أحمد حسين – مخيم النصيرات
نشرت بلدية مُخيّم النصيرات وسط قطاع غزة، قبل أيام، جملة من التنبيهات والقرارات التي ستشرع في تنفيذها خلال الفترة المُقبلة، عقب الحريق الضخم الذي اندلع الخميس الماضي وأدى لقضاء 15 فلسطينياً وإصابة العشرات حتى اللحظة.
من ضمن هذه القرارات، قالت البلدية: إنّها ستقوم بنقل كافة البسطات المنتشرة في الشوارع الرئيسيّة إلى منطقة أرض المصدَّر التي يُقام بها "سوق الاثنين" بشكلٍ أسبوعي، ما قوبل برفض أصحاب هذه البسطات.
البائع محمود دغيش صاحب بسطة ملابس، أكَّد أنّ "هذا القرار مرفوض جملةً وتفصيلاً"، مُشيرًا أنّ "كافة أصحاب البسطات من أصدقائي غير موافقين على هذا القرار. المكان بعيد جدًا علينا".
وأوضح ادغيش خلال حديثه مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ "الشارع اللي احنا بنبسّط فيه هو شارع حيوي جدًا، خصوصًا عيادة وكالة الأونروا الموجودة في المكان هي مصدر رزقنا لكثرة المتوافدين إليها"، مُنبهًا أنّ "الحركة في هذا الشارع تكون ليل نهار، وإذا أرادوا نقلنا إلى ما يُسمى أرض المصدر فقد حكموا علينا بالتشرد".
وبيّن دغيش أيضًا لموقعنا أنّ "كل المساعدات التي سمعنا عنها في الإعلام التي تقدّر بالملايين، قدمت لتعويض أضرار الحريق، لم نر منها شيئًا حتى الآن"، يتابع: "بسطتي تدمَّرت بالكامل، ويوم الحريق أخد أخي الملابس عن البسطة وهمَّ بالمساعدة في إطفاء الحريق الهائل، وأصيب في قدمه بعد انفجار إحدى السيارات الموجودة في المكان".
أين المساعدات؟
وأردف محمود أيضًا "الآن قاعدين بيذلونا: هاتوا فواتير، هاتوا صور للبسطات قبل الحريق، وكيف صارت بعد الحريق، وحطو الصور والفواتير على إسطوانات..."، يختم حديثه متهكماً: "أصحيح عوضونا بربطة خبز!".
مهند الراعي صاحب بسطة ملابس أطفال.. بائعٌ آخر قابله بوابة اللاجئين الفلسطينيين في سوق مُخيّم النصيرات، وصف أرض المصدّر بالمنطقة "الميتة، وإحنا رافضين هذا الأمر، هناك فش حركة بيع بتاتًا".
وأشار إلى أنّ "تلك المنطقة بعيدة عن عيادة الوكالة وحركة الناس، هناك صحراء بمعنى الكلمة، ايش بدهم ايانا نروح نعمل غاد.. نتشمَّس مثلاً؟"، موضحًا أنّه في حال "قامت البلدية بإنشاء سوق مركزي ومعرشات حديد وشيء مرتب، ممكن نوافق".
وبيّن الراعي أيضًا "طيِّب، بعنا يوم الاثنين في السوق، وباقي الأيام شو نعمل؟، غير هيك، سوق الاثنين إلو ناسه، كل واحد حاجز مكانه من بدري بيكون، إحنا ايش نروح نعمل"، مُشيرًا أنّ "بسطته حُرقت بالكامل جراء الحريق الكبير قبل أسبوع"، نافيًا أنّ يكون "قد استلم أيٍ من التعويضات التي سمع عنها في الإعلام: بهدلونا وطلبوا وراق كتير، صرنا نشحد من وراهم، والبلدية بتحكيلنا اصبروا لمّا ييجي دعم".
قطع رزق؟
أمَّا البائع أبو أحمد الصعيدي، فقد أوضح لموقعنا أنّ "قرار البلدية بنقل البسطات قرارٌ جائر، ومن المستحيل أن يذهب أصحاب البسطات إلى هناك"، مُشيرًا أنّها "منطقة بعيدة، ومقطوعة من الناس، حنتبهدل وينقطع رزقنا، الحركة كلها عند عيادة الوكالة وفي السوق بالشارع الرئيسي، أنا ايش أروح أعمل عند المصدر؟".
