تقرير صابر حليمة

 

لا يزال قانون العفو العام في لبنان، كما كان دوماً، رهناً للمقايضات والمحاصصات السياسية، التي حالت دون إقراره في الجلسة التي عقدها مجلس النواب اللبناني، منذ يومين، في قصر الأونيسكو.

على الرغم من الوقت الطويل الذي تخصصه نشرات الأخبار والبرامج السياسية لهذا القانون، وكمية الحبر التي يكتب بها عن هذا القانون في الصحف والمجلات، وخوض المواقع الإخبارية والسياسية اللبنانية في تفاصيله وتفنيده، إلا أن جانباً، يتعلق بالفلسطينيين الموقوفين والسجناء، لا يزال مغفلاً، من الجانب الفلسطيني قبل الجانب اللبناني: كم هي أعدادهم؟ وكيف هي أحوالهم؟ وما هي أبرز تهمهم؟ ومن يدافع عنهم؟ وهل يمكن أن يشملهم أي قانون عفو عام؟

 

عدد ضئيل عكس ما يجري تصويره

ميّز مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، الدكتور محمود حنفي، بين السجناء الفلسطينيين، وهم الذين صدرت بحقهم أحكام، وبين الموقوفين الفلسطينيين، الذين لا تزال قضاياهم قيد النظر أمام المحاكم المختلفة.

وكشف حنفي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن إجمالي عدد الفلسطينيين، بين محكوم وموقوف، يقدر بين 400 و450 شخصاً، فيما تشير التقديرات، غير الدقيقة، إلى أن عدد الموقوفين منهم بين 75 و100 فلسطيني.

ووفق قاضي المحكمة الدولية لتسوية المنازعات في لندن، فؤاد بكر، فإن أعداد الموقوفين والسجناء الفلسطينيين تتوزع وفق التالي: 15% قضايا متعلقة بـ"الإرهاب"،  15% اتجار المخدرات والترويج، 30% تعاطي المخدرات، 35% سرقة، و5% جنح وجنايات مختلفة (بينهم 6 فلسطينيين اعتقلوا خلال أحداث ثورة 17 تشرين الأول في لبنان وأعيد إطلاق سراحهم بضغط من لجنة المحامين الداعمة للثورة).

كما أشار إلى أن هناك 83 شخصاً مطلوباً لم يتم القبض عليهم على اعتبار أنهم في المخيمات.

ولفت بكر أن هذا الرقم ليس بالكبير على الإطلاق، خصوصاً في ظل المعاناة والحرمان التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، كما أنه يثبت تعاون اللجان الأمنية الفلسطينية مع السلطات اللبنانية، بخلاف ما يتم تصويره أن المخيمات الفلسطينية هي مخيمات للهروب من القانون والإلتجاء لمن هو خارج القانون.

 

بحث عن العدالة قبل العفو

وحول الظروف القانونية، أكد حنفي أنها تشبه إلى حد كبير ظروف الموقوفين اللبنانيين، غير أن الفلسطينيين محرومون من المعونة القضائية، المتمثلة بتعيين محامين للدفاع عنهم في حال العجز عن توفير تكاليف المحاماة، لكن، وبحسب حنفي، فإن المعونة القضائية المقدمة من نقابة المحامين اللبنانيين هي شكلية ونظرية أكثر منها عملية.

وهنا، لفت بكر إلى أن 85% من الموقوفين الفلسطينيين داخل السجون لم يتم تعيين محامين لهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الأعباء المادية، ما أدى إلى بقائهم في السجون لفترات طويلة.

وأوضح أن المحامين والحقوقيين الفلسطينيين لا يستطيعون الدفاع عن الفلسطينيين في السجون، لأنه لا يحق لهم ممارسة هذه المهنة، ما يزيد من المعاناة التي يكابدونها.

كما أشار حنفي إلى أن الموقوفين اللبنانيين والفلسطينيين يشتركون في المعاناة ذاتها من ناحية اكتظاظ السجون والتأخر في إصدار الأحكام.

وأكد أن الفلسطيني يبحث عن العدالة قبل بحثه عن العفو، أي أن يجتمع القضاة في ملفهم ويصدرون الأحكام وفق القوانين المنصوص عليها.

وشدد حنفي: "ليس من العدل أن تبقي أشخاصاً قيد التوقيف، لفترة طويلة، تتجاوز الفترة القانونية المسموحة".

 

السياسة في لبنان تفسد أي قضية إنسانية

أما فيما يتعلق بإقرار مشروع قانون العفو العام، فلم يبد حنفي أي تفاؤل في هذا الصدد، إذ أشار إلى أن أي قضية إنسانية تطرح في لبنان تفسدها مزاجية السياسيين وحساباتهم، ضارباً المثل بحق العمل للاجئين الفلسطينيين الذي يعتبر قضية إنسانية بحتة، وكيف ربطه سياسيون في لبنان بملف التوطين، وحرموا اللاجئ الفلسطيني من أبسط حقوقه.

وأوضح حنفي أن قضية الموقوفين هي قضية إنسانية وقضية عدالة، لكن دخلت فيها الحسابات السياسية، فخلطت ما بين تجار المخدرات والحشيشة، من جهة، وعملاء "جيش لحد" الموجودين في كيان الاحتلال، من جهة ثانية، وبين الموقوفين المساكين من جهة ثالثة، ليضعوا معادلة تقضي بإقرار قانون العفو مقابل عودة العملاء إلى لبنان.

