يتابع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان التهديدات الجسيمة التي تمثلها مخططات الاستيلاء على "ضم" أجزاء من الضفة الغربية، وآثارها المباشرة وغير المباشرة الآنية والمستقبلية على الفلسطينيين ومن ضمنهم اللاجئون، وسط شعور بالقهر والعجز، لا سيما وأن هؤلاء اللاجئين يعتبرون في عداد المغيبين عن الفعل النضالي المباشر ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، ويزيد على ذلك الأوضاع المعيشية السيئة التي جعلت الغالبية منهم غير قادرين سوى على التفكير بقوت أيامهم والنجاة من براثن الأوضاع الاقتصادية القاسية.

ورغم ذلك، اعتاد اللاجئون الفلسطينيون في هذا البلد على إثبات حضورهم في الفعاليات الرمزية الرافضة لكل جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، إلا أن أزمة الحجر والإغلاق بفعل جائحة كورونا التي تزامنت مع تصريحات قادة الاحتلال وممارسته العملية في الاستيلاء على أجزاء إضافية من الضفة الغربية في إطار تنفيذ الخطة الأمريكية للتسوية المسسماة "صفقة القرن"، جعلت من الفعاليات ضد المخطط الإسرائيلي خجولة خلال الأيام الماضية، ومقتصرة على وقفات محدودة لـ "دعم السلطة الفلسطينية"، شارك فيها غالبية العاملين مع مؤسسات وجمعيات منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح.

88.jpg

واليوم، مطلع شهر تموز/يوليو 2020،  مع عزم الاحتلال الإعلان رسمياً عن مخطط الاستيلاء المسمى "الضم" دعت هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى يوم غضب يتخلله فعاليات في جميع المخيمات الفلسطينية في لبنان.

ومنذ قبل الظهر اعتصم عشرات اللاجئين في مخيم مار الياس للاجئين الفلسطينيين ببيروت أمام مكتب مدير خدمات المخيم استنكاراً لجرائم الاستيلاء الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وكذلك في مخيم عين الحلوة بصيدا وبرج الشمالي والرشيدية في صور، على أن تمتد هذه الوقفات في كافة المخيمات على مدار اليوم.

888.jpg
وقفة في مخيم مار الياس ضمن يوم غضب فلسطيني في لبنان ضد مخطط "الضم"


استجابة إلى الحاجات الأساسية المباشرة

ولعل الوضع الاقتصادي في لبنان يؤثر جداً على حجم الفعاليات والمشاركة فيها، وفي هذا الصدد قال الكاتب والباحث الفلسطيني في مخيم برج البراجنة، أحمد الحاج، إن هذا الموضوع جد طبيعي، نظراً لأن الناس لا تتحدث فقط عن الأحوال المعيشية، بل إنها تتحسب لما هو قادم، فحديث الناس يدور حول مجاعة، والتسريبات التي يتناقلونها عن بعض المسؤولين، بأن زمن الرفاهية قد انتهى، وما سيحدث سيكون صعباً جداً.

وأشار الحاج، في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إلى أن مؤشرات عديدة تتسبب في هذا الهاجس بينها تفريغ التعاونيات من المواد الغذائية الأساسية، نفاد الكثير من المواد، رفع الدعم عن المواد الأساسية، انخفاض قيمة الليرة اللبنانية المتواصل أمام الدولار الأمريكي..

وأوضح أن الناس في لبنان تستجيب إلى حاجاتها الأساسية المباشرة، قضايا الجوع والخوف من القادم وتأمين لقمة العيش، التي تساعد فقط على الاستمرار اليومي فقط، هذه التحديات والتهديدات المباشرة لكل شخص.

وعلى ما يبدو، إن التحرك الإسرائيلي في فلسطين يرافقه محاولات لإفراغ الحالة النضالية في مخيمات الشتات من مضمونها، عبر إشغال اللاجئين الفلسطينيين بهمومهم اليومية والحياتية، كما في مخيمات سوريا ولبنان.

قد يبدو هذا الطرح للبعض مبالغاً فيه من حيث تضخيم حجم المؤامرة على القضية الفلسطينية، ولكنه واقع حال الفلسطينيين في الشتات الذي يتزامن مع مخططات كبيرة جداً تستهدف ما تبقى من أرضهم، وتستهدف قضيتهم بمجملها.

 

جمود الحراك في الضفة الغربية

سبب آخر لردة الفعل هذه، عزاه الحاج إلى جهل كثيرين بخطورة الضم وعدم إدراكهم لعمق المشكلة.

كما أنه لم يكن أي حراك في الضفة الغربية، وبالتالي، فإن العدوى لم تصل، لأن الأهالي غالباً يدركون مخاطر هكذا مخططات من خلال التظاهرات في الداخل.

وأضاف: "لم نشهد الحراك المرجو الذي يدفع الناس في مخيمات لبنان إلى التفاعل مع الموضوع.. هناك جمود في الضفة لاعتبارات معينة.."

