أحمد أبو حسنة - البرازيل
لعل اختيار جامعة ساو باولو (USP)، والتي تعتبر الجامعة الأشهر والأكثر عراقة في البلاد، لتقام فيها الندوة الأولى حول الهجرة واللجوء وحقوق الإنسان، يعتبر دليلاً على أن هذا الموضوع بات يحتل أهمية أكبر من ذي قبل في البرازيل. فقد استضافت قاعة "جواو (يحيى) يونس" الجامعية أعمال هذه الندوة المفتوحة التي استمرت على مدار يوم الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري.
وقد ناقشت الندوة عدة محاور، تنوعت بين قضايا "الهجرة المعاصرة" و"الهجرة إلى البرازيل" و"اللاجئون بين الإنسانية والإقصاء"، و"الهجرة من أفريقيا والشرق الأوسط". كما تخلل النشاطات نقاشات بين المحاضرين والجمهور وعرضاً لفيلم وثائقي. وتم إطلاق تقرير أعدته بلدية ساو باولو حول اتفاقية "ميركوسول" التي تسمح بحرية انتقال الأفراد بين دول أمريكا اللاتينية.
هذه الندوة التي شاركت فيها عدة جهات أكاديمية ذات وزن اعتباري، وبمشاركة من بلدية ساو باولو، جاءت بعد أيام على إقرار مجس النواب البرازيلي لـ "قانون العفو"، القاضي بقوننة أوضاع كل من دخلوا البلاد بطرق غير شرعية قبل تاريخ الرابع من تموز/يوليو من العام الجاري.
ورغم عدم صدور التعليمات التنفيذية للقانون بعد، إلا أنه من المتوقع أن يحل مشاكل أكثر من ستين ألف مهاجر "دخلوا البلاد بطرق غير شرعية"، عبر منحهم حق الإقامة واستصدار أوراق قانونية لهم.
ورغم أن قوانين مشابهة صدرت سابقاً في البرازيل لتحل مشاكل المهاجرين "لأسباب اقتصادية"، إلا أنها جاءت في فترات زمنية متباعدة على عكس ما حصل هذه المرة، حيث لم يمضِ على آخر قانون صدر بهذا الخصوص أكثر من سبع سنوات.
تؤكد مصارد حقوقية على أن قضايا الهجرة واللجوء في البرازيل ستنال حيزاً أكبر في المستقبل القريب، وتشير هذه المصادر إلى الاحصاءات التي نشرتها اللجنة الوطنية لشؤون اللاجئين "كوناري CONARE" في البرازيل في بداية هذا الشهر، والتي أعلنت أن "عدد اللاجئين المسجلين اليوم في البرازيل وصل إلى 8600 لاجئ". إضافة إلى "ما يقارب 30 ألف طالب لجوء" لا زالت طلباتهم قيد الدراسة.
وكان مدير قسم الأجانب في وزارة العدل البرازيلية "باولو غيها Paulo Gerra" قد صرح مؤخراً أن "عدد اللاجئين في البرازيل ارتفع بمعدل ألفين بالمئة في العام 2014 بالمقارنة مع العام 2010". وتعود أصول غالبية اللاجئين في البرازيل اليوم إلى "هايتي" و"سوريا"، فيما جاء الباقون من عدة دول إفريقية "ليبريا" و"سيراليون" و"الكونغو الديمقراطية"، وعربية أبرزها "فلسطين" و"لبنان" و"العراق".
البرازيل التي شهدت في ماضيها موجات عديدة من الهجرة، تعاملت دوماً مع المهاجرين بوصفهم مهاجرين لأسباب اقتصادية واجتماعية. إلا أنها، ومع تصاعد دورها الإقليمي والدولي في العقد الماضي، بدأت بالتفريق قانونياً بين المهاجرين واللاجئين. فبعد قيادتها لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في هايتي عبر إرسالها عدة آلاف من جنودها، استقبلت البرازيل ما يصل إلى ثماني آلاف طالب لجوء من هايتي! وبإتاحتها لبرنامج التأشيرات الإنسانية لضحايا الحرب في سوريا، استقبلت عدة آلاف من ضحايا هذه الحرب أيضاً.
ويبدو أن البرازيل، الطامحة بشدة نحو حضور أكبر في الساحات الدولية، قد أدركت أن ملف اللاجئين سيكون من الملفات الساخنة دولياً، خاصة مع اتساع رقعة الحروب وتصاعد الصراعات الدولية في غير مكان. وهذا ما بدا بوضوح في خطاب الرئيس البرازيلي "ميشيل تامر"، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، والذي قال فيه: "نشعر أن المناطق الساخنة تزداد ولا تزول... ولا تزال الحرب في سوريا مصدراً لمعاناة غير مقبولة"، مضيفاً أن "البرازيل تعتبر مقصداً للاجئين من دول مختلفة". داعياً في الوقت نفسه "إلى التعامل بجدية مع قضايا اللاجئين، وتحديث القوانين الوطنية والدولية لاستيعاب أزمة اللاجئين".
ولا بد هنا من الإشارة أيضاً إلى المفاوضات السياسية والاقتصادية التي أجراها، ولا يزال، الاتحاد الأوروبي مع عدد من الدول، لاستيعاب ما خلفته "موجات اللجوء" الأخيرة نحو أوروبا. فقد كشفت عدة مصادر عن "مشروع صفقة" كانت تجري بين الحكومتين الألمانية والبرازيلية، في العام الماضي، كان يتضمن "نقل مائة ألف لاجئ سوري من ألمانيا إلى البرازيل". ولكن المحادثات لم تستكمل.
أما منظمو الندوة، فقد صرحوا أن "الهدف منها كان لمناقشة قضايا الهجرة واللجوء في سياقهما الدولي والمحلي من وجهة نظر حقوق الإنسان". وإضافة إلى العدد المتزايد من اللاجئين، والذي لا تبشّر كل الأوضاع بأنه سينحسر قريباً، فإن البرازيل لا تزال تشكل مقصداً لعشرات الآلاف من المهاجرين سنوياً؛ والذين تصل نسبة كبيرة منهم إلى البلاد بطرق غير شرعية.
في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون في البرازيل، وفي ظل غياب برنامج رعاية حكومي يرقى للإيفاء بحاجات اللاجئين، فإن هذه الندوة تبقى مجرد خطوة على طريق وضع تصورات لتطوير وضع المهاجرين واللاجئين في البرازيل. علها تصل إلى إقرار برامج رعاية حقيقية لهم، توفر لهم دعماً حكومياً لتعلم اللغة، واستمرار التحصيل الدراسي، والتأهيل لدخول سوق العمل بشكل سلس.. لمساعدتهم في بدء حياة جديدة.