اسطنبول – خاص
تعيش مئات العائلات الفلسطينية المهجّرة من سوريا، وقصدت تركيّا بين تشرين الأوّل/ أكتوبر 2017 و شباط/ فبراير 2018 وما بعده، حياةً أشبه بالإقامة الجبريّة، وفق تعبير إحدى اللاجئات، وذلك لحرمانهم من الحصول على بطاقة الحماية المؤقتّة " الكملك" التي تُمنح للاجئين، وذلك بموجب قرار بدأت بتطبيقه أكثر من سبع ولايات تركيّة، يقضي برفض استقبال المزيد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا.
فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" في اسطنبول، ألقى الضوء عبر شهادات مصوّرة على معاناة بعض الأسر، التي وصفت اللاجئة من مخيّم اليرموك أم محمد السعدي، حالها بأنها ترزح تحت "الإقامة الجبريّة"، وذلك بموجب ورقة منحتهم إياها السلطات التركيّة لا تتيح لهم حريّة التنقّل بين الولايات، ولا يستطيعون بموجبها الدخول إلى المستشفيات الحكومية، ولا تسجيل أبنائهم في المدارس.
ورقة محددة الصلاحيّة بمدة 15 يوماً، يجبر اللاجئون على تجديدها عند انتهائها، ما يرتب عليهم معاناة إضافيّة، كتسبب ذلك بفقدان ابن اللاجئة أم محمد لعمله، بسبب تغيّبه المتكرر عن العمل لزوم تجديد الورقة، وفق ما قالت، و لكن هذا ليس كل شيء.
يتم إعطاء اللاجئين الفلسطينيين هذه الورقة، بعد أن يلقى القبض عليهم عند الحدود وهم يحاولون الدخول إلى تركيا بطريقة "غير شرعية"، فيجبرون على الإقامة في إحدى الولايات التركية، بانتظار صدور قرار محكمة بحقهم، إما البقاء مع منحهم ورقة الحماية المؤقتة (الكملك) أو الترحيل إلى الشمال السوري حيث الجحيم الذي هربوا منه، أما من لم يلق القبض عليهم على الحدود فإعدادهم بالمئات من فلسطينيي سوريا، ويعيشون رعباً دائماً، وحالة مستمرة من الاختباء، خوفاً من أن يتم القبض عليهم ضمن حملة السلطات التركية الأخيرة الهادفة إلى الحد من الوجود الأجنبي غير الشرعي، وتكون النتيجة الترحيل للشمال السوري، حيث تتلقاهم هناك جماعات معارضة سورية وتزجهم في سجونها لفترة حسب ما حصل مع عشرات من فلسطينيي سوريا.
تهجير قسري من مخيمات سوريا يكلفهم حياة لا مقومات فيها
حالات تستوجب النظر إليها بعين الاستثناء، إلّا أنّ أعين السلطات التركيّة تتغافل عنها، فاللاجئ السبعيني المهجّر من مخيّم اليرموك أبو سعيد السعدي، استطاع النجاة من الحرب في سوريا وتداعياتها برفقة زوجته وزوجة ابنه وأحفاده، لكنه لم يتمكّن من علاج حفيده البالغ من العمر 7 سنوات الذي أصيب بحادث دهس في اسطنبول.
يقول السعدي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ المستشفيات التركية رفضت استقبال حفيده الذي أصيب بارتجاج في الدماغ إثر الحادث، وذلك لعدم امتلاكهم أوراق ثبوتية وبطاقة "كملك" بينما لا تتيح أوضاعهم الماديّة المعدمة إمكانية العلاج بالمستشفيات الخاصّة باهظة التكاليف.
ويعاني اللاجئ المسن من أمراض مزمنة في قلبه وكليتيه ورئتيه، ويمكث منذ وصوله إلى تركيا قبل 6 أشهر بلا علاج، ويشير إلى أنّه وزوجته بلا عمل ولا معيل، بينما لم تنظر في أحوالهم أيّة جهة فلسطينية ودولية.
