مر عام على الحراك الذي عمَّ المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان ضد إجراءات وزارة العمل اللبنانية السابقة ضمن حملتها لـ "مكافحة العمالة الأجنبية".
تلك الإجراءات تعاملت مع اللاجئ الفلسطيني في لبنان منذ سبع عقود كاللاجئ الأجنبي، وأرغمته على تحصيل إجازة عمل للعمل في مهن حرة ويومية، فهو بالأصل محروم من حق العمل إلى جانب حقوق إنسانية ومدنية أخرى.
عانى الفلسطينيون في لبنان، على مر عقود خلت، من قوانين رسمية توصف بـ الـ "عنصرية" و"التمييزية"، إلى أن أقر الوزير السابق، كميل أبو سليمان، إجراءات ضد العمالة الأجنبية، بينها الفلسطينية، والتي بدأت مظاهرها التنفيذية مع إغلاق مؤسسة "العارف للسيراميك" في منطقة الكورة في 11 تموز/ يوليو 2019، لتكون القشة التي قسمت ظهر البعير، وتعم تدريجياً المظاهرات والفعاليات في جميع المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
بعد أسابيع خف وهج التظاهرات إثر إعلان غير رسمي من حكومة سعد الحريري باستثناء اللاجئ الفلسطيني من الإجراءات، وتداعي الفصائل الفلسطينية إلى اجتماعات مكثّفة مضطرة تحت الضغط الشعبي، أسفرت عن تشكيل هيئة عمل مشترك لوضع ورقة مطالب بالحقوق الأساسية للفلسطينيين، ليصار إلى تقديمها للجانب اللبناني.
لكن مع اشتداد الأزمة السياسية واندلاع ثورة 17 تشرين أول/ أكتوبر في لبنان وتغيير الحكومة لم تُقدم الورقة، وتغيرت الأوضاع.
فواقع الحال اليوم، يشير إلى التدهور المستمر في أوضاع فلسطينيي لبنان على جميع الصعد، مع ارتفاع نسب البطالة بشكل مهول، ووصول نسبة الفقر إلى معدلات غير مسبوقة.
هذا التقرير يسلط الضوء على أسباب عدم نجاح الحراك في تحقيق مطالبه، إلى جانب الواقع الفلسطيني اليوم وأثر أزمة وزارة العمل فيه.
دور الشتات الفلسطيني خارج لبنان لا يقتصر فقط على التحركات، بل كذلك على الضغط دولياً على بعض الوزارات أو الحكومات أو الجهات النافذة في لبنان لتغيير الوضع الفلسطيني.
نقاط ضعف الحراك
الكاتب والباحث الفلسطيني، أحمد الحاج، أشار إلى أن نقطة الضعف الرئيسية في الحراك ضد إجراءات وزارة العمل تمثلت في غياب المشروع والخطة طويلة الأمد.
وأوضح الحاج أن العاطفة والغضب كانا حاضرين في الحراك، لكنهما وحدهما لا يكفيان لتحقيق المطالب.
واعتبر الحاج أن "الفشل مشترك"، فـ "الفلسطيني لم يستنفر كل أدوات القوة لديه، ليس القوة العنفية، بل القوة الفلسطينية خصوصاً الشتات الفلسطيني، خارج لبنان، كان شبه مغيب، على الرغم من أنه كان مستعداً للتظاهر والتحرك.. شهدنا بعض التحركات لكنها كانت عفوية ودون نفس طويل أو تخطيط".
ولفت إلى أن دور الشتات الفلسطيني خارج لبنان لا يقتصر فقط على التحركات، بل كذلك على الضغط دولياً على بعض الوزارات أو بعض الحكومات أو على بعض الجهات النافذة في لبنان لتغيير الوضع الفلسطيني، إلى جانب الدعاوى الدولية، على الصعيد القانوني.
وركّز الحاج على غياب دور الفلسطينيين في الداخل، وتحديداً الضفة الغربية وقطاع غزة، لدعم مطالب اللاجئين الفلسطينيين، على اعتبار أن الإعلام مسلط نحو هاتين البقعتين جراء كونهما تعانيان من الاحتلال الإسرائيلي.
لغياب هذه العوامل، قال الحاج: إن الحراك كان "أشبه بفورة نعبر فيها عن غضب ليس لتحقيق المطالب، لكن للأسف ننفس عن الجمهور"، فيما يجب أن يكون المقصود إحداث تغيير في الواقع الفلسطيني على كل الصعد ومن بينها قضية العمال الفلسطينيين.
الفصائل تعاملت بالعاطفة، وأخطأت كثيراً على الصعيد السياسي وإدارة الحراك.
