لم يمر لبنان، منذ استقلاله عام 1943، بأزمة كالتي يعيشها حالياً، حتى خلال الحروب والصراعات العديدة التي اندلعت على أرضه على مر سبعة وسبعين عاماً.
فالأزمة الاقتصادية والمالية، طالت نواحي الحياة كافة، حتى بات كثيرون يعجزون عن تأمين لقمة العيش اليومية.
ولا شك أن الأزمة، وإن طالت سهامها الجميع، لكن تأثيرها يختلف من جماعة إلى أخرى، فإصابة المريض بالأساس ليس كإصابة الصحيح الخالي من أي داء.
لهذا، كان تأثير الأزمة على الفئات المهمشة من اللبنانيين والمقيمين حاداً وغير مسبوق، زاد منه تفشي وباء "كورونا" والاضطرار للالتزام في المنازل.
يعتبر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، إحدى هذه الفئات المهمشة، والتي تأثرت أكثر من غيرها بالأزمة الراهنة، خصوصاً في ظل الحرمان من العديد من حقوقهم المدنية، بل وفقدان أدنى مقومات الحياة الكريمة.
وفي ظل هذه الأوضاع، التي تزداد سوءاً مع عجز المعنيين، وتحديداً منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المختلفة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، عن إيجاد السبل الكفيلة لدعم اللاجئين، عقدت الجبهة الديمقراطية خلال الأيام الماضي لقاءين، أولهما مع رئيس الحكومة اللبنانية، حسان دياب، وثانيهما مع مفتي الجمهورية، عبداللطيف دريان.
كما عقدت حركة حماس، لقاء مع رئيس مجلس النوب، نبيه بري.
هذا التقرير يسلط الضوء على أبرز ما جرى خلال هذه اللقاءات ورؤية هذه الأطراف للوضع البائس الذي وصل إليه مجتمع اللجوء الفلسطيني في لبنان.
العنوان الاقتصادي-الاجتماعي هو الأبرز
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، علي فيصل، قال إن اللقاءين "يندرجان في إطار اللقاءات التي تجريها الجبهة مع المؤسسات الرسمية والهيئات الروحية ومع القوى والأحزاب والشخصيات اللبنانية، بهدف طرح قضايا شعبنا والبحث عن حلول ومقاربات مشتركة للكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وقد لمسنا تفهماً لدى الرئيس ولدى سماحة المفتي لما طرحه الوفد".
وأكد فيصل، في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن العنوان الاقتصادي والاجتماعي كان هو البارز في اللقاءين، حيث أوضح الوفد أن الفلسطينيين في لبنان عاشوا ثلاث مشكلات أثرت على حياتهم مباشرة خلال أقل من عام، هي: إجراءات وزارة العمل السابقة، التحركات العشبية اللبنانية منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر بجميع تداعياتها الاقتصادية وتوقف عمل الكثيرين، إضافة إلى التعبئة العامة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، والتي تضمنت عمليات إغلاق شاملة تزامنت مع حزمة مساعدات اقتصادية للمواطنين اللبنانيين لم يتوفر مثلها للاجئين الفلسطينيين الذي التزموا بإجراءات التعبئة داخل مخيماتهم.
فيصل أكد أن هذه المشكلات "انعكست على شعبنا بشكل مضاعف، ما جعلنا نطالب الحكومة اللبنانية أولاً بشمول المخيمات والفلسطينيين باستراتيجيتها الاقتصادية والصحية، وأيضا دعوة "أونروا" إلى تبني خطة طوارئ اقتصادية وصحية وإغاثية تخفف عن اللاجئين معاناتهم اليومية.
التعليم و"كورونا".. محاور أساسية خلال لقاء دياب
وفي سياق آخر، أشار فيصل إلى أن وفد الجبهة الديمقراطية طرح على دياب مسألة ضرورة استيعاب الجامعة اللبنانية والمعاهد والمدارس اللبنانية الرسمية لأعداد أكبر من الطلبة الفلسطينيين، الذين لا يستطيعون استكمال تحصيلهم العلمي.
ودعا كذلك إلى توفير الأدوية لذوي الأمراض المستعصية، بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب ضرورة زيادة عدد فحوصات الـ PCRلتشمل جميع المخيمات، وعدم اقتصارها على مخالطين لبعض المصابين.
كما عرض أعضاء الوفد السياسة الفلسطينية المتمثلة بالنأي بالنفس، بعيداً عن الأزمة اللبنانية وتداعياتها، وحرص الشعب الفلسطيني بكل تياراته السياسية والشعبية على الأمن والاستقرار في لبنان وطموحه بتطوير علاقاته مع جميع المكونات السياسية والروحية والشعبية اللبنانية، على طريق تنظيم العلاقات الأخوية على قاعدة الحقوق والواجبات المتبادلة، وإقرار الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وإعمار مخيم نهر البارد، بما يعزز الموقف المشترك بالتمسك بحق العودة ورفض مشاريع التهجير والتوطين، وفق ما ذكره فيصل.