دور شبه مغيب لسفارة السلطة
يعبّر اللاجئ أبو سعيد السعدي، عن مخاوفه من مغبّة ترحيله من قبل السلطات التركيّة إلى سوريا، فلم يعد لديه شيء هناك بعد أن دمّرت الحرب منزله في مخيّم اليرموك حسبما قال، ويمكث الآن في إسطنبول وسط تهميش قاسٍ من قبل سفارة السلطة الفلسطينية وكافة المعنيين من مؤسسات إغاثيّة ودوليّة، الّا أنّ تجاهل الأقربين هو الأمرّ، يقول السعدي، الذي تجاهل سفير السلطة الفلسطينية في تركيّا حاله وحال الكثيرين سواه وفق ما أكّد.
يقول السعدي :" قابلنا السفير الفلسطيني وأخبرناه بأننا لدينا أطفال تريد الدخول إلى المدارس، وتلقي العلاج في المستشفيات الّا أنّه لم يجبنا حتّى هذه اللحظة"، أمّا المنظمات الإغاثية العاملة في تركيا سواء الفلسطينية منها أو الدوليّة، فتتشارك مع السفارة في تجاهل هذه الشريحة من اللاجئين، التي لا تمتلك أدنى مقوّمات معيشيّة وتفتقد لكافة حقوقها الإنسانيّة.
جميل عمارة وهو لاجئ آخر من مخيّم اليرموك، مضى على مكوثه في هذا "الجحيم" حسب وصفه، سنة و8 أشهر، لم يتمكّن خلالها من نيل مبتغاه في تلقي العلاج من إصابة استقرّت في بطنه بسوريا، ويعاني بسببها من العديد من المضاعفات.
يقول جميل: "قصدت تركيا بعد أن هجّرنا قسراً من مخيّم اليرموك إلى الشمال السوري، من أجل أن أتعالج في المستشفيات التركية من إصابة في بطني سببت لي مشاكل في المعدة والحوض والكلى".
مضاعفات صحيّة ألّمت بحالة اللاجئ عمارة في الشمال السوري، حيث لا عناية صحيّة في خيام التهجير، ولم يكن يعلم أنّ الحال في تركيا، سيتفاقم بفعل القانون الذي سجنه والمئات من امثاله في ورقة تجرّدهم من كافة حقوقهم في الاستشفاء والتنقل والعمل والتعليم لأطفالهم.
ينتظر جميل عمارة، أن تبتّ المحكمة بوضعه القانوني في البلاد، بعد أن جرى منحه تلك الورقة التي يجددها كل 15 يوماً، ويقول عنها بأنّها زادت حياة اللاجئين المهجّرين قسوة وجحيماً، فهي تحرمهم، وفق ما يؤكّد، حتّى من استئجار منزل بأسمائهم أو الحصول على خدمات الغاز والكهرباء والماء وسواها، فضلاً عن الاستشفاء والتعليم.
وكسواه ممن يتشاركون حالته، يناشد عمارة عبر "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"سفير السلطة الفلسطينية في أنقرة ، وكل مسؤول له علاقة بالسلطات التركية او يتواصل معها للتدخل العاجل والنظر بوضع العائلات الفلسطينية المهجّرة من سوريا، متمنيّاً على السفير الفلسطيني أن يستمع لهذه الصرخات التي يطلقها دائماً اللاجئون المهجّرون.
تحركات رسمية لم تثمر
يذكر أن سفير السلطة الفلسطينية في أنقرة فايد مصطفى اجتمع مع والي اسطنبول والسلطات التركية في آب/ أغسطس الماضي، وقال في حديث مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن السفارة طرحت مشكلة وجود اللاجئين الفلسطينيين في تركيا على المسؤولين في اللقاء، وبيّنت أسباب خروجهم من سوريا وقدومهم إلى تركيا، وأعدادهم التقريبية، والظروف العامة التي يعيشونها وخصوصية حالة اللجوء الفلسطيني، حيث تحاول السفارة قدر الامكان مخاطبتهم، من أجل استثناء اللاجئين الفلسطينيين من إجراءات السلطات التركية والتي تهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية في إسطنبول، وترحيل المخالفين من اللاجئين إلى بلدانهم، خصوصاً، أن أعداد فلسطينيي سوريا ليست بالأعداد الكبيرة مقارنةً مع أعداد اللاجئين من جنسيات أخرى، حيث يسهل اتخاذ إجراءات خاصة بهم للمعالجة.
