فلسطين المحتلة
بدأت أمطار فصل الشتاء تجتاح شوارع وأزقّة وأسطح ومداخل منازل قطاع غزة، في تكرارٍ دائم للمُواجهة السنويّة للأهالي مع المياه التي تُغرق منازلهم، خاصة سُكان المُخيّمات التي تعيش بمعظمها على البناء القديم، وحتى الجديد منها يطاله الغرق لأسبابٍ أخرى.
في مُخيّم جباليا للاجئين شمالي القطاع لا تزال مياه الأمطار تتجمّع وسط المُخيّم، تحديداً في مُحيط محطة تمراز للبترول، المُكتظة بحركة سُكان المُخيّم الذي يُعتبر أكبر المُخيّمات الثمانية في القطاع ويُعاني من كثافة سكانية مُرتفعة جداً، بفعل الاكتظاظ السكاني وضيق المساحة، حيث تُبنى المساكن بالقُرب من بعضها.
وحتى يومنا هذا لم تُحل أزمة تجمّع مياه الأمطار في المُخيّم بشكلٍ جذري، رغم مُحاولات البلدية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتزيد هذه المُعاناة في المُخيّم جراء تدفّق المياه من مناهل الصرف الصحي في أكثر من منطقة خلال انهمار الأمطار، فتختلط الأمطار بها كحال عدة مناطق في مُخيّمات القطاع، ما يُهدد صحة السُكان.
وتسعى البلديّات وطواقم الدفاع المدني والطوارئ كل شتاء لمُحاولة السيطرة على الأوضاع وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، إلا أنّ الأمور تخرج عن السيطرة بسبب البُنية التحتيّة القديمة في القطاع، ومع استهداف جيش الاحتلال للقطاع من وقتٍ لآخر بالإضافة للعدوان الذي طال القطاع بأكمله عدة مرات خلال السنوات الماضية، تحوّلت إلى بُنية تحتيّة مُهترئة لا تقوى على تحمّل أعباء الشتاء.
وترى بلديّة جباليا أنّ الحل بسيط ويتمثّل بقيام الأهالي بإبلاغ البلديّة وطواقمها بأي إشكاليّة من خلال الأرقام المنشورة على ظهر الفاتورة، مُشيرةً إلى أنها قد خصصت فريق عمل على مدار الساعة يتواجد في منطقة "بركة أبو راشد" وسط المُخيّم للاستجابة لأي نداء.
وتشهد المُخيّمات الأخرى في قطاع غزة أزمات ومُعاناة أخرى بفعل غرقها بمياه الأمطار، فمُخيّم الشاطئ الذي يقع غربي مدينة غزة قبالة شواطئ المتوسط يتعرّض كُل شتاء لكارثة حقيقيّة بفعل ارتفاع منسوب المياه داخل المُخيّم وعدم قُدرة فتحات التصريف على استيعاب كميات المياه الكبيرة التي تتجمّع، فيما ترتص المنازل بشكلٍ مُتلاصق، بالإضافة إلى انتشار العديد من المنازل ذات الأسقف من الزينكو أو الاسبست، ما يزيد من مُعاناة هذه العائلات في المُخيّم خلال فصل الشتاء.
وفي مُخيّم النصيرات الواقع وسط القطاع قبالة شاطئ المُحافظة الوسطى غرباً، تسبّبت مياه الأمطار على مدار السنوات الماضية بغرق الشوارع وفي بعض الأحيان غرق منازل لأهالي المُخيّم، فيما يُعاني الأهالي أيضاً من اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى أضرار جراء إغلاق الشوارع، ويُشير شهود عيان إلى "بوابة اللاجئين" إلى أنّ بعض المنازل في المُخيّم يُعاني أصحابها بعد العدوان عدة مرات على قطاع غزة من تشقّقات في الأسطح ما يجعلها عُرضةً للغرق من مزاريب المياه التي تتدفّق من الأسقف طيلة الشتاء، بالإضافة إلى كارثة ضرب هذه المياه لكهرباء المنازل والحوادث الناتجة عن تسرّب المياه إلى مسار خطوط الكهرباء في الجُدران.
