كان عام 2020 من أسوأ الأعوام التي مرّت على اللاجئين الفلسطينيين في المُخيّمات، وخاصّة في قطاع غزّة المُحاصر من قِبل الاحتلال الصهيوني منذ قرابة 14 عاماً على التوالي، حيث زادت جائحة "كورونا" من معاناة اللاجئين، لا سيما في ظل استمرار تقليصات خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" المقدّمة للاجئين.
2020 العام الأخطر على الإطلاق
لا شك أن العامل الأبرز في معاناة اللاجئين الفلسطينيين يكمن في الاحتلال الصهيوني المستمر بفرض حصاره على الفلسطينيين في قطاع غزة، عدا عن غاراته المتواصلة بشكل متقطع على السكان العزل، حيث اعتبرت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار أن عام 2020 كان الأخطر على الإطلاق.
وفي آخر البيانات الصادرة عنها، اعتبرت أن استمرار الحصار للعام الرابع عشر على التوالي أوصل الحالة الإنسانية والصحية والاقتصادية لحالة كارثية صعبة، فيما زاد تفشي جائحة "كورونا" من تدهور الحالة الإنسانية المُنهكة أصلاً.
ويهدد الحصار، ومعه فيروس "كورونا" الأمن الغذائي لحوالي 70% من الأسر في غزة، فيما يعيش أكثر من 85% تحت خط الفقر، وارتفعت معدلات البطالة إلى ما نسبته 60%، فيما يزيد عدد العاملين المُعَطلين عن العمل عن 350 ألفاً، وفق أرقام اللجنة.
ويساهم الحصار المطبق في النقص الحاد بالمستهلكات الطبية والأدوية وأجهزة التنفس، ما يهدد حياة مئات الألوف من سكان القطاع.
اللجنة أشارت أيضاً إلى أن 80% من مصانع غزة أغلق منذ بداية الحصار، فيما تراجع مُعدل الإنتاج في المصانع التي تعمل إلى 20%، بسبب الاحتلال والحصار، ومنع دخول المواد الخام اللازمة للصناعة والاعتداءات وتقييد حركة الاستيراد والتصدير، وتدهور الوضع الاقتصادي لعمال المياومة وأصحاب المحال التجارية والورش.
كما أن عشرات المحال التجارية والمؤسسات والشركات أغلقت أبوابها خلال العام 2020 بسبب عدم قدرتها على العمل في ظل الجمود الاقتصادي والتراجع في مستويات الدخل والعملية الإنتاجية.
أكثر من 10 آلاف إصابة بكورونا داخل المُخيّمات
ويُضاف إلى الحصار، المسبب الرئيسي للمعاناة، تفشي فيروس "كورونا" وتقليصات "أونروا" المتواصلة، ما ألقى بظلاله على مناحي الحياة كافة داخل المُخيّمات.
أصيب منذ بدء انتشار الفيروس في شهر آذار/ مارس الماضي وحتى نهاية شهر كانون الأوّل/ديسمبر 10358 لاجئاً فلسطينياً بـ "كورونا" داخل مختلف المُخيّمات، حيث توزّعت الإصابات كالتالي: مُخيّم جباليا 4399، مُخيّم الشاطئ 1582، مُخيّم المغازي 397، مُخيّم البريج 514، مُخيّم دير البلح 1089، مُخيّم النصيرات 1641، مُخيّم رفح 736، فيما تسعى المنظومة الصحيّة في القطاع للحفاظ على حياة السكّان بما تستطيع في ظل شح إمكانيات النظام الصحي الهش بفعل الحصار الصهيوني.
تقليصات "أونروا" أثقلت أيضاً كاهل اللاجئين في المُخيّمات بشكلٍ كبير، إذ نظّمت اللجان الشعبيّة للاجئين والفصائل والمؤسّسات الفلسطينيّة مئات الوقفات الاحتجاجيّة الرافضة لهذه السياسة التي يقولون إنها ممنهجة، وتهدف إلى تصفية حقوقهم تماهياً مع ما يُسمى "صفقة القرن" الأمريكيّة.
واعتبر مدير عام المُخيّمات في دائرة شؤون اللاجئين في المحافظات الجنوبيّة، د. عادل منصور، أنّ معاناة المُخيّمات في ظل الجائحة كانت مضاعفة خلال عام 2020، حيث ارتفعت معدلات البطالة بشكلٍ كبير مع تدني الخدمات الموجودة في القطاع بشكلٍ عام.
وأكَّد منصور لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ أبرز التقليصات التي أعلنت عنها "أونروا" خلال العام هي مسألة توحيد الكوبونة الغذائيّة المقدّمة للفقراء والأشد فقراً في غزّة، حيث سيترتّب عنها نقص في كميّة المواد الغذائيّة المقدّمة للاجئ، وحرمان الآلاف من اللاجئين من حقهم في الحصول على هذه الكابونة في ظل الأوضاع التعيسة التي تعيشها المُخيّمات.