وأوضح مصطفى، أن حديثاً دار مع المسؤولين الأتراك حول مراعاة خصوصية وضع اللاجئين الذين لا يمتلكون بطاقة الحماية المؤقتة "كمليك"، والذين يمتلكون هذه البطاقات ولكنها صادرة عن ولايات أخرى غير إسطنبول، وتجنيبهم الضرر من هذه الإجراءات.
ولكن بعد مرور أشهر على ذلك اللقاء، لم توضح السفارة رد الجانب التركي على طلب السفير، ما استدعى لاجئين فلسطينيين في تركيا إلى توجيه رسالة للسفير مفادها: "بسبب غيابكم عن الساحة وعدم تصريحكم بخصوص نتائج الاجتماع، عدنا إلى دائرة الإحباط وانقطاع الامل والقلق المستمر، بعد أن كنا وجدنا بصيص أمل من خلال لقائكم الأخير، نظراً لاستمرار الحملة الأمنية وعدم استثناء الفلسطينيين منها، بل وتوقيفهم واختفاء بعضهم"
وتبلغ أعداد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا حوالي 2400 عائلة فلسطينية مسجلة، وموزعة على كل الأراضي التركية في الوسط والجنوب، وأن عدد العائلات الموجودة في مدينة إسطنبول مايقارب حوالي 1200 عائلة فلسطينية، 500 عائلة تمتلك وثائق الحماية المؤقتة صادرة عن مدينة إسطنبول و400 عائلة منهم لا تمتلك أوراق الحماية المؤقتة "الكملك"، وأعداد العائلات التي تمتلك هذه الوثائق لكن من ولايات أخرى تجاوز الـ 300 عائلة.
كما يذكر أن 1200 عائلة فلسطينية سورية في تركيا متوزعة ضمن المحافظات الجنوبية، حوالي 390 عائلة منها لا تمتلك وثائق الحماية المؤقتة.
وفي أوائل شباط/ فبراير 2018، قالت وزارة الداخلية التركية إن محافظة إسطنبول لم تعد تسجل السوريين - ومنهم فلسطينيون سوريون - حيث إن السلطات التركية منذ 2015 تعامل اللاجئين الفلسطينيين الفارين من جحيم الحرب في سوريا كالسوريين، دون مراعاة لخصوصية قضيتهم، لا سيما بعد استهداف مخيماتهم، وعدم وجود تمثيل رسمي حقيقي لهم.
تعليق استقبال اللاجئين السوريين شمل من بحكمهم من الفلسطينيين
وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قال مكتب محافظ هاتاي إنه من أجل ثني المهربين عن مساعدة السوريين على دخول تركيا عبر هاتاي، لم تعد المحافظة تسجل السوريين الوافدين حديثاً - ومنهم فلسطينيون سوريون- للحصول على تصاريح الحماية المؤقتة،
كما علّقت 8 محافظات أخرى على الحدود السورية أو بالقرب منها تسجيل وصول السوريين الجدد- ومنهم فلسطينيون- منذ أواخر 2017 أو أوائل 2018، وفقاً لثلاث وكالات تعمل عن كثب مع اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى مسؤول في المفوضية الأوروبية ومسؤول حكومي تركي كان يعمل سابقاً في قضايا الهجرة. المقاطعات هي أضنة، غازي عنتاب، كهرمان مرعش، كيليس، ماردين، مرسين، عثمانية، وشانلي أورفا، وذلك بحسب بيان سابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
هذه الإجراءات، خلفت وجود مئات اللاجئين الفلسطينيين السوريين الذين لا يملكون وثيقة الحماية المؤقتة أو إقامة اللجوء " الكمليك" ، الأمر الذي يجعلهم مهددين بالترحيل إلى الشمال السوري المكان الذين هربوا منه بسبب القصف والدمار وصعوبة العيش، في ظل غياب استقبالهم كلاجئين في أي دولة اخرى.
شاهد الفيديو