قد يبدو غير لافتٍ للانتباه -على عكس السابق- إذا رأينا اليوم أسماء أسرةٍ بكاملها في كشوفات السفر عبر معبر رفح البري في قطاع غزّة الذي يفتح أبوابه بين الحين والآخر في وجه المرضى والطلاب وأصحاب الإقامات، ومن جديد العائلات أو الشبّان الراغبون في الهجرة من القطاع بحثاً عن مكانٍ مريح من ناحية العمل وتأمين الحياة الكريمة.
في الآونة الأخيرة زادت رغبة الشباب في قطاع غزّة إلى الهجرة، لا سيما مع استمرار الحصار الصهيوني منذ قرابة 14 عاماً الذي ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة في القطاع، ووسط انقسامٍ فلسطيني مُستمر لا يُبشّر بخيرٍ على المدى المنظور، فيُمسي أهالي القطاع كما يُصبحون والعكس صحيح مع تفشي معدلات البطالة والانعدام الغذائي بين أواسط السكّان بلا أي بصيص أمل.
حاولت الهجرة 19 مرّة
في هذا التقرير استطلعنا آراء عدّة شبّان من القطاع للحديث حول الهجرة وأسبابها ودوافعها، يقول اللاجئ الفلسطيني من بلدة الجورة اسماعيل أبو ديّة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّه حاول الهجرة 19 مرّة للبحث عن مستقبلٍ أفضل، لكن في كل مرّة تُعيده فيها السلطات المصرية إلى قطاع غزّة.
وأوضح أبو ديّة أنّ الأسباب التي دفعته للهجرة كان أبرزها قلّة الإمكانيات وفقر المؤسسات للتشغيل، وعدم المقدرة على توفير مستقبل وسط هذه الظروف الاقتصاديّة الصعبة.
معبر رفح يفصلني عن العالم وسأهاجر ولو عن طريق غير شرعي!
أمَّا خريج الإعلام مصطفى الملاحي، فقد بيّن لموقعنا أنّه يُريد المغامرة وخوض تجربة الهجرة، سواء بطريقةٍ شرعيّة أو غير شرعيّة، لأنّه كشابٍ غزّاوي وصل إلى مرحلة يُرثى لها، لافتاً إلى أنّه يريد السفر ليرى العالم، لكن معبر رفح المغلق الآن يحول دون ذلك.
وأكمل الملاحي: وضع الحياة في قطاع غزّة سيء للغاية، وفكرة الهجرة جاءتني كما كثير من الشباب الذين يؤمنون بهذه الفكرة سواء يعملون بمبالغٍ زهيدة أو لا يعملون من الأساس، وإذ نظرنا حولنا اليوم فلا نجد الكهرباء ولا حتى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
وفي السياق، قالت الطالبة الجامعيّة داليا أبو جبل، إنّ الشباب يصلون إلى عمر الثلاثين ولا يجدون أي فرصة للعمل بحكم الظروف، وهذا ما يجعلهم يفكّرون في موضوع الهجرة لتأمين مستقبلهم، حتى أنا عن نفسي أرغب في ذلك لأكوّن مستقبلي وأعتمد على نفسي وأنا في بداية عمرها.
سأهاجر لأتابع شغفي بعرض الأزياء
فيما قالت الطالبة الجامعيّة فريحة الزعيم، أنّها لو كانت في مكانٍ آخر غير غزّة لأكملت تعليمها في مجال الـmodeling، حيث عملت في مجال الـ modeling أكثر من مرّة، لكنّ التفكير والثقافات لو كانت في منطقة أخرى غير غزّة لكان من الممكن عمل الكثير من الأمور، على حد قولها لموقعنا.
كل الأعين نحو أوروبا عن طريق تركيا
بدوره، أكَّد رئيس جمعية السياحة والسفر في تركيا وسيم مشتهى، أنّ كل الأعين على دول أوروبا، مُشيراً أنّ أي شاب يرغب في السفر عليه الحصول على فيزا رسميّة من خلال القنصلية التابعة للبلد، وذلك من خلال طرق عدّة إمّا من خلال الجامعات أو المعاهد للقبول، وفي حالة عدم الحصول على القبول أو معهد اللغة سيتوجّه الشاب للسفر بطرق شرعيّة إلى تركيا، ومن تركيا يُخاطر الشاب حتى يصل، ونحن كشركات سياحة وسفر ضد هذا الأمر.
وأوضح مشتهى لموقعنا، أنّ السفارة التركية الآن في وقتنا الحالي مفتوحة، والشباب المهتمين بالسفر إلى تركيا تكلفة ذلك ليست باهظة الثمن والحصول عليها ليس صعباً، وفي ذات الوقت يتم ذلك من خلال تذكرة – فيزا – إقامة ويصل الشاب إلى إسطنبول، وبعد ذلك نفس الشاب يقرّر مصيره بنفسه.
من جهتها، دعت مدربة التنمية البشريّة هند أبو نجيلة إلى ضرورة أن يعرف الشاب قبل السفر ما هي وجهته، وما هو السبب وراء اللجوء لخيار لهجرة، وألّا يكون الأمر عبثياً.
وقالت أبو نجيلة لموقعنا، إنّ الانقسام والحصار والاحتلال ليسوا هم الشمّاعة التي نعلّق عليها كل مشاكلنا، بل يجب أنّ نحاول ونفكّر خارج الصندوق قبل موضوع الهجرة، فمثلاً نبحث عن فكرة جديدة من الممكن أن تضيف لنا قوّة فكل إنسان لديه نقاط إبداع وتميّز وإرادة وتحدّي، وإذا رأيت أنّني لا أستطيع ذلك ورأيت الأمور مغلقة أمامي أحاول أن أهاجر، ولكن أهاجر إلى مكان أضمن فيه نفسي وأضمن فيه مستقبلي، وأضمن أنني إذا وقعت في أزمة داخل البلد الذي سأهاجر إليه ألّا أدفع ضريبة ذلك على نفسي.
من معبر رفح تبدأ أولى خطوات الشباب والعائلات نحو الهجرة، ولكن طريقها ليس سهلاً، فهناك من عاد ودخل من نفس بوابات معبر رفح ولكن محمولاً في تابوت، والأمرُّ من ذلك هناك عشرات الفلسطينيين ما زالوا في عداد المفقودين على هذه الدرب، ولعلّ المأساة الأكبر في هذا الجانب هم مفقودي سفينة 6-9 الذين اختفوا منذ قرابة ستّة سنوات حتى اليوم، وسطٍ تأكيدٍ من عدّة عائلات أنّ أبنائهم ما زالوا على قيد الحياة ولكن في السجون المصريّة.
شاهد الفيديو