دور فصائلي باهت بشكل عام
وحول الدور الفصائلي، قال الحاج: "بصراحة وإنصاف، السلطة الفلسطينية معنية في الداخل الفلسطيني، والسلطة الفلسطينية من مساوئها أن شطبت دور منظمة التحرير بشكل أساسي.."
وشدد أنه "إذا جاز الغضب والعاطفة على الصعيد الجماهيري، فإنه لا يجوز على الصعيد الفصائلي، على اعتبار أنه العقل الفلسطيني الذي يفهم الخبايا ولديه المعلومات، كما يفترض.. الفصيل بلا مشروع أزمة كبيرة تفقده مبرر وجوده".
وأوضح أن الفصائل عموماً تعاملت بالعاطفة، وأخطأت كثيراً على الصعيد السياسي وإدارة هذا الحراك، لا على الصعيد الوحدوي ولا على صعيد الحديث مع الجانب اللبناني واللعب على بعض التناقضات".
واستدرك: "لم تُدر الحراك بشكل واضح، هي سارت وراء الحراك إذا أردنا الدقة".
ولفت الحاج إلى أنه على الرغم مما برز من تناقضات بين الأطراف اللبنانية، لكنها تبقى تناقضات فرعية، مشيراً إلى أنه "ليس هناك أي قوة رئيسية في لبنان منحازة بشكل كامل إلى الحقوق المدينة الفلسطينية، وإذا كان البعض منحاز، فالصوت يبدو خافتاً جداً".
آثار مستمرة وتحركات غائبة
أما اليوم، فإن الفلسطينيين في لبنان يشهدون آثار هذه الأزمة، "هناك تبعات خطيرة في المخيمات والتجمعات، ورغم ذلك لا يوجد تحرك، وكأن القضية طويت على الرغم من أن مفاعليها مستمرة"، بحسب الحاج.
وأشار إلى أن "الواقع اليوم بائس يعكس غياب المشروع والرؤية والبرنامج"، إضافة إلى "غياب الأدوات، وإذا توفرت لا يحسن الفصيل أو السياسي استخدامها بشكل متقن أو جيد".
وفي ظل الواقع الاقتصادي اليوم في لبنان، اعتبر الحاج أن "الفلسطيني هو المتضرر الأكبر، نظراً للعوامل التي نعرفها من عدم إنصافه بالعمل، وسهل أيضاً عند أي مؤسسة متضررة أن تخرج الفلسطيني بداية من العمل" نظراً لغياب السند القانوني الذي يحمي هذا الفلسطيني.
وأكد أن هذه الأزمة تستوجب استنفاراً فلسطينياً واسعاً، مركزاً على دور الانتشار الفلسطيني في إغاثة الأهالي في المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
وحذر الحاج من بداية بروز سوء التغذية على عائلات كثير من المخيمات، لعجزها عن تأمين المواد الغذائية الأساسية: "بعض المواد من فاكهة وغيرها لا تدخل بعض البيوت".
نعيش اليوم بلا مرجعيات أو مسؤول أو قيادة أو "أونروا".
سعي لإرضاخ الفلسطينيين للقبول بمشاريع التسوية
محمد أبو قاسم، مسؤول الحراك الشعبي في مخيم نهر البارد، اعتبر أنه لا جديد منذ عام وإلى اليوم، بل إن الأمور من سيء إلى أسوأ، إن كان على الفلسطيني وعلى اللبناني بشكل عام.
وربط أبو قاسم في حديثه مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، الأوضاع الحالية بالشق السياسي، والضغوطات الغربية الصهيونية لاستمرار عيش الفلسطينيين بقهر وحرمان بهدف إرضاخهم للقبول بمشاريع التسوية المتعلقة بشطب حق العودة والتوطين، بحسب قوله.
واللافت بحسب أبو قاسم، هو الغياب التام للمرجعية الفلسطيني ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا.
وأضاف: "نعيش اليوم بلا مرجعيات أو مسؤول أو قيادة أو "أونروا"، الشعب الفلسطيني وحيد.. هذه أسوأ مرحلة تمر على الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان".
وأوضح أن الوضع خلال الحراك كان أسهل مما هو عليه الآن، وتابع أنه في ظل الأزمة الاقتصادية والغلاء اليوم "ما في أي مساعدة للشعب الفلسطيني".
وطالب ببرنامج مستمر لإغاثة الشعب الفلسطيني لحين انتهاء الأزمة الاقتصادية في لبنان، داعياً القيادة الفلسطينية بجميع مكوناتها، و"اونروا"، إلى النظر بكل جدية وبكل مسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني.