منذ سنوات النكبة الفلسطينية بعد عام 1948 لم يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان لأوضاع أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية متردية كما يتعرضون اليوم، هذه حقيقة من الضرورة الوقوف أمامها ملياً.
وتؤكد تقارير المنظمات الحقوقية واللجان الشعبية الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون ظروفاً إنسانية واجتماعية وأمنية هي الأكثر مأساوية منذ نكبتهم الأولى عام 1948 .
ووفق التقارير والإحصائيات الصادرة ، لم يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، لمثل حالة الفقر والقلق التي يمرون بها اليوم منذ نكبتهم، فارتفاع نسبة الفقر والعوز والبطالة، وانتشار ظاهرة المخدرات، وفقدان الأمل، التي يتعرضون لها اليوم، تفوق ما تعرضوا له خلال العقود الماضية.
كما أن الصراعات السياسية وحالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، والحديث المتكرر عن المصالحة والوحدة الوطنية دون نتائج ملموسة، تعمم أيضا حالة الاحباط واليأس في صفوف اللاجئين الفلسطينيين المغيبين أصلاً عن اهتمامات الأفرقاء السياسيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
هذا إلى جانب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لتتجاوز 80 بالمائة، ما أدى إلى تزايد حجم معاناتهم، في وقت وجد البعض من الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى الدول الأجنبية حلاً لمأساته، والبعض الآخر أصيب بحالة من اليأس.
الجولة داخل أزقة وأحياء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والدخول إلى منازلهم، والاستماع لأحاديثهم، يجعل المشهد أكثر وضوحاً، ويجعل الرؤية أكثر شمولية، ويضع المأساة بكل صورها أمام من يريد معرفة حقيقة الانتهاكات الإنسانية والسياسية والأمنية التي تستهدف الإنسان الفلسطيني.
أصبحنا نمضي أيامنا بقلق لم نشهده منذ تشردنا من بلادنا
يقول الحاج أبو سالم وهو لاجئ فلسطيني في مخيم الرشيدية قرب مدينة صور اللبنانية لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: نعيش مرارة الحياة ومعاناة لا تطاق، أصبحنا نمضي أيامنا بقلق لم نشهده منذ تشردنا من بلادنا، نبحث اليوم عن رغيف خبز أمام الجمعيات والمؤسسات الإنسانية لنطعم أطفالنا، وعن حبة دواء لنعالج مرضانا، فقر، وبطالة، ومستقبل مجهول .. لا نعرف إلى أين ؟
وبعد قليل صرخ اللاجئ قائلا ً: ألسنا بشر .. من المسؤول عنا، من يدافع عنا، من يحمينا من هذا الظلم الذي نتعرض له ؟
محمود رمضان من مخيم البص، يكرر نفس السؤال الذي أطلقه الحاج أبو سالم، من المسؤول عن شعبنا في لبنان ؟ ويؤكد رمضان أن حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في غاية القسوة ، فبعد سنوات طويلة من نكبتهم وحصارهم وحرمانهم، يعيشون اليوم في أوضاع اقتصادية سيئة للغاية، بالتزامن مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل داخل مخيمات اللاجئين وتخفيض خدمات ومساعدات الأونروا وانهيار العملة اللبنانية وانتشار فيروس كوفيد -19 .
إمرأة فلسطينية تحمل طفلها قرب عيادة الأونروا في مخيم شاتيلا قرب بيروت، قالت بصوت مرتفع: شعبنا الفلسطيني في لبنان يعيش مأساة لا تطاق ، لماذا كل هذا الظلم والقهر والحرمان؟
فمن المسؤول عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ ومن يخفف عنهم تداعيات ظروف سياسية واقتصادية قاهرة يعيشونها، ومن يرفع هذه المعاناة عنهم ويوقف عذاباتهم؟
الفصائل دون استثناء تتحمل مسؤولية الوضع المأساوي الذي وصل إليه اللاجئ الفلسطيني
"بوابة اللاجئين" توجه بهذه الأسئلة إلى الدكتورة نعمت عبد القادر المتخصصة بعلم الاجتماع السياسي، التي رأت أن المسؤولية الأساسية في معالجة تعقيدات الأزمات التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني تقع على الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها فصائل منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده، وإذا كانت الفصائل والقوى الأخرى مثل حماس والجهاد وغيرها .. تشير إلى أنها تعمل من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ورفع المعاناة والمظالم عنه، وتسعى بين الفترة والأخرى للمشاركة في إطار المنظمة أو إطار وحدوي فلسطيني فهذا يعني أن جميع الفصائل دون استثناء تتحمل مسؤولية الوضع المأساوي الذي وصل إليه اللاجئ الفلسطيني .
