واجهت مصلحة الهجرة السويدية أكثر من 70 عائلة فلسطينية مهجّرة من العراق، وقصدت المملكة السويدية خلال السنوات الأخيرة، بقرارات رفضها لطلبات لجوئهم، بدعوى "أنّ العراق بلد آمن ويستطيعون العودة إليه"، حسبما أكّد لاجئون مرفوضة طلباتهم لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
وأثارت قرارات الرفض، حالة من الاستهجان لدى هذه العائلات، نظراً لكون العراق لا يستقبلهم، بعد أن أمضى بعضهم سنوات عديدة خارجه، وانتهاء صلاحيّة هويّات الإقامة التي يمنحها العراق للاجئين الفلسطينيين لديه، فضلاً عن عدم اعتراف السفارة العراقيّة بهم خلال مراجعتهم لها.
"محمد أبو حمدي" لاجئ فلسطيني وصل إلى السويد في العام 2019 الفائت، أكّد لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" رفض دائرة الهجرة طلب لجوئه، والطلب منه مراجعة السفارة العراقيّة للقيام بإجراءات العودة إلى هنّاك بحجّة أنّ البلد آمن.
الرفض السويدي يأتي رغم القرارات التي أوقفت مساواة اللاجئ الفلسطيني بالمواطن العراقي
وأشار أبو حمدي إلى أنّه قد قام بالفعل بمراجعة السفارة العراقيّة، علّه يحصل على كتاب منها موجّه إلى مصلحة الهجرة، يفيد بعدم قدرته على العودة إلى العراق، ليواجهه موظفو السفارة بقولهم:" نحن لا علاقة لنا بهذا الأمر، ولا نستطيع ارجاعك إلى العراق ولا اعطائك كتاباً حول ذلك".
وعبر اللاجئ الذي غادر العراق منذ العام 2008 هرباً مما وصفه بـ"جحيم التهجير الطائفي"، عن استهجانه من قرار دائرة الهجرة السويدية، الذي يعكس تجاهلاً منها للوقائع التي تغيّرت في العراق، والتي أسقطت عن اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروه منذ سنوات، أوراقهم الثبوتية الصادرة عن حكومة بغداد.
وأوضح أبو حمدي، أنّ إقامته وإقامة عائلته في العراق صادرة منذ العام 1996، وبعد مغادرتهم جرت عدّة تغييرات في هذا البلد سقطت بموجبها الإقامة، وجرى إسقاطهم من القيود الإحصائيّة بعد رحيلهم.
ويأتي الرفض السويدي، رغم قرارات الحكومة العراقيّة، وأبرزها الصادر في حزيران/ يونيو 2018، الذي قضى بوقف العمل بالقانون "202" لعام 2001 الصادر عن مجلس قيادة الثورة في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، والذي يساوي اللاجئ الفلسطيني بالمواطن العراقي من حيث الحقوق المدنية، حيث اعتبر الفلسطيني في العراق بعد الغائه وافداً لا لاجئاً، وبالتالي لا يحق له العودة إلى البلاد في حال غادرها الّا بموجب تأشيرة دخول، حاله في ذلك حال الاجانب الذي يزورون البلاد.
"بلا دولة" ويُطلب منهم العودة إلى بلد ليس بلدهم !
ولفت اللاجئ الفلسطيني إلى انعدام المنطق في قرار دائرة الهجرة، حيث أنّها تقوم بتثبيت حالة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق تحت توصيف "بلا دولة" إلّا أنّها تقوم برفض طلبات لجوئهم وتطلب منهم العودة إلى بلد ليس بلدهم، وعبّر عن الأمر بقوله: " كأنهم يطلبون من مواطن مصري أقام في العراق لمدّة عشرين عاماً بأن يعود إلى العراق بدل إعادته إلى مصر" مضيفاً " فليعيدونا إلى فلسطين وليس العراق".
وتقوم مصلحة الهجرة السويدية منذ نحو عامين، بتوسيع دائرة قرارات الرفض والترحيل بحق طالبي اللجوء، وذلك بناء على اتفاق مبدئيّ أبرمته الحكومة السويدية برئاسة ستيفان لوفين، مع الأحزاب البرلمانية منذ أيّار/ مايو من العام الجاري، يقضي بترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، وانعكس ذلك على الفلسطينيين المهجّرين من العراق رغم أوضاعهم الاستثنائيّة.