ورأى منصور أنّ هذه التقليصات ستنعكس بالسلب على المُخيّمات، محذراً ما انفجار المخيمات وفقدان السيطرة عليها، ولفت إلى أن وكالة الغوث عندما أنشئت كان الهدف منها خدمة اللاجئين إلى حين العودة والتعويض، إلّا أنّ الوكالة تنتهج سياسة التقليصات بل تزيد من وتيرتها كلما مرّت السنين، حتى الوصول إلى إنهاء خدماتها بالكامل وصولاً إلى إنهاء قضيّة اللاجئين، وفق قوله.
"ماتياس شمالي رجل التقليصات"
وحول إدارة "أونروا" في غزّة، قال منصور إنه السيّد ماتياس شمالي جاء إلى غزّة لتنفيذ التقليصات وإنهاء هذا الملف، وتصرفاته تجاه اللاجئين وموظفي الوكالة هي الشاهد على ذلك، فعمل على تقليص الخدمات والموظفين، وساهم في زيادة معدلات البطالة، واليوم لا يوجد أخصائيين بعدد كافٍ لتغطية أعداد المرضى، وقام بفصل 106 من معلمي ومعلمات ذوي الإعاقة في مؤسسات التأهيل المجتمعي الذين يخدمون ثلاثة آلاف شخص.
ودعا منصور جميع السكّان بألّا ينغرّوا في المباني العملاقة الحديثة التي بناها شمالي في المُخيّمات، فهذه المباني مفرغة المضمون على حد وصفه، مُؤكداً أنّها عبارة عن ذرٍ للرماد في العيون لأنّها تفتقر للأخصائيين المهنيين بشأن الأمراض المختلفة، ولا يوجد فيها عمّال نظافة بشكلٍ كافي ولا يوجد تعيينات جديدة على كادر الصحّة، وأوقف أيضاً برنامج البطالة ولم يحد من أزمة الاكتظاظ في الفصول المدرسيّة.
عامل نظافة لكل عشرة آلاف نسمة
ولفت منصور إلى أنّ هناك دليلٌ آخر على سوء الإدارة، مثلاً في مُخيّم الشاطئ الذي يسكن فيه 60 ألف نسمة من اللاجئين، يوجد لكل عشرة آلاف نسمة عامل نظافة واحد، أي ستة عمّال للمُخيّم بكامله، حيث لا يوجد أي تعيينات جديدة، مضيفاً: "نحن نُطالبهم باستمرار للنظر بجديّة إلى هذا الملف لخطورته، لكن لا حياة لمن تُنادي وكأننا نُنادي في الصحراء، وفعلاً هذه مأساة جديدة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة في ظل جائحة كورونا".
وتوقّع منصور أنّ الأيّام القادمة ستشهد عمليات فصل لموظفين من "أونروا" جرّاء قرار توحيد الكوبونة، أو تحويلهم إلى بند العمل اليومي وهذا شيء كارثي سيزيد من معدّل البطالة، مُؤكداً أنّه "لولا جائحة "كورونا" وحالة الحظر التي فرضتها لذهبنا ونصبنا خيام الاعتصام على أبواب "أونروا" وأغلقنا كل مقراتها رفضاً لهذه السياسات إلى حين الاستجابة لكل مطالب اللاجئين، هذه حقوق يجب أن تُلبى".
وطالب منصور، في ختام حديثه، "أونروا" بالعدول عن كل هذه القرارات المجحفة بحق اللاجئين، وعدم إنقاص كميات المواد الغذائيّة المقدّمة لهم، واعتماد جميع الأسر الجديدة في المُخيّمات، حيث هناك حوالي 70% من الأسر تحت خط الفقر.
كما دعاها إلى العمل على إعادة توظيف عدد من المعلمين بما يتلاءم مع أعداد الطلبة في المدارس، مشدداً أنه على حكومة غزّة أيضاً منح اللجان الشعبيّة التراخيص اللازمة لتنظيم الاحتجاجات والاعتصامات مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الإجراءات الوقائيّة والصحيّة.
"أونروا تبيعنا الأكاذيب والأوهام"
وفي السياق، رأى رئيس اللجنة الشعبيّة لمُخيّم الشاطئ، نصر أحمد، أنّ عام 2020 كان ثقيلاً على جميع اللاجئين دون استثناء، فاللاجئين لم يكن لهم أعمال وأشغال من الأساس، وبفعل جائحة "كورونا" انهارت كل الأعمال اليوميّة التي كان يُمارسها اللاجئ ليُطعم أطفاله، حتى "أونروا" أوقفت تقديم المساعدات للاجئين في بعض الأوقات، وهناك آلاف الأسر الجديدة لم تأخذ مساعدات غذائيّة خلال هذا العام.
وبيّن أحمد أنّ "أونروا" قررت عدم تسديد رواتب الموظفين في آخر العام بسبب الأزمة الماليّة، ما يعني التأثير بشكلٍ مباشر على الخدمات المقدّمة للاجئين، لافتاً إلى أنّ اللجان الشعبيّة جلست في اجتماع مع إدارة الوكالة في شهر آذار/مارس الماضي وأكَّدت الإدارة خلاله أنّ لديها خطّة طوارئ جاهزة لإغاثة اللاجئين ومواجهة وباء "كورونا" في حال وصوله إلى داخل المُخيّمات، ولكنّ تبيّن بعد وصول الفيروس أنّ هذا غير صحيح، بل كانت مجرّد أكاذيب لذر الرماد في العيون، على حد قوله.
وأشار أحمد إلى أنّ الكوبونة البيضاء قيمتها 12 دولاراً، والصفراء 24 دولاراً، وتمثل عبئاً على ميزانيّة الوكالة كما يقولون، ولذلك جاء قرار توحيد الكوبونة بحيث ستصبح بيضاء فقط ليوفروا على الميزانية من خلال هذه التقليصات، وهناك الآلاف سيطالهم قرار توحيد الكوبونة، وبالفعل جرى إرسال رسائل لآلاف الموظفين من القطاع العام والخاص بالرغم من أن لهم دخل ثابت لكنّه أقل من الحد الأدنى للأجور (1500) شيكل، بأن الكوبونة قطعت عنهم، وحتى الآن وكالة "أونروا" لم تحدد كم هو الحد الأدنى للأجور الذي ستعمل على أساسه، مُشيراً في ختام حديثه، إلى أنّ الشهر القادم سيشهد حراكات وتظاهرات احتجاجيّة للاجئين أمام مقرات الوكالة لرفض هذه التقليصات التي تهدف إلى انهاء خدماتها تدريجياً تماهياً مع صفقة ترامب.
"الأزواج والمواليد الجدد سيستفيدون من الكوبونة"
وتعقيباً على ذلك، أوضح الناطق باسم "أونروا" في قطاع غزّة، عدنان أبو حسنة، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّه لا مكان الآن في قطاع غزّة للتفريق بين فقر مدقع وفقر مطلق، لأنّ مستويات الفقر في القطاع أصبحت واحدة، مُؤكداً أنّ الوكالة قرّرت توحيد توزيع نظام الكوبونات، حيث ستصبح كوبونة بيضاء فقط مع إضافة 10 كيلو جرام من الطحين لكل فرد سيتسلّم هذه الكوبونة، وكل لاجئ فلسطيني حي ومتواجد ومسجّل في قطاع غزّة سيتسلّم الكوبونة ما عدا من لديهم دخل منتظم.
وبيّن أبو حسنة أنّ هناك دراسات واتصالات ونقاشات تجريها إدارة الوكالة من أجل تحديد مستوى الحد الأدنى للأجور الذي يصبح بعده للشخص حق تلقي الكوبونة من عدمه، مُؤكداً أنّه سيتبع هذه العملية فتح باب الانضمام لمستفيدين جدد من هذه الكوبونات، لأنّه ومنذ شهر أيلول/سبتمبر 2019 وحتى الآن، لم يتم إضافة مستفيدين جدد من الذين أصبحوا فقراء وهم آلاف العائلات، وهناك المواليد الجدد والأزواج الجدد، كل هؤلاء لم تتم إضافتهم وسيفتح الباب لهم على مصراعيه، مُشيراً إلى أنّ طريقة البحث ستكون مختلفة تماماً عن السابق، وسيُفتح الباب لكل لاجئ فلسطيني في قطاع غزّة.
توحيد الكوبونة سيبدأ في الربع الأوّل من 2021
وقال أبو حسنة، إنّ هناك رسائل تصل للاجئين من أجل تحديث بياناتهم، لأنّ هناك أعداد كبيرة مسافرة في الخارج، وهناك من فقدوا أعمالهم، وهناك من طردوا منها، وهناك من كانوا يعملون بدخلٍ ثابت وأصبحوا يعملون بدخلٍ جزئي، ويتم تحديث كل هذه البيانات، وفي الوقت الحالي لم يتم قطع الكوبونة عن أي أحد، ولكن يتم تحديث البيانات لتكوين الرؤية الكاملة التي ستُطبّق في الربع الأوّل من عام 2021.
وحول أزمة رواتب الموظفين، أوضح أبو حسنة أن لا جديد حتى اللحظة بشأن أزمة الرواتب، آملاً أن يتم دفع الرواتب خلال الأيّام القادمة حتى منتصف كانون الثاني/يناير القادم.