"حبيبي بقله تقلقش".. بلسانٍ ثقيلٍ وجّه الطفل عيسى الطيطي من على سريره في المستشفى هذه الكلمات إلى والده ربّما للرفع من معنوياته، هذا الطفل الذي كان "الشاش الطبي" يُغطي وجهه جرّاء جروحه التي أصابه بها جيش الاحتلال، هو أحد أبناء مُخيّم العروب للاجئين الفلسطينيين في محافظة الخليل بالضفة المحتلة، إذ أطلق عليه جنود الاحتلال النار وسط المُخيّم واعتدوا عليه بالضرب المبرح قبل أن يعتقلوه ليلحق بشقيقيه الطفلين إلى داخل المعتقل.
يتواجد الطفل عيسى الآن في مستشفى "هداسا" الصهيوني مكبّل الأرجل، في حين أنّ عائلته ممنوعة من الزيارة للاطمئنان عليه.
رواية الاحتلال كاذبة
تقول جدته الحاجة هدى الطيطي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إنّ "عيسى رأى جيبات جيش الاحتلال في الشارع، لكن هم يكذبون ويقولون أنّهم اعتقلوه على خط التماس وقرب البرج العسكري"، مُؤكدةً أنّ "هذه الرواية كاذبة بل أطلقوا عليه النار في وسط المُخيّم وهناك شهودٌ على ذلك. الجيبات كانت على باب دكان بلال الفضيلات، ولما شافهم عيسى شرد (هرب) ومن ثم أطلقوا عليه النار وقبضوا عليه ونقلوه إلى التحقيق".
ثلاثةُ أشقاء خلف القضبان
وتتابع الحاجة واصفةً ما جرى مع طفل ولدها لموقعنا: "داخل الجيب استلمه أربع جنود وانهالوا عليه بالضرب المبرح ولديه الآن إصابة في رأسه وفي أنفه وفي رجليه، وبعدها نقلوه على مستشفى هداسا، وإحنا ما نعرف انو هناك، إحنا عرفنا من الناس".
هذه الحاجة التي تتحلّى بالصبر كان ملاحظاً عليها القوة أثناء روايتها لما اقترفه جنود الاحتلال بحق طفلٍ لا حول له ولا قوّة، وهناك ثلاثة أشقاء من أحفاد هذه الحاجة معتقلون داخل سجون الاحتلال، فبالإضافة إلى عيسى هناك محمد المعتقل في عام 2019 وكان يبلغ من العمر (17 عاماً) والآن موجود في سجن "مجدو" ومحكوم سنتين ونصف.
وهناك أيضاً جهاد البالغ من العمر (17 عاماً) الذي تم اختطافه من منزله بطريقةٍ وحشيّة ويقبع الآن في سجن "مجدو" رغم ظروفه الصحيّة الصعبة.
"حنضل نقاوم وندافع عن أرضنا"
جدّة الأطفال الثلاثة عادت وأكَّدت لموقعنا: "إحنا مش لاجئين، إحنا لجأنا عام 1948 من عراق المنشية وجابونا وحطونا في المُخيّم، إحنا الجيل هاد، والجيل اللي جاي، والجيل اللي بعدو راح تضل ريحة الوطنية وندافع عن أرضنا وعن وطنّا لنحقّق مطالبنا".
اعتقال 18 ألف طفل منذ انتفاضة الأقصى
قبل أيّام وتزامناً مع الذكرى العشرين لانتفاضة الأقصى، قال المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، إنّ "سلطات الاحتلال الصهيوني اعتقلت أكثر من (120) ألف فلسطيني منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر/ أيلول عام 2000".
وأوضح فروانة، في تقريرٍ له، أنّ "الاعتقالات طالت الكل الفلسطيني، ولم تستثنِ أحداً من الفلسطينيين، ذكوراً وإناثا، صغاراً وكباراً، وشملت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني، ومن جميع المحافظات الفلسطينية"، مُؤكداً أنّ "من بين حالات الاعتقال خلال العقدين الماضيين سُجل اعتقال نحو (18000) طفل فلسطيني، والعشرات من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني والوزراء السابقين، بالإضافة إلى اعتقال المئات من الصحفيين والأكاديميين والقيادات السياسية والمجتمعية".
ولفت فروانة في تقريره إلى أنّ "عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يبلغ اليوم نحو (4500) أسير، بينهم (40) أسيرة، و(140) طفلًا، و(340) معتقلًا إداري".
يُشار إلى أنّ مُخيّم العروب للاجئين الفلسطينيين يشهد أكثر حالات اعتقالات في صفوف أطفاله في انتهاكٍ صارخٍ للمواثيق والمعاهدات الدولية، فمن يُنقذ الأطفال ويُحاسب الاحتلال؟.