وجّهت اللجنة الشعبية في مُخيّم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين خلال الأيّام الماضية عدّة رسائل احتجاج إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وإلى لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنيّة والإسلاميّة في قطاع غزّة، وإلى بلدية غزّة واللجنة القطرية، مُستهجنةً خلالها تحويل متنزه مُخيّم الشاطئ الوحيد إلى محلاتٍ تجارية تعود بالنفع على أصحاب رؤوس الأموال في المقام الأوّل.
الأرض المُقام عليها المتنزّه الوحيد في المُخيّم كان يُقام عليها منازل خاصة باللاجئين الفلسطينيين هدمتها قوات الاحتلال الصهيوني، وهي بالأساس أرض تابعة لوكالة "أونروا" وأقيم عليها المتنزه في العام 1996 بتمويل أهل الخير وأشرفت عليه بلدية غزة، وذلك حسبما أفاد رئيس اللجنة الشعبيّة في مُخيّم الشاطئ المهندس، نصر أحمد، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
وأشار أحمد خلال حديثه مع موقعنا، إلى أنّ "المتنزّه أقيم على أنقاض بيوت اللاجئين الفلسطينيين التي هدمتها قوّات الاحتلال بأمر من رئيس حكومة الاحتلال حينها أرئيل شارون في إطار محاربة الفدائيين، وعقب ذلك أصبحت الأرض خالية وعند مجيء السلطة للأراضي الفلسطينيّة تبرّع أهل الخير وأنشؤوا هذا المتنزّه ليصبح بعد ذلك تحت إشراف البلدية لفترةٍ طويلة، ووصل الأمر إلى ترك المتنزّه بلا صيانة وتطوير وسحبت البلدية المُشرف الخاص على هذا المتنزّه ليصبح أرضاً خالية أو ملعباً للأطفال في بعض الأوقات".
وأضاف أحمد على أنّ "اللجنة كانت تسعى خلال الفترة السابقة لجلب تمويل لترميم وتطوير المتنزّه الوحيد حتى يخدم اللاجئين وأطفالهم في المُخيّم، لا سيما وأنّ المُخيّم وكما يعلم الجميع لا يوجد فيه أي متنفّس آخر كالأماكن الترفيهيّة والمراكز الثقافيّة، حتى البحر تم تخريبه بالصخور وتآكل شاطئِه".
وأوضح أحمد أنّ "التطورات التي حصلت مؤخرًا هي قيام لجنة الزكاة بتحويل مكان مركز الشرطة القديم الذي هو ضمن أرض المتنزّه إلى ملعب معشّب وتقوم بتأجيره للاستفادة من الأموال التي تدخلها من ورائه على أساس أنّه أراضٍ حكوميّة لها الحق في التصرّف بها، وقامت اللجنة بالاتفاق مع اللجنة القطرية لإنشاء محلات تجاريّة و(دكاكين) لتأجيرها والاستفادة من الأموال العائدة منها للجنة الزكاة".
أرض المتنزّه ملك للاجئين الذين هجّرهم الاحتلال
ورأى أحمد خلال حديثه لموقعنا، أنّ "مشروع تحويل متنزّه المُخيّم إلى محلاتٍ تجاريّة يأتي على حساب اللاجئين والسكّان"، لافتاً إلى أنّ "الأولى أن تعود هذه الأرض إلى أصحابها ومُلّاكها الأصليين، اللاجئين الذي هدم الاحتلال بيوتهم قبل تحويل هذه الأرض إلى متنزّه".
وأكَّد أحمد على أنّ اللجنة الشعبيّة "تسعى وبكل جهد لإيجاد متنفّس للاجئين في هذا المُخيّم، لكي يلعب الأطفال بكل أمان، إحنا عنّا برامج الدعم النفسي للأطفال توقّفت من وكالة الغوث، وأيضاً المُخيّمات الصيفيّة متوقفة، ولا يوجد أي شي، وإذا زار أي شخص مُخيّم الشاطئ الآن سيرى الأطفال يلعبون في الشوارع وجميعنا يعلم ما هي خطورة اللعب في الشارع، الأولى أن يلعبوا في متنزّه محترم ويجلسون فيه".
جهات متنفّذة هي التي تقوم بتنفيذ المشروع
وتابع المهندس أحمد موجهاً حديثه إلى لجنة الزكاة: "هذا المتنزّه إذا تم ترميه وتطويره أفضل من إقامة المحلات التجارية. هذا المتنزّه يستطيع أن يحتوي قرابة 200 أسرة للترفيه عن أطفالها خاصّة في هذه الأجواء الحارّة"، مُشيراً إلى أنّ "اللجنة احتجت على هذا المشروع وأرسلت رسائل للجهات المعنيّة حتى تنقذ أطفال اللاجئين قبل فوات الأوان، واللجنة اليوم لا تستطيع فعل شيء عملي على الأرض سوى الاحتجاج، لأنّ الجميع يعلم أنّ هناك جهات متنفّذة هي التي تقوم بتنفيذ المشروع".
ويوم الاثنين 10 آب/ أغسطس، تداعت القوى الوطنيّة والإسلاميّة لاجتماعٍ طارئ في المُخيّم لمُناقشة خطورة هذا المشروع وانعكاسه السلبي بالتأكيد على اللاجئين الفلسطينيين، إذ أكَّدت جميع القوى الاثنتي عشرة المُجتمعة على أنّ "خطوة تحويل المتنزّه إلى مشروع تجاري خاطئة ومرفوضة تماماً ويجب التراجع عنها فوراً".