وردا على سؤال حول جذور أزمة اللاجئ الفلسطيني في لبنان وأسبابها ، أجابت الدكتورة عبد القادر ، إن الأزمات الانسانية والاجتماعية التي يتعرض لها اللاجئ ، هي نتيجة طبيعية للأزمة السياسية واحتلال وطن والتشرد من الأرض إلى دول الشتات ومنها لبنان ، وبالتالي فأزمة اللاجئين الفلسطينيين هي أزمة سياسية أولا ، لها علاقة بطبيعة المشروع الصهيوني في فلسطين ، ولذلك ، فإن مشروع الاحتلال وتشريد الشعب هي أزمة وطنية لا يردعها إلا مشروع وطني شامل تقوده فصائل وأحزاب وقوى سياسية .
وأضافت، ولأن الفصائل الفلسطينية هي أولاً المسؤولة عن قيادة المشروع الوطني والدفاع عن مصالح وحقوق الشعب والتمسك بالثوابت الوطنية كما تقول أدبياتها وتصريحات مسؤوليها، فهذا يعني أن المسؤولية اليوم تقع على عاتق جميع هذه الفصائل دون استثناء .
وإذا اعتبرنا أن قوانين الدولة اللبنانية تحرم اللاجئ الفلسطيني من حقوقه الإنسانية والاجتماعية، وتمنعه من التملك والعمل، وتفرض عليه قوانين مجحفة بحقوقه الإنسانية، فما هي مسؤولية القيادة الفلسطينية الرسمية والحزبية عندما تجتمع مع القيادات اللبنانية ؟ وتقيم معها أوسع العلاقات وتؤكد أنها علاقات متينة وثابتة لمصلحة الشعب الفلسطيني و لبنان الشقيق ؟
من جهته، حمل الناشط الفلسطيني عمر فرماوي، السلطات اللبنانية جانباً واسعاً من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إما لجهة منعهم من العمل والتملك والتعامل معهم بمنهجية أمنية كأنه متهومون دائماً ومطلوب منهم إثبات برائتهم.
على القيادات الفلسطينية التي تجتمع مع السلطات اللبنانية بذل الجهود من أجل تحصيل حقوق اللاجئين
لكن فرماوي استدرك قائلاً، المسؤول عن الشعب الفلسطيني هي أولاً القيادة الفلسطينية، وهي تتحمل مسؤولية العمل الجاد وبذل الجهود واتخاذ الإجراءات التي من شأنها منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم الإنسانية والاجتماعية خلال سنوات وجودهم في لبنان مع التأكيد على أن اللاجئ يجب أن يلتزم بالقوانين اللبنانية المتبعة وعدم القيام بأي عمل يمكن له خرق القوانين والسيادة اللبنانية .
وتابع فرماوي القول: وإذا كانت هناك قوانين لبنانية مجحفة بحق اللاجئ الفلسطيني فعلى القيادة الفلسطينية التي تجتمع مع القيادات اللبنانية وتقيم معها أوسع العلاقات بذل الجهود لدى السلطات اللبنانية لمعالجة هذه القضايا الإنسانية والاجتماعية ومنح اللاجئ حقه كإنسان .
ولا يغفل فرماوي عن مسؤولية "أونروا" الشاهد الدولي على نكبة الشعب الفلسطيني، واصفاً دورها بالهام والضروري ليس في إطار تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية فحسب، بل في إطار دعم صمود اللاجئ خلال سنوات لجوئه حتى عودته إلى وطنه وأرضه التي شرد منها منذ العام 1948، ولكن ممارسة الضغط على الأونروا ، الأمم المتحدة والدول المانحة هي مسؤولية القيادة الرسمية الفلسطينية، ففلسطين عضو في الأمم المتحدة وتربطها علاقات وطيدة مع الدول المانحة، العربية والأجنبية، وعلى القيادة الفلسطينية أن تتحرك لدى هذه الجهات بشكل جاد وفاعل أيضا من أجل استمرار دور"أونروا" وتعزيز دورها الإغاثي والخدماتي والإنساني من أجل تخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وبلدان الشتات .
لكن الأونروا ليست المسؤولة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وليس سبب نكبتهم، بل لهذه المعاناة أسباب تتعلق بالمشروع الصهيوني الذي أسفر عن احتلال أرض فلسطين وشرد شعبها ، وما تبع ذلك من مأساة إنسانية.
لا شك أن النضال من أجل وضع حد لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ، يأتي في إطار النضال الوطني الفلسطيني وتعزيز المشروع الوطني النضالي من أجل إنهاء الاحتلال وإعادة اللاجئين الفلسطينين إلى وطنهم وأرضهم التي شردوا منها، وهذه مسؤولية وطنية فلسطينية ومسؤولية القيادات والفصائل .