وأضاف الصعيدي: "بسطتي انحرقت بالكامل، وبالعافية قدرت أخلص حالي من النار"، وبشأن المساعدات أوضح: "لم نر أي شيء حتى اللحظة، الناس صاروا يتصدقوا علينا يا عالم. إحنا مش حنروح على أرض المصدَّر".
وتابع "إذا أرادت البلدية نقلنا يجب عليها أن تعمل سوق رسمي بمعرشّات جديدة على أول السوق، على غرار سوق الشجاعية واشي محترم يعني".
البلدية: المسألة تنظيمية فقط
في المقابل، قال د.وليد مزهر مسؤول الدائرة القانونيّة في المجلس البلدي للنصيرات، إنّ القرار "هو نقل وتنظيم البسطات وليس إزالتها كما يفهم البعض، المسألة تنظيمية فقط، وسيتم نقلها لمنطقة خلف سوق السمك"، مؤكدًا أنّ "بلدية النصيرات ضد قطع أرزاق أصحاب البسطات، المسألة تنظيمية فقط".
وأكَّد مزهر لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ هذا القرار جاء "لتنظيم البسطات ونقلها من شارع أبو بكر الصديق المزدحم جدًا والممتلئ والذي يُعيق دخول الإسعافات وسيارات إطفاء الحريق، سيتم نقلها من هذا الشارع المكتظ إلى منطقة أخرى"، مُشيرًا أنّ "هذا الأمر تم بالاتفاق مع أصحاب البسطات بدون أي ضرر".
حرف للأنظار عن الخلل
أصحاب عدّة بسطات -رفضوا أن نكشف أسمائهم-، أكّدوا لموقعنا، أنّ قرار البلديّة "هو حكم بالفقر والتشرد على عشرات الأسر في المُخيّم، إذ لا يوجد لهؤلاء أي مصدر رزق غير البسطات، وبالنسبة لسوق الاثنين فهو يوم واحد، فماذا عن بقيّة الأيام؟".
وقالوا خلال مقابلاتٍ منفردة: "هذا هو جزاؤنا؟، يوم الحريق هممنا بغير وعي لإطفاء الحريق وإنقاذ الأطفال والنساء، هذا هو الجزاء لنا. ماذا يريدون منّا، نحن في نهاية يومنا لا نحصّل الـ20 أو 30 شيكل من بيع البسطة، فما بالكم اليوم بعد أن تضررنا من الحريق!".
بوابة اللاجئين الفلسطينيين تواصل مع رئيس تحرير جريدة الاقتصادية محمد أبو جيّاب، إذ قال: إنّ "ما سُمي بقراراتٍ صارمة من بلدية النصيرات بعد حادثة الحريق، أقل ما يمكن أن يقال بحقه بأنها حرفٌ للأنظار عن حجم الخلل وغياب المسؤلية لدى ذوي الأختصاص"، موضحًا أنّ "صاحب البسطة في الشارع لم يكن السبب في الحريق، كما أن رخصة الحرفة للمحلات التجارية ليست هي من تسبب بالحريق".
وتسائل أبو جياب المُختص في الشأن الاقتصادي خلال حديثه "من الذي سمح بوجود خزان الغاز بهذا المكان؟، ومن هو صاحب محطة الغاز الذي قبل أن يملأ خزاناً غير مطابق للمواصفات؟، ومن الذي أمهل هذه القنبلة مدة أسبوعين للإزالة؟".
يُذكر أنّ مُخيّم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزّة، يُعاني من الاكتظاظ والازدحام، ويقطن فيه حاليًا أكثر من 80,194 لاجئاً، وجعل الحصار المُستمر على غزة، منذ أكثر من 13 عامًا، الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لجميع اللاجئين في المُخيّم، والذي يُعاني الآن من نسب بطالة مرتفعة ومن الفقر، بحسب وكالة "أونروا".