محمد شهابي- بيروت
قال أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان أبو إياد الشعلان لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" خلال تسليم مهام قائد القوة الأمنية الجديد في مخيم برج البراجنة، قبل أيام، "إنّ هذه الخطوة ستتبعها خطوة تشكيل قوة أمنية في مخيم شاتيلا جنوبي بيروت وأنه سيتم رفع الغطاء عن جميع المخالفين لعمل القوة الأمنية التي ستكون أولى مهامها مكافحة المخدرات".
فهل ستنجح القوة الأمنية الوليدة في برج البراجنة والمنتظر تشكيلها في شاتيلا بعملها؟ أم أنها جاءت متأخرة؟.
لا ضير في التأخير، طالما أدركت القيادة السياسية الفلسطينية في لبنان خطر ملف المخدرات الذي ما يزال يربض على نفوس اللاجئين الفلسطينيين في مخيم شاتيلا منذ عقود، ولكن للأسف فإن تحركها لم يحدث حتى قام اللاجئون الفلسطينيون وبأنفسهم بالتحرك قبل شهر، حيث عمدوا إلى مهاجمة أوكار لتجار المخدرات، مخاطرين بأرواحهم من أجل حماية مخيمهم.
كيف بدأت الحكاية؟
قبل نحو شهر أوقفت القوى الأمنية اللبنانية الناشط، سعيد شرقاوي، بعد تصديه لمروجي مخدرات عمدوا إلى افتعال إشكال أمام منزله في مخيم شاتيلا جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت، أصيب على إثره طفل صغير بعيار ناري في قدمه.
القوى الأمنية حققت مع الناشط شرقاوي، بغية الاستحصال على أجوبة عن ماهية الإشكال والجهات المتورطة في الحادث، ومن ثم أفرجت عنه، إلا أنها لم تعتقل حتى اللحظة أيًا من مروجي المخدرات.
بعيد الحادث الذي جرى أمام منزل شرقاوي، عمد المئات من أبناء مخيم شاتيلا، إلى الخروج ليلًا وإحراق وكر يحتفظ تاجر مخدرات داخله بأنواع عدة من المواد المخدرة والأموال التي استحصل عليها من بيعه إيّاها.
الوكر ذاك احترق بالكامل، إلا أن قصة المخدرات لم تنته هنا، فهي متجذرة في هذا المخيم الصغير للأسف.
تجار موزعون في قواطع ومعروفون!
في مخيم شاتيلا والذي تقدر مساحته بنحو (0,4 كلم مربع)، ويقطنه خليط من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وجنسيات أخرى، "قسّم المخيم بين تجار المخدرات على أربعة أقسام"، وفق ما قاله مصدر فلسطيني فضّل عدم الكشف عن اسمه، لا سيما وأن عدداً ممن يكافحون آفة انتشار تجار المخدرات قد تعرضوا من قبل عصابات المخدرات لإطلاق نار واعتداءات.
- التاجر (أ ش) يستلم الجهة الجنوبية للمخيم.
- التاجر (ب) يستلم الشارع الرئيسي حتى مدرسة أريحا وحي فرحات.
- التاجر (هـ) يستلم الجهة الغربية للمخيم.
- والتاجران (ا خ) و(ح ح) يستلمان الجهة الشمالية للمخيم.
ويضيف المصدر، أن "هذه الأسماء الواردة هي لرؤوس كبيرة تروج المخدرات وتبيعها، إلا أنها ليست وحدها فهناك تجار آخرون، يعملون في المخيم، وهم من جنسيات مختلفة، ومدعومين من بعض القيادات في الفصائل الفلسطينية وجهات أمنية فلسطينية ولبنانية".
ويتابع المصدر، أن "خلافات عميقة بين تجار المخدرات تؤثر سلبًا على أمن المخيم وسكانه، تصل في كثير من الأحيان إلى افتعال إشكالات وحوادث أمنية، تصل إلى حدّ إطلاق نار فيما بينهم".
ولا يتعدى الأمر هذا، فإن كثيراً ممن لديهم معلومات حول ملف المخدرات في المخيم رفضوا الحديث معنا بما يعرفون خوفاً على حياتهم، ولا سيما بعد تعرض أحد الناشطين الذين يعملون في مكافحة المخدرات إلى إطلاق نار من قبل التجار، في ظل غياب أي رادع أمني بالنسبة لهم.
عمليات استيراد وتصدير للمخدرات من وإلى المخيم..
أما عن كيفية تأمين المخدرات، فيضيف المصدر، "يستورد تجار المخيم المخدرات من خارجه، حيث أنه لا مكان لزراعتها فيه، وتعدّ منطقة حي البعلبكية الواقعة في الضاحية الجنوبية لبيروت المصدر الرئيس للمخدرات، كما أن التاجر اللبناني "نوح زعيتر" والمعروف لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، أحد الموردين الرئيسيين للمخدرات إلى المخيم".
