تُواصل إدارة موقع "فيس بوك" هجمتها على المُحتوى الفلسطيني، بإغلاق صفحات وحسابات شخصيّة بالإضافة إلى حذف أو حظر محتوى دون أدنى مُراجعة للمحتوى المُستهدف، سوى أنه يتعلّق بالفلسطينيين وانتهاكات الاحتلال بحقّهم.
والأمر لا يقتصر على مُحاسبة هذه الشركة على مُحتوى الحسابات فقط، ولكن أيضاً تخترق خصوصية عملاءها لصالح التجارة تارة وللحكومات تارةً أخرى، بما يخدم الأنظمة القمعيّة من جهة وجهات كالاحتلال من ناحيةٍ أخرى، إذ لا يخفى على أحد اللقاءات التي جمعت بين مالك شركة "فيس بوك" مارك زوكربيرغ وعدة قيادات لدى الاحتلال منهم رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق، حذّرت منظمة العفو الدوليّة "امنيستي" في تقريرٍ جديدٍ لها من أنّ المُراقبة التي تقوم بها شركتا "فيس بوك" و"جوجل" في كل مكان لمليارات الأشخاص، إنما تُشكّل تهديداً مُمنهجاً لحقوق الإنسان، بينما طالبت بحدوث تغيير جذري في صلب نموذج أعمال عمالقة التكنولوجيا.
وتُشير تقارير إلى أنّ نموذج العمل المُستند إلى المُراقبة من قِبل "فيس بوك" و"غوغل" يتعارض بطبيعته مع الحق في الخصوصيّة، ويُشكّل تهديداً مُمنهجاً لمجموعة من الحقوق الأخرى، بما في ذلك حريّة الرأي والتعبير وحرية التفكير والحق في المُساواة وعدم التمييز.
بدوره، قال كومي نايدو الأمين العام لمنظمة العفو: "تُسيطر جوجل وفيس بوك على حياتنا الحديثة، فهي تحشد نفوذاً لا مثيل له على العالم الرقمي من خلال جمع البيانات الشخصيّة لمليارات الأشخاص وتحقيق المكاسب منها، إنّ سيطرتهما المُشينة على حياتنا الرقميّة تُقوّض جوهر الخصوصيّة، وهي واحدة من التحديات المُحددة لحقوق الإنسان في عصرنا."
ويرى نايدو أنه "من أجل حماية قيمنا الإنسانيّة الأساسيّة في العصر الرقمي، الكرامة والاستقلاليّة والخصوصيّة، يجب أن يكون هناك إصلاح جذري للطريقة التي تعمل بها شركات التكنولوجيا الكُبرى، والانتقال إلى شبكة إنترنت تُكمِن حقوق الإنسان في جوهرها."
وحسب التقرير، إنّ "جوجل" و"فيس بوك" قد رسّخت السيطرة على القنوات الأساسيّة التي يعتمد عليها معظم العالم، خارج الصين، لمُمارسة حقوقهم عبر الإنترنت، تُسهّل مُختلف المنصات لدى تلك الشركات، من بينها "فيس بوك، انستغرام، بحث جوجل، يوتيوب، واتساب"، الطُرف التي يبحث بها الأشخاص عن المعلومات وتداولها، والمُشاركة في النقاش، والانخراط في المجتمع، وتدعم "جوجل أندرويد" أيضاً مُعظم الهواتف الذكيّة في العالم.
وبالفعل إنّ المنصات المذكورة والتي تُعتبر بعضها مملوكة للأشخاص أو الجهات عينها، مثل "فيس بوك" و"انستجرام" و"واتساب"، التي تعود لنفس المالك، لطالما شنّت هجمات وحملات على الحسابات والمُحتوى الفلسطيني أو ما يدعم الرواية الفلسطينيّة إن كان نصيّاً أو مرئيّاً أو خلافه.
ويُشير تقرير المنظمة الدوليّة هُنا إلى اعتماد منصات "جوجل" و"فيس بوك"، على خوارزميات تقوم بمُعالجة كميّات هائلة من البيانات لاستنتاج خصائص مُفصّلة بشكلٍ مُذهل عن الأشخاص، وصياغة تجربتهم عبر الإنترنت، ثم يدفع المُعلنون المال لـ "فيس بوك" و"جوجل" لتمكينهم من استهداف أشخاص بالإعلانات أو برسائل مُحددة.
وبفعل هذه الخوارزميّات باتت غالبيّة المُحتوى الفلسطيني مُستهدفة، فمن يُراقب أو يستخدم المنصات المذكورة قليلاً، سيُلاحظ بشكلٍ جلي أنّ غالبيّة المُصطلحات التي تقتنصها هذه الخورازميّات ما هي إلا أسماء مصطلحات مُستخدمة بشكلٍ يومي وتُعرّف تفاصيل القضيّة الفلسطينيّة والصراع مع الاحتلال، كأسماء الفصائل والشهداء وما يتعلّق بفضح جرائم الاحتلال.
وهُنا يُشير كومي نايدو إلى الاستغلال الذي تُمارسه هذه المنصات لأغراضٍ سياسيّة وغيرها قائلاً: "لقد رأينا بالفعل أنّ البُنية الواسعة لجوجل وفيس بوك للدعاية هي سلاح قوي في الأيدي غير المُناسبة، ولا يُمكن إساءة استخدام هذا السلاح لأغراضٍ سياسيّة فحسب، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على المُجتمع، ولكنه يسمح لجميع أنواع الأساليب الإعلانيّة الاستغلاليّة الجديدة مثل استغلال الأشخاص المُستضعفين الذين يُعانون من المرض أو الصحة العقليّة أو الإدمان، ونظراً لأنّ هذه الإعلانات مُخصصة لنا كأفراد فإنها محجوبة عن التدقيق العلني."
واختتم كومي نايدو قوله "يجب عدم السماح لفيس بوك وجوجل أن يفرضا علينا طريقة تواصلنا على الإنترنت، لقد اختارت هذه الشركات نموذجاً مُحدداً لأعمال المُراقبة يؤثّر على الخصوصيّة وحريّة التعبير وحقوق الإنسان الأخرى، إنّ التكنولوجيا الموجودة خلف الإنترنت لا تتعارض مع حقوقنا، إنما هي نموذج الأعمال الذي تم اختياره من قِبل فيس بوك وجوجل."
ويأتي بيان "العفو الدولية" في وقت تتزايد الانتهاكات المرتكبة بحق المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان مركز "صدى سوشال"، أكد في مطلع الشهر الحالي، أن شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي شهد ارتفاعاً في تلك الانتهاكات دون اعتبار لأي خصوصية فيما يخص الحسابات والصفحات المنتَهَكَة.
وأشار المركز في تقرير إلى أن إدارة موقع "فيسبوك" هي الأكثر ارتكاباً لتلك الانتهاكات، إذ جرى رصد 145 انتهاكاً متنوعاً ومئات حالات الحظر من خاصية البث المباشر للصفحات والنشطاء والإعلاميين الفلسطينيين.
كما حذف الموقع عدداً من الصفحات والحسابات الشخصية.
وبحسب المركز، فقد سجلت 4 انتهاكات أخرى من مواقع "يوتيوب"، "تويتر" و"واتس آب".
وشكل جيش الاحتلال "وحدة خاصة" تسمى "سايبر" (أو الوحدة 8200) ترصد الأنشطة والآراء كافة وعمليات التضامن والتعبير عن الرأي والمواقف الصادرة عن الفلسطينيين، وتشنّ حملات اعتقال واسعة بناء عليها.
وقامت إدارة "فيسبوك" في الفترة الأخيرة بتطوير خوارزمية تمكنها من حذف منشورات المستخدمين إن ذكرت أسماء أحزاب أو شخصيات فلسطينية، معلنة في الوقت ذاته عن تفكيرها باستخدام خوارزميات أخرى تعمل بالذكاء الاصطناعي في تطبيق "واتساب"، لفحص محتوى الرسائل وضبطها، وبالتالي فرض سياسة الكلام المقبولة ضمن سياستها الخاصة.