كما تُعاني الشوارع في المُخيّم من تشققات وبُنية تحتية سيئة، بالإضافة إلى تدفّق المياه في مجرى وادي غزة القريب من المُخيّم حين يقوم الاحتلال بفتح مياه الأمطار من جانبه باتجاه الوادي ما يؤدي إلى غرق المنطقة والجسر الذي يُعتبر الطريق الرئيسي الواصل بين المُخيّم والطريق إلى مدينة غزة، فتنقطع الطُرق جراء ذلك.
أما مُخيّم دير البلح في المُحافظة الوسطى، فباستطاعة المار قبالته عن طريق البحر أن يُلاحظ مدى قُربه من الشاطئ الذي يقع غرب المُخيّم، حيث ينخفض ارتفاع المُخيّم عن الشاطئ بشكلٍ واضح، ما يُعرّض المُخيّم والعديد من المنازل في فصل الشتاء للغرق نظراً لشدة سُرعة الرياح وارتفاع أمواج البحر، ما يؤدي إلى وصولها إلى الطريق العام ودخولها للمنازل المُحاذية للشاطئ.
ويقول بعض السُكان إنه في بعض الأحيان تكون الحفريّات التي تقوم بها البلديّة بشكلٍ مُستمر مُسبب لانخفاض المنطقة، ما يُساعد على وصول مياه البحر للمنازل، بالإضافة إلى قيام البعض بإلقاء القمامة في مصارف المياه الرئيسية ما يؤدي إلى إغلاقها، والأهالي لا يتمكنون من تنظيفها بالسرعة المطلوبة، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة.
من الجدير بالذكر أنّ مُخيّمات اللاجئين الساحليّة في قطاع غزة تشهد العديد من الأزمات بفعل المُنخفضات الجويّة المصحوبة بالعواصف والرياح والأمطار الغزيرة، خاصة مع اهتراء البُنية التحتية وضعف هذه المنازل وأسقفها، ما يجعلها في حالة خطر دائم خلال فصل الشتاء.
وكانت رفح جنوب قطاع غزة قد شهدت الشتاء الماضي غرق مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" خلال فترة الاختبارات النصفيّة، وهو ما يطال العديد من المناطق التي يتوزع فيها آلاف اللاجئين الفلسطينيين في رفح حتى خارج مُخيّمهم الذي يقع قبالة الحدود الفلسطينيّة المصريّة.
ومع فصل الشتاء تطال الأزمة أيضاً المدارس وطلبتها، حيث تتقطّع الطُرقات والشوارع المؤدية لها في مُعظم المُخيّمات حيث تغرق الشوارع أمام هذه المدارس، عدا عن غرق مُعظم شوارع المُخيّمات، ما يُشكّل صعوبة على الطلبة في الوصول إلى مدارسهم، التي تُعاني هي أيضاً من تسرّب للمياه في الفصول وغرق ساحاتها خلال انهمار الأمطار.
وفي ظل تناقل المسؤوليّة بين البلديّات والوكالة الأمميّة لغوث اللاجئين الفلسطينيين، تبدو الأزمات في قطاع غزة بشكلٍ عام ومُخيّمات اللاجئين بشكلٍ خاص أوسع من قُدرة جهة وحدها على تحمّل مسؤوليّتها وحلّها بشكلٍ جذري، فبمعظمها أزمات تراكمت عبر السنين وتفاقمت مع الحصار المفروض على القطاع والذي قلّل وأضعف الإمكانيّات إلى الحد الأدنى والعدوان الذي يشنّه الاحتلال بشكلٍ مُتكرر ما أدى إلى تحويل القطاع والمُخيّمات لهياكل منازل وطُرقات وحياة.