الّا أنّ شمل الفلسطينين المهجّرين من العراق بهذه القرارات، يأتي مناقضاً لاعتراف أممي بمأساتهم وما تعرّضوا له من عمليات تهجير ممنهجة على يد قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات المذهبيّة بعد العام 2003، حيث فتحت المفوضيّة الساميّة لشؤون اللاجئين "UNHCR" أبواب "إعادة التوطين" لهم في بلد ثالث، بعد تهجير معظمهم إلى مخيّمات عند الحدود العراقيّة السوريّة.
ويشير اللاجئ أبو حمدي لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إلى أنّ خروجه وعائلته من العراق، جاء إثر الاحداث المذهبيّة وتعرّض الفلسطينيين في العراق لأعمال تهجير ممنهجة، حيث توجّه إلى تايلاند وأقام فيها لمدّة 6 سنوات مُنتظِراً "إعادة التوطين" من قبل المفوضيّة، قبل أن يغادر إلى تركيّا التي توجّه منها إلى السويد عبر البحر، لتواجهه السلطات برفض لجوئه والطلب منه العودة إلى العراق.
مهجّر مسجّل بالأمم المتحدة ورُفض
لاجئ آخر رُفض طلب لجوئه في السويد هو وأسرته، بعد 14 شهراً على وجوده في البلد، رغم تقدّمه بكافة الأوراق الثبوتيّة التي تؤكّد وضعه كلاجئ مهجّر من غرب العراق، وعدم قدرته على العودة، نظراً لتدمير منزله، وحساسيّة وضعه كفلسطيني.
وقال لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينين" إنّه من مواليد العراق، وهُجّر من مكان سكنه إثر احتلال تنظيم "داعش" للمدينة التي يقيم فيها غرب البلاد عام 2014، ولم يتمكّن من العودة إليها بسبب أوضاعها المضطربة.
وأضاف، أنّ بعد تهجيره وعائلته، قصد مدينة أربيل في اقليم كردستان، وعاش هناك في مخيّمات النازحين، وقام بالتسجيل في مفوضيّة اللاجئين "UNHCR" منذ العام 2016، قبل أن يهاجر إلى السويد عام 2019، حيث لم يفلح في تحصيل اللجوء الانساني رغم تقديمه كل ما يثبت أنّه لاجئ فلسطيني مهجّر.
الفلسطينيون في العراق وخاصة بالموصل وغرب البلاد يعانون من الانفلات الامني
وأشار إلى أنّ رفض لجوئه، جاء بحجّة " أن العراق بلد آمن ويستطيع العودة إليه" وذلك بعد مقابلة أجراها مع دائرة الهجرة، تعرّض خلالها لتحقيق استمرّ لستّ ساعات، قدّم خلاله ما يثبت أنّه تعرّض للتهجير اثر تدمير منزله بعد دخول "داعش" إلى المدينة.
كما لفت اللاجئ الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ اللاجئين الفلسطينين في العراق وخصوصاً في غرب البلاد، يعانون أوضاعاً أمنية استثنائيّة في ظل الاوضاع التي تسيطر على المناطق بعد خروج تنظيم "داعش" حيث يجري التعامل معهم على الحواجز كمشتبه بهم، فضلاً عن انتهاء صلاحية اقامتهم في العراق بعد خروجهم، الأمر الذي يجعل عودتهم مستحيلة.
ويعيش الفلسطينيون في العراق أوضاعاً معيشيّة وقانونية وأمنية مزرية، وخصوصاً بعد صدور قرار بتجريد المقيمين العرب من حقوقهم كلاجئين، ومنها وقف صرف الحصّة التموينية الشهريّة، ومنع حقوق التقاعد للموظف المتوفي لورثته، بالإضافة إلى فرض رسوم على التعليم والصحة، وحرمانهم من الاكتتاب على السكن ضمن المشاريع السكنية، وشمل القرار اللاجئ الفلسطيني باعتباره مقيماً عربيّاً في البلاد، الأمر الذي دفع الكثيرين منهم بعد صدور القرار، للهجرة من العراق، قبل أن تواجههم قوانين متشددة حيال المهاجرين كما هو الحال مع الذين قصدو السويد مؤخرّاً.
كما تجدر الإشارة، إلى أنّ فلسطينيي العراق لا يخضعون لتعريف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ولا تشملهم الوكالة ضمن مناطق عملها، وجرى اعتبارهم كلاجئين لدى دولة العراق منذ خمسينيات القرن الفائت، ولكنهم تعرضوا منذ الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، إلى عمليات قتل تهجير واسعة على يد الميليشيات المسلّحة، وبات هناك التباس في اعتباريتهم القانونية في البلاد بسبب تبدل نظام الحكم، وعدم احتوائهم كلاجئين من قبل الحكومات التي تعاقبت على العراق عقب الغزو.