كيف علق فيصل على تسجيل إصابات بـ"كورونا" داخل مخيم البداوي؟
وحول تسجيل إصابات بفيروس "كورونا" في مخيم البداوي، قال فيصل إن الإصابات التي تم الحديث عنها هي إما كانت خارج المخيمات، أو لأشخاص ليسوا من اللاجئين الفلسطينيين، وقد جاءت نتائج الفحوصات سلبية.
وأضاف: "لكن ذلك لا يجب أن يجعلنا نطمئن لوضعيتنا، خاصة وأن المخيمات تعاني من هشاشة البنية التحتية وضعف النظام الصحي، وهو ما يتطلب من كل الحالة الفلسطينية والفصائل و"أونروا" والمؤسسات المعنية، بمضاعفة جهودها وتعاونها وتضامنها، ليس فقط في الجوانب الصحية، بل وأيضاً في الجوانب الإغاثية والاجتماعية، لأننا لا نستطيع أن نفصل في المعالجات بين الرعاية الصحية والاقتصادية والاجتماعية، والمسألتان تكملان بعصهما بعضاً".
كما شدد على ضرورة مواصلة عمليات التوعية والإرشاد والالتزام بشروط الوقاية المطلوبة.
فيصل: "أونروا" مطالبة بمزيد من الشفافية
وفيما يتعلق بقرار "أونروا" تعليق مساعداتها النقدية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ذكر فيصل أن هذا يعود أساساً إلى حالة الإرباك والثغرات التي شهدتها، والتي "وصلت إلى حد وجود أشكال من السمسرة في المرحلة الأولى والثانية من عملية التوزيع، إلى جانب الانتقادات لطريقة التوزيع وافتقارها للآلية والداتا والمعلومات الدقيقة".
ولفت إلى أن عملية التوزيع يجب أن تستكمل لتطال نحو 18 ألف عائلة من العائلات التي لم تتمكن من الحصول على مساعداتها النقدية، وذلك نزولاً عند التزام المدير العام للوكالة، خلال لقائه الأخير مع الفصائل.
ودعا فيصل "أونروا" إلى "مزيد من الشفافية والصراحة في التعاطي مع شعبنا، وجعل الرقابة على كيفية إنفاق الأموال هي عنوان المرحلة المقبلة، لنضمن أن أموال الشعب الفلسطيني تنفق في الأماكن التي يجب أن تنفق فيها، وأنها تصل إلى مستحقيها بدون وساطات وتدخلات وبدون المرور بطرق ملتوية تؤدي لهدر أموال شعبنا.
وتابع: "لا يبرر للأونروا كلامها أنها لا تملك داتا ومعطيات رقمية عن اللاجئين"، متسائلاً: " وإلا فما وظيفة الدراسات والمسوحات التي سبق وأن أنجزتها الوكالة، بل ما فائدة هذه الدراسات إن لم تنعكس إيجاباً على معيشة اللاجئين الفلسطينيين؟"
"حماس" تطالب بري بمنح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والإنسانية
على صعيد آخر، أوضح المسؤول السياسي لحركة حماس في منطقة صور ومخيماتها، عبد المجيد عوض، أن وفد الحركة عرض على رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الوضع الفلسطيني في لبنان، من حيث النواحي الإنسانية والاجتماعية وغيرها.
وخلال حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أشار عوض إلى أن الوفد طالب بضرورة منح الحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين، وشدد أن "العامل الفلسطيني في لبنان لن يكون إلا عامل أمن واستقرار، ولن نسمح بأن تُحوّل المخيمات إلى محطة انطلاق لتخريب الوضع الداخلي اللبناني ولإيصال رسائل من داخله. وأكدنا ان قوة لبنان وأمنه واستقراره هو قوة للقضية الفلسطينية".
وشكر الوفد جهود حركة أمل من أجل تفعيل عمل هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، ووضع بري في آخر تطورات قضية فلسطين، لا سيما مخاطر مشروع ضم الضفة الغربية.
إلى ذلك، استنكر عوض استمرار "أونروا" بتعليق توزيع المساعدات على شريحة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وشدد أن المطلوب هو استكمال تقديم المساعدات وتسليمها إلى مستحقيها بطريقة "أكثر حضارية"، ذكراً أن التأخر بتقديم المساعدات يضع الوكالة من جديد في موقع الشك ويزيد من علامات الاستفهام حول أدائها.