وشدد حنفي: "في حال وجدت العدالة، فسيطلق سراح معظم هؤلاء الموقوفين".

وحول مدى إمكانية أن يشمل قانون العفو العام الفلسطينيين في حال إقراره، قال حنفي إنه من الممكن أن يشملهم على اعتبار أن عددهم ليس كبيراً، وهم جزء من تركيبة موجودة، خاصة الإسلاميين منهم، فمشكلة الفلسطيني كمشلكة اللبناني من حيث أسباب وجوده في المعتقل.

 

من هم غير المشمولين بمشروع قانون العفو العام؟

وركّز القاضي بكر، الذي ذكّر بأن موضوع العفو العام لا يزال في إطاره السياسي ولم يتحول إلى تشريع قانوني، على نقطة تتمثل في أن مشروع قانون العفو لم يحدد جنسية المعفي عنهم، بل التزم الصمت، واكتفى بالإشارة إلى تهم ما لا يمكن أن يشملهم العفو.

ووفق بكر، فإن غالبية التهم التي لا يشملها العفو، لا موقوفين فلسطينيين على أساسها.

فغير المشمولين بالعفو، وفق مشروع القانون، هم المحالون إلى المجلس العدلي، وليس هناك فلسطينياً محالاً إلى المجلس العدلي، إلى جانب جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وجرائم الآثار والتعدي على الأموال والأملاك العمومية العائدة للدولة والبلديات، والإثراء غير المشروع ومخالفة قانون حماية المتسهلك والاحتكار والسرقة الأدبية والفنية والاتجار بالبشر، والجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي، وتلك المتعلقة بالثقة العامة والتزوير والأخلاق وآداب العامة، وهي كلها لا تشمل أي موقوف أو سجين فلسطيني.

لكن، هناك سجناء وموقوفين فلسطينيين، مسجونون لمخالفتهم قانون البناء، وقانون الضمان الاجتماعي، الذي اعتبره بكر استثناء واضحاً للفلسطينيين، لأن أكثر المعنيين به هم الفلسطينيون، وهؤلاء غير مشمولين بمشروع قانون العفو.

 

إهمال كبير في هذا الملف

حنفي، الذي يتابع ملف الموقوفين من خلال مؤسسة "شاهد" التي يديرها، أكد أن هذا الملف مهمل فلسطينياً من أطراف ثلاثة.

أول هؤلاء الأطراف هو قسم الحماية التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والذي من المفترض أن يدافع عن أي فلسطيني حتى لو كان مجرماً، إلا أن هذا القسم، بحسب حنفي، هو "قسم شكلي صوري يقوم بمتابعة حالات بسيطة وقضايا مدنية خفيفة فقط، ولا يهتم بالقضايا الكبيرة المتعلقة بالعمل والتملك والقضايا الجزائية"، متسائلاً: " ألا يحتاج المجرم إلى عدالة في الإجراءات؟ وفي المحاكمات؟".

وأضاف: " لم يقم قسم الحماية بالدور المنوط به بشكل سليم، ولم يوفر الحماية للفلسطينيين لا في الإطار العام ولا في الإطار الخاص".

ثاني الأطراف، وفق حنفي، يتمثل بسفارة السلطة الفلسطينية في لبنان، والتي أسف أنها لا تقوم بمتابعة هذا الملف متابعة قانونية بالمعنى المهني، أي تعيين مجموعة من المحامين لمتابعة قضايا الناس، إذ لا توجد زيارات للسجون، ولا بحث جدي بملف المطلوبين والقضايا المشابهة.

وعلى الرغم من أنه قيل خلال فترة سابقة إن هناك محاولة لتوفير الحماية القانونية، لكن حنفي اعتبر متابعة السفارة لهذا الملف خفيفة لم ترق إلى مستوى الجهود التي توفر الحماية القانونية وتضمن الإجراءت للموقوفين والمسجونين الفلسطينيين.

آخر الأطراف، هي مؤسسات المجتمع المدني، والتي يؤكد حنفي أنها تفتقد إلى الدعم المادي، خصوصاً وأن تكاليف الأتعاب والمصاريف باهظة جداً.

وبسبب هذا النقص، فإن عملها يقتصر على متابعة موضوع الموقوفين من خلال الإجراءات الحقوقية وليس القانونية، أي من خلال المراسلات والاتصالات والزيارات وما إلى ذلك.

دعوة الأطراف الفلسطينية إلى التنسيق مع لجنة الحوار

من جهته، دعا القاضي بكر القوى الفلسطينية المختلفة، إلى القيام بخطوة استباقية، والشروع بالتعاون مع لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني بهدف تشكيل لجنة تقدم استشاراتها وتوصياتها بعدم استثناء الفلسطينيين من قانون العفو في حال إقراره.

وأكد أنه على "أونروا" والسفارة ومنظمة التحرير، التنسيق الدائم مع لجنة الحوار، والضغط لإقرار بند واضح يحدد أن الفلسطينيين مشمولون بالعفو، لكي لا يكون مصيرهم رهناً للوزراء أو القضاء أو مختلف الإدارات.

هي قضية إنسانية بحتة عانى منها كثير من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وعائلاتهم ولا يزالون، على أمل تحرك فلسطيني منظم في هذا الملف، والنظر لبنانياً إلى الموقوفين بعين الإنسانية لا المصالح والأهواء السياسية.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد