كورونا القوي، أصفه بالقوي، بل ربما هو الأقوى اليوم على الكرة الارضية
وباءٌ اجتاح العالم، تمكن أن يفرق العالم بالمعنى المادي للكلمة، أغلقت الحدود، عطلت المطارات، تباعد الناس عن بعضهم خشية من الإصابة، إلا أنه وحد غريزة الخوف فيهم جميعاً.
اليوم لا فرق بين عربي وأوروبي وأمريكي وآسيوي، كلهم يدورون في فلك محاولات النجاة والبقاء.
قد يبدو هذا الكلام دقيقاً، إذا ما استثنينا حال البلاد العربية المتردية اقتصادياً، لا سيما في مخيمات اللجوء، حيث إن محاولات النجاة لا تقتصر على الوقاية من مرض فقط، بل من مرض وجوع محتم.
فيما شعوب كثيرة في الأرض محتجزة ببيوتها خشية من فيروس تمكن من إرجاع الإنسان إلى كينونته الضعيفة أمام قوة الكون وما فيه من أسرار، لا تخشى سوى انتقال العدوى إليها، يقبع ملايين في الدول العربية ببيوتهم يفاضلون بين الموت مرضاً أو الموت جوعاً.
هي الحال القاسية التي تنسحب على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يعانون منذ عقود إجراءات قانونية تمنعهم من ممارسة عشرات المهن، لحقها في الأشهر الأخيرة أزمة اقتصادية طالت تداعياتها اللبناني والفلسطيني، لتأتي ضرورة االحجر الصحي في زمن "كورونا" تكملة لفصول ضائقة مادية أحكمت خناقها على آلاف عائلات الفلسطينيين في لبنان.
يقولون: إن الوباء قد لا يتمكن منهم، لكن ربما الجوع سيفعل، فهل من متصور أنه في القرن الحادي والعشرين هنالك فئة من الناس لا تملك ضماناً صحياً ولا اجتماعياً ولا معيشياً، كونهم يتامى سياسيين، ليس بالمعنى الدقيق طبعاً، فقد حدث خلال العقود الماضية أن كانوا المعبر لكثير من الفصائل والتنظيمات لتحصيل مكاسب سياسية، كجمهور مصفق موعود ببعض حقوقة الإنسانية، لكنهم حقيقة ليسوا في أجندات هذه الفصائل ولا في حساباتها الاستراتيجية، لذا يمكن أيضاً أن نسميهم ضحايا سياسيين.
هؤلاء الضحايا اليوم، قد يشكلون جزءاً من تحركات منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل، لكن أي جهد لا يعول عليه، كونه جهداً آنياً غير تراكمي، بمعنى أن الضائقة المادية ما كانت لتستشري بهذا الشكل المؤسف، لو أن نظاماً اقتصادياً وتمكينياً اعتمدته الفصائل المتناحرة على إدارة المخيمات في السنين السابقة، ولو أن مشاريع حقيقة أنجزت منذ ما قبل الأزمة، لتأمين الضمان المعيشي والاجتماعي، وتمكين اللاجئ المحروم من العمل خارج مخيمه.
قد تستجلب بعض الفصائل، مساعدات من دول وتقدم جزءاً منها للاجئين لمرة واحدة، ولن نخوض أيضاً في حسابات الفصائل الحزبية حتى بإغاثة الفقراء والمعدمين، ولكن ماذا ستحقق هذه المساعدة.
كان جديراً بمن يتنطح في كل مناسبة وحين للتعبير عن تمثيله لشعب فلسطيني معدم أنهكته الحروب وقوانين اللجوء الجائرة أن يقدم لهؤلاء (الذين يمثلهم) أسباب الكرامة والعيش، ألا يسمح بأن تنتهك كرامتهم بطلب مساعدة كي لا يموتوا جوعاً، أن يحترم بأنهم شعب مارس النضال طيلة سني حيانه، أنه شعب حر مقاوم.
عسى أن تكون محنة "كورونا" هي الكاشفة بأن يعلم كل فلسطيني في المخيمات أن له حقاً على من يدعي تمثيله السياسي بتمكينه اقتصادياً واجتماعياً وصحياً، ألا يسمح بأن يقتصر حضوره في دعم هذا التنظيم وذاك، أن يطالب بتغيير وضعه المعيشي، ألا يستمر في المطالبة بإغاثة من هنا وهناك، أن يطلب مشاريع تنمية يكون هو محركها، لصالح مخيمه وصالح اللاجئين فيه، تشكل سبباً في بقائه حياً بكرامة، والأهم من كل ذلك أن هذا واجباً على منظمة التحرير والفصائل ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا" وليس على منظمات المجتمع المدني المُخترعة.