وأشار الحاج إلى أنه مع قيام السلطة الفلسطينية ضعف دور اللاجئين الفلسطينيين نسبياً، وباتوا يحاولون استعادة دورهم من خلال العاطفة والوجدان، لكن الدور ضَعُف، انتقل الثقل من منظمة التحرير إلى السلطة الفلسطينية، وأثر سلباً على الجماهير الفلسطينية المنتشرة التي حملت القضية لعقود، إذ اختلف الأمر نسبياً بعد أوسلو.

كما أن الوضع العربي بشكل عام، والتجزؤ والانقسام، أشعر الفلسطيني، بحسب الحاج، ببعض الضعف والاستفراد بقضيتهم.

 

على الرغم من المعاناة إلا أن العيون متجهة دوماً إلى فلسطين

مسؤول الحراك الفلسطيني في مخيم نهر البارد، محمد أبو قاسم، أكد أنه على الرغم من المرحلة المعيشية الصعبة، إلا أن عيون وقلوب الفلسطينيين ترنو دائماً إلى فلسطين.

وأوضح لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون مرحلة معيشية صعبة، والأزمة الحادة في لبنان تنعكس سلباً على المخيمات.

وقال: "نحن كحراك شعبي ونشطاء من أوائل الناس اللي بتنزل، ولكن اليوم للأسف ملتهيين بشي إسمو لقمة عيش، بالحياة المعيشية الصعبة، والغلاء الفاحش اللي حاصل، العالم عمبتركض ليل نهار حتى تأمن قوت ولادها اليومي".

وأشار إلى أن التحرك الخجول في المخيمات، سببه الرئيسي الانهيار الاقتصادي والمالي، والوضع المعيشي الصعب.

وتابع: "يعني اليوم إذا بتقول مظاهرة من أجل رغيف الخبر، العالم بتطلع، لكن، مظاهرة عشان القضية، اليوم العالم عمبتركض عشان رغيف الخبز.." !!

كما لفت إلى أن ما يجري اليوم في لبنان، من خلال الضغط عليه اقتصادياً ومادياً وتجويع الشعب الفلسطيني واللبناني، هو من أجل تمرير "صفقة القرن"، وفق أبو قاسم.

 

ما المطلوب؟

اعتبر عضو قيادة الجبهة الديمقراطية في مخيم عين الحلوة، سمير الشريف، أن قرار الضم جاء بظروف وطريقة تتواءم مع ظروف الفلسطينيين القاسية، لتمريره.

ومن وجهة نظر الشريف، فإن التصعيد ضد الفلسطينيين في لبنان بدأ مع أزمة وزارة العمل، وما تلاها من أزمات، كلها أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية لمجتمع اللجوء، وعلى الرغم من تأثير الأزمة على جميع من في لبنان، إلا أن الفئة الأكثر تضرراً هم اللاجئون الفلسطينيون.

هذا لا يعني، بحسب الشريف، أن الفلسطيني رفع الراية البيضاء، إلا أن أموراً عديدة باتت اليوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى للتصدي لمخططات الاحتلال الإسرائيلي.

هذه المتطلبات تتمثل في إنهاء حالة الانقسام "القاتل"، والتحلل الكامل من جميع اتفاقيات أوسلو والالتزام بقرارت المجلسين المركزي والوطني، إلى جانب إطلاق المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، وتساندها غزة.

وهنا يبرز دور اللاجئين الفلسطينيين، الذين يساندون حينها التحركات الميدانية في الضفة قطاع غزة.

 

مصالح شخصية مرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي

لكن الشريف لم يبد تفاؤله بتوجه السلطة الفلسطينية نحو ما ذكره، خصوصاً مع ما جرى كشفه عن "خطة فلسطينية بديلة لصفقة القرن".

وهو ما كشفته وكالة "فرانس برس" الفرنسية، أن السلطة قدمت للإدارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وروسيا، خطة تتضمن "استعداد الفلسطينيين للعودة للمفاوضات المباشرة مع "إسرائيل"، من النقطة التي تم التوقف عندها بالعام 2014"، مع "موافقة على دولة محدودة، ومنزوعة السلاح، تعمل بداخلها قوات شرطية قوية، لفرض القانون فقط".

ولفتت الوكالة، إلى أن السلطة الفلسطينية أبدت استعدادها من خلال هذه الخطة، لـ "الموافقة على تبادل الأراضي على أساس حدود العام 67، ووجود قوات دولية من الأمم المتحدة، من أجل حفظ السلام بين الطرفين".

وقال الشريف للأسف إن هذه هي حسابات البيروقراطية الفلسطينية وحسابات الأشخاص، فالسلطة تعبر عن المتنفذين السياسيين الفلسطينيين الذين ترتبط مصالحهم مع مصالح الاقتصاد الإسرائيلي.

وأضاف: "كل العالم تضامن معنا وينقصنا أن نتضامن نحن مع أنفسنا"، متسائلاً: "ألم يحن الوقت لتشكيل جبهة وطنية فلسطينية؟"

وذكر أن هذه الجبهة، التي لا تكون بديلاً عن منظمة التحرير، وتضم كل الأحزاب والفئات واللجان والجمعيات، لها حدان: حد أدنى: إسقاط صفقة القرن، وحد أقصى: تحرير فلسطين.

لبنان-خاص/ بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد