ساو باولو - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
أحمد أبو حسنة
بمناسبة يوم اللاجئ العالمي هذا العام، منحت تشيلي جنسيتها لخمسة وأربعين طفلاً وشاباً من أبناء ثمانٍ وعشرين عائلة من فلسطينيي العراق، استقبلتهم تشيلي قبل ثماني سنوات بناءً على طلب من "المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (UNHCR). القرار الذي أعلنته رئيسة تشيلي "ميشيل باشيليت" من أجل تعميق "التكامل العالمي"، ولتؤكد على أن تشيلي لا تفتح حدودها "لضمان حرية التجارة والخدمات فحسب، بل نشرع أبواب بيوتنا ونتيح شوارعنا وثقافتنا لجميع من اختاروا تشيلي بيتاً ثانياً لهم". بكلمات الرئيسة التشيلية. وفي البرازيل، بات عدة منهم يتمتعون بالجنسية والمواطنة أيضاً.
في العام 1948، وصل ما يقارب خمسة آلاف لاجئ فلسطيني إلى العراق، مع القوات العراقية المنسحبة من قرى قضاء حيفا، بعد هزيمة الجيوش العربية في "حرب فلسطين". رافق وصول هؤلاء ما اعتبر في وقت لاحق بدعة جديدة على صعيد الوضع القانوني للاجئين. فقد رفضت الحكومة العراقية في ذلك الوقت تسجيلهم كـ "لاجئين" في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ولم تسمح للوكالة بالعمل في الأراضي العراقية، ولم يسجل هؤلاء في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أيضاً.
بل قامت السلطات بمعاملتهم كـ "ضيوف" يتبعون لإشراف "وزارة الدفاع العراقية"!! كان هذا التصور منسجماً مع رؤية عراقية رسمية وشعبية، رفضت أن "تتصدق" الوكالة الدولية على عرب فلسطينيين في الوقت الذي تستطيع فيه الحكومة العراقية تقديم الخدمات اللازمة لهم. ولكن انعكاسات هذا " القرار الشهم" لم تظهر إلا بعد عقود على لجوء ذلك العدد المحدود من الفلسطينيين إلى العراق.
ولأن "الضيف أسير المضيف" كما يقول المثل العربي، فقد بقي "الضيوف" تحت إشراف وزارة الدفاع والجيش العراقيين حتى تم إنشاء "مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق" التي اتبعت لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في العام 1950. المديرية التي اعتبرت أن اللاجئ الفلسطيني هو كل فلسطيني دخل العراق وأقام فيه قبل الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 1958، مسقطةً بذلك صفة اللجوء عن كل الفلسطينيين الذين وصلوا العراق بعد هذا التاريخ. ومن الناحية النظرية منحتهم حقوقاً مدنية واجتماعية. أشبه بما كان عليه حال اللاجئين في سوريا، و لكن على نحو أقل تنظيماً وكفاءة بكثير.
ترافق ذلك مع غياب أي مرجعية قانونية أو إشراف مؤسسة دولية، ما جعل اللاجئين خارج غطاء القوانين والقرارات الدولية الصادرة بخصوص قضية فلسطين أو قضايا اللاجئين عموماً. بالتالي، فقد خضع وضع الفلسطينيين عموماً لتقلبات السياسات الحكومية، في بلدٍ لم يعرف معنى الاستقرار السياسي أبداً.
وكونهم كانوا يعيشون في "جنة بغداد" التي منحتهم "معاملة خاصة واستثناءات مميزة"، لم تسمح لهم حتى بتملك دارٍ أو قطعة أرض أو أن يستفيدوا من "تعويض التقاعد"، فقد كان واجباً معاقبتهم على هذه المزايا، وفقاً لسياسات "الحكم الجديد". وخاصة إبان غزو القوات الأميركية للعراق في العام 2003، فانطلقت في حقهم معركة "تطهير عرقي" على أيدي ميليشيات طائفية تعاظم نشاطها في فترة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق؛ في دورة جديدة من "بطولات الحقد وتطهير الضمائر" في مواجهة مدنيين عزّل. وفي ظل إشاعات غوغائية وفوضى عارمة طاولت كافة أرجاء العراق.
أمام الاعتداءات المنظمة وعمليات التهجير من البيوت، لم يجد الفلسطينيون ملجأً إلا الصحراء، فبدأوا رحلة لجوء جديدة باتجاه مخيمات "الرشيد"، و"الوليد" و"التنف" و"الهول" على الحدود العراقية - السورية، والعراقية – الأردنية. لتتدخل مفوضية اللاجئين هذه المرة، ولينالوا "مكرمة" اعتبارهم لاجئين بعد ما يقارب ستة عقود من اقتلاعهم وتهجيرهم من قراهم ومدنهم الفلسطينية.
المنظمة الدولية ومؤسساتها العاجزة عن تنفيذ القرار رقم 194، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948 والذي يلزم المتسبب الأساسي في الكارثة، "إسرائيل"، بأن تضمن "عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم"؛ تفتق ذهن "مدوري الزوايا" فيها، عن خطة "نقل وإعادة توطين" هؤلاء في عشرة دول تتوزع على قارات العالم. استقبلت البرازيل منهم مئة إلا قليل، فيما كان نصيب تشيلي مائة وستة عشر لاجئاً. وسمحت السودان بدخول أعداد أخرى، واستطاع بعضهم الدخول إلى سوريا.
في البرازيل، وزعت مفوضية اللاجئين وحكومة البلد المضيف، المائة لاجئ في الولايات الجنوبية من البرازيل، البلد القارة، ووفق عملية التوزيع العشوائية، تباعدت المسافات بينهم وزادت من معاناتهم. حيث يبعد مكان إقامة كل عائلة عن الأخرى ما لا يقل ست ساعات من السفر. ولم يكن الوضع أفضل في تشيلي التي تمتد على طول خمسة آلاف كيلو متر. حيث باعدت المسافات بين الأخوة وأبناء العمومة، فتشتت شمل العائلات وانقطع تواصلها عن بعضها بعضاً، وأثّر ذلك في هويتها مبلغ الأثر.
لم يمض كثيرٌ من الوقت، حتى انسحبت المفوضية من التزاماتها برعاية هؤلاء وتعليمهم لغة البلد المضيف وتأهيلهم لسوق العمل وتمكينهم من مواصلة تحصيلهم العلمي.
فيما قامت الحكومات المضيفة التي تفتقر لبرامج رعاية اللاجئين بالأصل، ولا تعتبر من دول اللجوء على غرار بعض الدول الأوروبية، بالتعامل معهم كما تتعامل مع غيرهم من المهاجرين لـ "أسباب اقتصادية".
فلسطينيو العراق في أمريكا اللاتينية، وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق حينئذٍ، في ظل استنكاف وعجز المؤسسات الفلسطينية الرسمية والأهلية في القارة، عن تقديم يد العون (إلا في استثناءات قليلة) لهم بمبررات عديدة، منها أن على الجهات الدولية وحكومات الدول المضيفة أن تتحمل المسؤولية لمساعدة هؤلاء مع التذرع بعدم توفر الإمكانات لتقديم المساعدة أصلاً. فيما اكتفت هذه المؤسسات بمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته وإعادة اللاجئين من حيث أتوا مع ضمان حمايتهم أو المطالبة بحق عودتهم إلى ديارهم الأصلية!!
هؤلاء اللاجئون، والذين يمتلك بعضهم تحصيلاً علمياً عالياً، فمنهم أطباء وعلماء ومهندسون.. يئسوا، منذ سنوات، من إمكانية إحداث أي فارق في وضعهم. وانطلقوا في كل السبل سعياً وراء لقمة العيش، فيما تحولت أنظارهم نحو ذراريهم، علهم يتمكنون يوماً من تغيير أوضاعهم بعد أن بات أغلبهم يتمتع بالجنسية وحقوق المواطنة في الدول المضيفة. فقد تعبوا منذ سنوات، وأنهوا احتجاجاتهم أمام أبواب المفوضية، وتوقفوا عن المطالبة بإعادة التوطين في إحدى الدول الأوروبية.. وقد أيقنوا أن حال ذويهم ليس أفضل بكثير في تلك الدول. ربما أنهم اليوم، يشعرون بقليل من الحظ الذي حالفهم وأخطأ وأقرانهم الذين ما زالوا في بلاد الرافدين. هنا، يمتلكون فرصة المراهنة على الغد.. على الأقل.
عن مخيمات العراق
مخيم الرشيد يقع على الحدود العراقية الأردنية (أغلق في العام 2006). فيما يقع مخيم الوليد على الحدود العراقية السورية ويضم اليوم نازحين أكراد إيرانيين. أما مخيم التنف فقد كان على الجانب السوري من الحدود مع العراق وأغلق في العام 2007 بعد أن نقل جميع من تبقى فيه إلى مخيم الهول الذي كان الوضع الإنساني فيه أفضل قليلاً. ليغلق مخيم الهول الذي يقع قرب الحسكة في العام 2010 وينقل جميع من فيه إلى العاصمة السورية دمشق. ليشغل المخيم فيما بعد نازحون عراقيون من الموصل بعد احتلالها من قبل داعش.