ويشير إلى أن، "المخدرات تدخل عبر سيارات أو دراجات نارية، من الجهة الشرقية للمخيم عبر حي فرحات – طريق المطار، أو عبر الحي الغربي المتاخم لمنطقة الرحاب، بالإضافة إلى منطقة مشروع الربيع والتي تعدّ منطقة استراتيجية للتجار".
ويوضح، "لمخيم شاتيلا وضع خاص، كونه نقطة تلاق بين منطقتين، منطقة (الطريق الجديدة) ذات الطابع السني، والضاحية الجنوبية لبيروت ذات الطابع الشيعي، فمن يريد أن يشتري بضاعته من المواد المخدرة من أي من الطائفتين، يقصد المخيم المنطقة المحايدة والمتنوعة طائفيًا نوعًا ما دون أن يتعرض له أحد"، وفق قوله.
ويتابع: "يتاجر التجار بمواد هي: الحشيش، وحبوب السيلديوم، ودواء السيمو والترامادول، وأخرى بأشكال عديدة، وألوان مختلفة".
أما عمّن يبيع تلك الحبوب، فيقول المصدر: "يقوم التجار بتوظيف شبان وفتيات يروجون للمخدرات صباحًا ومساء في المدارس وبين الطلاب وفي الطرقات والأزقة".
ويختم المصدر كلامه، "الفصائل والجهات الأمنية شبه غائبة عن الواقع، الجميع متآمر وساكت أو عميل يحمي تاجر المخدرات مقابل بضع دولارات".
لآفة المخدرات أثر كارثي على سكان المخيم!
بدوره، يفضّل الناشط محمد حسنين، والذي يقطن مخيم شاتيلا، عدم تعميم الموضوع على كافة سكان المخيم. ويقول خلال حديثه مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، "بالمخيم في المنيح والقبيح، ولكن أعمال وسموم القبيحين تؤذي الجميع في المخيم وتضر بشكل أساسي الشبان والأطفال والنساء".
وأضاف حسنين، أن "غياب الدولة اللبنانية، عن ملاحقة التجار خارج حدود المخيم والسماح لهم بالدخول إليه، يعدّ أحد أهم أسباب انتشار هذه الآفة في المخيم".
واستطرد حسنين، أن "سوء الأوضاع الاجتماعية وانتشار الفقر والبطالة عامل مساهم، في استسهال الشبان الإنجرار وراء المتاجرة بالمخدرات، نظرًا لسهولة الحصول على مبالغ مالية ضخمة من ورائها".
وختم حسنين، "كل شاب يقع ضحية هذا العمل الآثم، تخسره القضية الفلسطينية بشكل أساسي".
الحراك في المخيم شعبي فقط ويثمر إيجابًا!
مصدر آخر، فضّل أيضاً عدم الكشف عن اسمه، نظرًا لحساسية موقعه، تحدث عن الحراك في المخيم، وقال إن "كل ما يتعلق بالتحرك ضد آفة المخدرات، يقف خلفه سكان المخيم الذين ينطلقون عبر مبادرات فردية".
وأضاف المصدر، وهو ناشط في مجال مكافحة ظاهرة المخدرات في مخيم شاتيلا، "نقوم بكل ما نستطيع به، ونتواصل مع التجار والمروجين والمتعاطين للمخدرات، ومع عائلاتهم شخصيًا، نطلب منهم أن يكفوا عن هذه الأعمال خدمة لهم ولأبنائهم".
وأوضح المصدر خلال حديثه مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، "نلحظ هذه الأيام حالة من القبول لدى قلة من التجار لفكرة التوقف عن ترويج المخدرات".
مؤكدًا أن "بعض التجار قالوا لنا وبالحرف الواحد: قرفنا.. نريد التوقف والعيش حياة طبيعية، ساعدونا في حل ملفاتنا عند الجهات الأمنية اللبنانية".
وأردف المصدر، "هناك حلان لهذه الآفة في المخيم، إما عبر استعمال القوة، أو باستعمال القوة الناعمة، وهو ما يقوم به الحراك في المخيم عبر جذب المتعاطين ونقلهم إلى مصحات للعلاج أو عبر التواصل مع المروجين لحثهم على التوقف عن أعمالهم".
وتابع المصدر، "صوتنا وصل لأعلى الجهات في الدولة اللبنانية ولدى السفارة الفلسطينية، خاصة مع مطالبة الدولة اللبنانية والحديث الفلسطيني عن إنشاء قوة أمنية في مخيم شاتيلا، عسى أن تكون قريبة".
فإلى ذلك الحين.. من يحمي المخيم واللاجئين الفلسطينيين فيه من هذا الخطر الجاثم على قلوبهم.