء ينتظره اللاجئون هنا سوى تهجير جديد قد يكون بفعل تسوية جديدة، أو حرب طاحنة نموت فيها أو نجد أنفسنا في العراء بلا مأوى ولا حتّى قطرة ماء".
مخاطر البقاء في الشمال السوري سواء في بلداته أو مخيّمات تهجيره، باتت توازي مخاطر خوض البحر، فاحتمالات الموت واردة في كلا الحالين، وفق "أ.س"، أمّا النجاة من الغرق تعني احتمال آفاق حياة جديدة، بينما لا نجاة بالبقاء في ظل تهديدات الحرب التي قد تشتعل في أيّة لحظة بين الأطراف المختلفة، فها هو النظام السوري يتربّص بإدلب، والجانب التركي يستعد لخوض عمليات عسكرية لا يعلم أحد ما الذي ستحمله من تبعات على اللاجئين الذين يعيشون ظروفاً معيشيّة وصحيّة وإنسانيّة تنال منهم يوماً بعد يوم، وفق ما يهجس هو وسواه، حسبما أكّد.
نافذة من السماء
يصف "أ.س" الطريق الذي درجت تسميته بطريق "التكميش" بأنّه نافذة من السماء وقد فتحت للاجئين الفلسطينيين في مناطق الشمال السوري، والذي لا يخلو من المنغصات والمخاطر، ولم يفلت من سماسرة الطرق وفق تعبيره.
و"التكميش" لدى خائضي هذا الطريق يكون طوعيّاً، فالعادة قد درجت أن يُلقى القبض على اللاجئين في طرقات هجرتهم، بينما هُنا يسعى اللاجئ للالتقاء مع أقرب مفرزة شرطة حدود تركيّة ليسلّم نفسه إليها، ليوضع بعدها ضمن مسار قانوني يُمنح في نهايته تصريح الإقامة في تركيا، ومنها يبدأ استكشافه لطرق تهريب بحرية وغير بحرية باتجاه اليونان.
وبدأت رحلات هذا الطريق قبل أشهر، حين تمكّن عدد من اللاجئين الفلسطينيين برفقة مجموعة من السوريين، من عبور إحدى الثغرات الحدودية بين تركيا ومحافظة ادلب السوريّة، وتلقفهم حرس الحدود التركي، الذي قام باستقبال اللاجئين الفلسطينيين، وإرجاع السوريين من حيث أتوا، وفق ما أكّدت مصادر متعددة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، لتصبح هذه الثغرة مقصد الفلسطينيين الباحثين عن الخروج.
تشير إحدى المصادر، إلى تهاون شرطة الحدود التركيّة مع اللاجئين الفلسطينيين العابرين بصورة غير شرعيّة، وخصّهم بجملة من الإجراءات دون سواهم، لمجرّد إبراز بطاقة "أونروا" التي بحوزتهم.
وتوضح المصادر، أنّه بمجرد أن يعبر اللاجئ الفلسطيني الحدود التركيّة، يكفي أن يسلّم نفسه لأي مفرزة شرطة، ويقول لهم: "يابانجي" باللغة التركيّة وتعني "أجنبي" باللغة العربية، وإبراز بطاقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي بحوزته، ليجري بعدها نقله إلى معسكر مختص بالأجانب يتبع لدائرة الهجرة التركيّة.
وتنحسر التحقيقات في معسكر الأجانب الذي يمكث فيه اللاجئ لأيام، بالتأكد من صحّة الأوراق الثبوتيّة وبطاقة "أونروا" خاصته، وبعد التأكّد، يُطلب من صاحبها تحديد المنطقة التي يرغب بالإقامة فيها داخل تركيا لغرض منحه كتاب أمني موجّه إلى دائرة الهجرة في المنطقة التي يختارها، التي تمنحه بدورها تصريح إقامة "كملك" في مدّة تتراوح بين 10 إلى 15 يوماً، وفق ما أفادت المصادر، التي أكّدت بدورها أنّ هذا الإجراء متبّع فقط مع فلسطينيي سوريا.
الخروج أفواجاً والأعداد في تناقص ملحوظ
يشير اللاجئ "أ. س" أنّه لن يخرج بمفرده، إنما برفقة 4 شبّان تمكّنوا من جمع تكلفة الخروج التي تبلغ 100 دولار للشخص الواحد، تُدفع لسمسار خبير بالطرق المؤديّة إلى المنفذ، وبالأوقات المناسبة للعبور.
وفي هذا السياق، تشير متابعات "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" من مصادر متعددة، إلى تناقص ملحوظ في أعداد اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري، وخصوصاً من مخيّمات التهجير، سواء في دير بلّوط الكائن في ناحية جندريس بريف مدينة عفرين، أو مخيّم البل "الصداقة" في أعزاز بريف حلب الشمالي.
ووفق تقديرات، يسلك طريق "التكميش" شهريّاً بين 20 إلى 30 شخصاً معظمهم من الشبّان، لكون العبور يحتاج إلى جهد لا يقوى عليه كبار السن والأطفال، إلّا أنّ حالات عدّة تضمنّت نساءًا وأطفالاً، تمكّنوا من اجتياز الحواجز الموضوعة بين جانبي الحدود.
وفي هذا الصدد، يؤكّد "أ.س" أنّه لم يفكّر بسلوك هذا الطريق إلّا بعد التأكد من أنّه طريق مضمون، ويعزز ثقته في هذا، نجاح مجموعة من 15 شخصاً، مطلع شهر أيلول / سبتمبر الفائت، من الوصول إلى تركيا بأمان وفق قوله، الأمر الذي حفّز الكثيرين لتحضير أنفسهم وتبدّر تكاليف الطريق من أجل الخروج.
وأخيرا استفدنا من "أونروا" !
عبارة قالها بسخرية، اللاجئ الذي يستعد للخروج مما يصر على تسميته جحيم الشمال السوري، الذي ساهم تهميش "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها، والفصائل الفلسطينية التي بخارجها، وكل المعنيين بشؤون فلسطينيي سوريا، في إسعار نيرانه التي حاصرتهم ودفعتهم لسلك طرق التهريب غير الشرعيّة، وركوب مخاطر البحر نحو واقع آخر يوفر لهم ممكنات العيش.
فمنذ تهجيرهم قسراً من جنوب دمشق ومخيّمات خان الشيح وحندرات وسواها، ورميهم في مخيّمات التهجير في الشمال السوري، لم تلتفت وكالة "أونروا" إلى مسؤولياتها تجاه كتلة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، تجاوز أعدادها 2500 عائلة، ليجدوا اليوم فائدة من بطاقة يحملونها برقم يثبت أنّهم لاجئون فلسطينيون بلا وطن، وجدوا فيها منفعة قبولهم كلاجئين في تركيا، ولكنّ بعد عبورهم بصورة غير شرعيّة.
فالسلطات التركيّة تواصل منع دخول اللاجئين الفلسطينيين من حملة وثيقة السفر الصادرة عن سوريا من دخول أراضيها بصورة شرعيّة، وكذلك معظم دول العالم، في حين لم يبق لهؤلاء سوى اجتراح مخارج لهم من نفق مظلم لا يؤدي إلّا نحو الأسوأ، يصوّر في أعينهم بحر تركيا الذي يفصلها عن اليونان بأنّه نافذة الضوء الوحيدة.