وقالت القوى في بيانها الختامي الذي وصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" نسخة عنه، إنّ "هذه الأوقات الصعبة والخطيرة تستهدف اللاجئين الفلسطينيين ومحاولات لشطب الشواهد على جريمة النكبة المتمثلة في استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين والمُخيّم وحق العودة وفق القرار 194، وإنّ أبرز هذه الشواهد والتي حاول الكثير القضاء على المُخيّمات من خلال مشاريع تطوير المُخيّم لصالح مشاريع تصفية قضية اللاجئين وإعطاء حالة من الاستقرار بالمُخيّم للرهان كي ننسى حق العودة".
وعبَّرت القوى عن موقفها القاطع والرافض "لما يجري من هدم المتنزّه والمتنفس الوحيد في المُخيّم الذي بالأساس يُعاني من اكتظاظ سكاني، والذي بدأ بالتمدد اتجاه المدن المتلاصقة ويُحاصر الفقر أزقته والمياه الغير صالحة للشرب وانعدام الخدمات وتآكل ساحل البحر الذي تحوّل لمكب للنفايات، وأمام كل هذا نتفاجأ بالهدم وبناء محلات تجارية وملعب معشّب لا يخدم إلا فئة معينة".
المُخيّم محطة انتظار لحين العودة
وطالبت القوى في بيانها "الجميع بالمحافظة على خصوصية المُخيّم ليبقى محطة انتظار لحين العودة، وعلى وكالة الغوث تحمُّل مسؤولياتها تجاه اللاجئين بتطوير خدماتها بما يتلاءم مع حاجاتهم، والعمل على تأهيل وتطوير المُخيّم الذي من ضمن نفوذها ومسؤوليتها.
كما طالبت القوى "الجهة المسؤولة عن هدم المتنزّه التراجع عن القرار لأن هذا القرار يزيد من معاناة اللاجئين بالتضييق عليهم في الوقت الذي يُعاني المُخيّم من اكتظاظ سكّاني وضيق بالشوارع، وعلى الجهات المسؤولة العمل للتخفيف عن 90 ألف نسمة من خلال تأهيل ساحل البحر من الجهة الغربية للمُخيّم والذي يُهدّد حياة الناس بسبب تآكل الساحل وانتشار النفايات مما تساعد على انتشار الأوبئة والأمراض".
ورأت القوى أنّ "كل المشاريع مرفوضة ومن يقف خلف تمويلها يستهدف المُخيّم وإخراجه من طابعه التراثي الوطني تحت تبريرات تطوير بنية المُخيّم، كما تبرر وكالة الغوث تغيير أسماء المدارس في الفترة الحالية"، مُطالبةً "بوقف كل أشكال التنفيذ تجاه المتنزّه استجابة للموقف الوطني الرافض لهذا الهدم، وسيبقى مُخيّم اللاجئين شاهد على جريمة النكبة وسيسقط ويزول كل من يحاول المساس بشموخ مخيماتنا الفلسطينيّة".
حالةٌ من الرفض الشعبي في المُخيّم لامسها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" خلال إعداد هذا التقرير، إذ قالت الناشطة الحقوقيّة دعاء سالم: إنّ "الأفضل أن يبقى متنزّهاً ويتم إعادة إعماره كحديقة ومنفس وحيد لأهالي مُخيّم الشاطئ".
سياج سيخنق أهالي المُخيّم
ورأت الناشطة أنّ "هذا حق للاجئين الفلسطينيين في أن يكون لهم مكان قريب يتنفسون فيه هم وأولادهم، وألّا يتم التضييق على اللاجئين في ظل الأوضاع التي تمر بها البلد بشكل عام"، مُشيرةً إلى أنّ ذلك "أفضل من الاستثمار والعائد الوحيد من وراء تحويله لمشروع هو المصلحة الشخصية ليس إلّا، فيجب على المسؤولين أن يعملوا ويجتهدوا على تفعيل ما يعود على المصلحة العامة التي تناسب اللاجئ التي تعمل له لا ضده، وهذا البناء إن اكتمل ستكون المنطقة عبارة عن سياج سيخنق أهالي المُخيّم".
أمَّا اللاجئ الفلسطيني الحاج أبو محمود بكر، فرأى أنّ "كل المصائب منذ النكبة التي حلّت بنا كلاجئين جاءت من وراء مصالح أصحاب رؤوس الأموال ونفوذهم. بيستكتروا علينا شقفة أرض يلعبوا فيها الصغار!، كيف بيفكروا، بس في مصالحهم الله وكيلك"، مُردفاً حديثه: "ليس فقط بوقف هذا المشروع وتركه متنفساً لأطفال المُخيّم، بل يجب عليهم تخصيص قطعة أرض وإقامة أجمل متنزّه لأطفال هؤلاء اللاجئين الذين تحمّلوا وما زالوا شتّى أنواع القهر والظلم".
مُخيّم الشاطئ غرب مدينة غزّة يعيش فيه أكثر من 85,628 لاجئاً، على مساحة لا تزيد عن 0.52 كيلومتر مربع فقط، ويعتبر ثالث أكبر مُخيّمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، وواحد من أكثر المُخيّمات اكتظاظاً بالسكّان، وتجدر الإشارة إلى أنّ القطاع بمُخيماته بوجهٍ عام يُعاني من قلة الأماكن المفتوحة والمناطق الترفيهيّة والمساحات الخضراء، وهو ما ينعكس بالتأكيد سلباً على حياة السكّان لا سيما الأطفال منهم، وفي ظل أيضاً ظروفٍ معيشية قاهرة بفعلٍ عواملٍ عديدة لعل أبرزها الحصار "الإسرائيلي" المفروض منذ أكثر من 14 عاماً على التوالي.