ميرنا حامد – صور
مع تزايد عملية قضم الأراضي الزراعية في لبنان نتيجة الزحف العمراني وتمدد الأبنية السكنية، يحافظ مخيم الرشيدية في مدينة صور جنوب لبنان على طابعه الزراعي حتى يومنا هذا.
فعند أطراف المخيم الجنوبية يُسبِّحُ كل من يمر هناك الخالق سبحانه وتعالى لمشاهد الطبيعة الخضراء التي تغطي مئات الدونمات الزراعية التي تسمى بـ أراضي الجفتلك"، وهي أراضي عمرها من عمر نكبة أجدادنا في فلسطين عام 1948، وبداية لجوئهم إلى دول الشتات بما فيها لبنان.
مصدر رزق أساسي
وفي وقت يزداد به تأثير القوانين المجحفة التي أصدرتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأخرها إجراءات وزارة المتعلقة بـ "مكافحة العمالة الأجنبية" ومحاولة تطبيقها على اللاجئين، يتمسك أهالي مخيم الرشيدية بزارعة أراضي "الجفتلك" كونها لا تجبرهم على إصدار "إجازة عمل" لمزاولة مهنة الزراعة، كما تشكل مورد رزق أساسي غني بالخيرات يعتاش منه نحو ألفي فرد يتوزعون على مئتي عائلة من سكان المخيم.
ويتمسك العامل الفلسطيني بهذه الأراضي لأنها تعد إرثاً توارثته الأجيال المتعاقبة عن أجدادها، وكونها تذكرهم برائحة تراب فلسطين البعيدة عنهم بضعة كيلومترات. فيستمرون في زراعة هذه الأراضي على مدار السنة بحسب الفصول، فكل فصل له خضار وفاكهة خاصة به.
فعلى سبيل المثال، تُزرع الفاصوليا والخيار في الربيع، ويُزرع في الشتاء البقدونس والسبانخ والملفوف والقرنبيط، أما في الصيف فتزرع الباميا والفاصوليا العريضة، وغيرها، ما يجعل هذه الأراضي مورداً أساسياً لتنشيط الحركة التجارية في "حسبة" مدينة صور ، وبالتالي إذا توقف مخيم الرشيدية عن الزراعة فذلك ينعكس سلباً على حركة البيع والشراء في المدينة.
تراث فلسطيني
"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قصدت أراضي "الجفتلك" في مخيم الرشيدية، وحاورت مسؤول لجنة المزارعين في مخيم الرشيدية ياسر الحاج موسى، فقال إن "العامل الفلسطيني ممنوع من مزاولة أكثر من 70 مهنة في لبنان كالطب والهندسة والمحاماة وغيرها، ومسموح له فقط مزاولة مهن بسيطة جداً، هنا وجدنا أن العمل في الزراعة يجعلنا نعمل بكرامتنا ونأخذ رزقنا بالحلال، وبخاصة أنها من تراثنا الفلسطيني".
وحول رمزية هذه الأراضي بالنسبة لسكان المخيم، أوضح أن "عمر أراضي مخيم الرشيدية من عمر النكبة أي نحو اثنين وسبعين عاماً، فمع بدايات اللجوء جاء أجدادنا إلى لبنان وسكنوا في مخيم الرشيدية، وحولوا هذه المنطقة من منطقة أحراش كانت شبه صحراوية إلى أراضي زراعية وبساتين لتصبح الآن جنة الله على الأرض".
وتابع: "المواسم تتفاوت بين الحين والآخر، فأحياناً يكون الموسم ممتاز وتكون الخيرات كثيرة، وأحياناً تأتي ضربات طبيعية بفعل الطقس، بالإضافة للصعوبات التي نواجهها في تصريف منتجاتنا في ظل عملية الاستيراد من الخارج التي تنعكس سلباً على أسعار منتجاتنا".
وقد عاش أهالي مخيم الرشيدية حالة من القلق والترقب في الأشهر الأخيرة، نتيجة لقاء جمع قيادة الجيش اللبناني في المنطقة بمسؤولين من منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني، أُخبر خلاله الفريق الفلسطيني بإمكانية بناء جدار يحيط بالمخيم من الجوانب كلّها شبيه بذلك الجدار الذي يبنى ليطوق مخيم عين الحلوة، الأمر الذي من شأنه زرع أسلاك شائكة بين المزارعين وأراضيهم.
بناء الجدار لم ينفذ
وفي هذا الإطار، قال أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم الرشيدية بالوكالة أحمد أبو الذهب لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "كنا متخوفين جداً من هذا الجدار ولكن الحمدلله توقفت عملية بناءه حالياً بفعل اللقاءات التي قمنا بها، ونتيجة حساسية القرار وتداعياته السيئة على المخيم وأهله. فالعامل الذي يبعد منزله عن أرضه بضعة أمتار قليلة سيضطر للخروج خارج المخيم ليقصد أرضه. هذه الأراضي بالكاد تكفي المزارع ليعيش دون استدانة من أحد، وبناء الجدار سيزيد من المصاريف عليه".
وأضاف: "أهالي مخيم الرشيدية يتمتعون بميزة تختلف عن المخيمات الأخرى في لبنان، فنحن نعتبر في ريف المدينة ما أعطى الفرصة لنحو ألفي شخص يتوزعون على مئتي عائلة بالاستفادة من الأراضي الزراعية الواقعة على أطراف المخيم واعتبارها مصدر رزق لهم، الأمر الذي يخفف من انعكاس الأزمة الاقتصادية على المخيم، لذا فإن بناء الجدار سيشكل كارثة على أهالي المخيم في ظل الوضع الصعب الذي يعيشونه".
شاهد الفيديو