4 آلاف دولار، قد تصل تكاليف أجرة سمسار، قادر على استصدار جواز سفر "دولة فلسطين" من مدينة رام الله للاجئ فلسطيني، مع فيزا إلى دولة كتركيا، فسفارات "الدولة" المنتشرة حول العالم، باتت محطات إذلال إضافيّة للاجئين كثر خصوصاً من فلسطينيي سوريا، الذين التجؤوا إليها ، للحصول على المأوى الاعتباري "جواز دولة فلسطين"، إيماناً منهم بأنّه سيكون أكثر دفئاً ومتانة من خيمة "وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين" التي ترفض كل دول العالم الاعتراف بها.
أن لا تحصل على جواز سفر السلطة التي تصر في كل خطاب إعلامي على أنها "دولتك"، إلّا بالرشوة وعن طريق سماسرة، أو بالواسطة والتزكيات العليا، هذا ما لا يليق بلقب "دولة" يصرّ العاملون ضمن مؤسساتها على تثبيته، ومهاجمة كل من يستخدم توصيف "السلطة الفلسطينية" في الحديث عن مؤسسات رام الله، في حين تترك تلك السلطة، فلسطينيها اللاجئين في أتون الإنكار الدولي لحالهم، مُجردين من أيّ مأوىً، بفقدانهم ممكنات الحصول عليه عبر وثيقة سفر اللاجئين الصادرة من سوريا، والتي لا تخوّلهم الظفر بأي مأوى بعد تشريدهم من سوريا، سوى أروقة المطارات وسجون الاحتجاز، بينما يمكّنهم جواز "السلطة الفلسطينية" من دخول بضعة دول دون تأشيرة مسبقة، أو يساعدهم في حصول على تأشيرات عمل، والناظرين إلى هذا الجواز كثيرٌ منهم، خذلتهم سفارات بلدهم، ورمتهم على أعتاب السماسرة والابتزاز المالي.
قصص معاناة وإذلال كثيرة، نُسجت أحداثها وتفاصيلها على أبواب سفارات السلطة الفلسطينية في الدول العربية وغير العربية، أبطالها لاجئون فلسطينيون سوريّون، التجؤوا إلى ممثليّات و سفارات دولتهم الفلسطينية، ولم تلبَ طلباتهم، وهنا حوار مع إحدى ضحاياها.
خذلتني السفارة في بيروت وابتزني السماسرة
"مريم" لاجئة فلسطينية من سوريا، مهجّرة إلى لبنان منذ العام 2014، أوقعتها ظروفها الاستثنائيّة بواقع تهجير لا يشبه مثيله عند أيّة شريحة أخرى من البشر هُجّرت قسريّاً عن مكان إقامتها، وذلك لكونها فلسطينية سوريّة، إضافة لانعدام إمكانية عودتها إلى بلد مولدها، ولا بلدها الأصلي فلسطين.
تقول "مريم" لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ ظروف الحرب في سوريا، والملاحقات الأمنية الجائرة والمفبركة، دفعتها إلى ترك البلاد والتوجه إلى لبنان، حيث أمضت عاماً كاملاً دون عمل، وعاشت في بيت قريبة لها، وهو واقع جلب لها النصح بأن تتوجه إلى سفارة السلطة الفلسطينية في بيروت، للحصول على جواز سفر السلطة، علّ ذلك يساعدها في الولوج إلى بلد آخر والحصول على عمل، وخصوصاً اذا حصلت على عقد عمل في إحدى الدول، كانت بالفعل قد سعت من أجله وانتظرته طويلاً.
يأسها من فصائل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، لتقاعسهم عن حماية فلسطينيي سوريا، جعلها ترفض فكرة طرق أبوابهم، خصوصاً بعدما سمعت أنّه للحصول على جواز سفر السلطة الفلسطينية، يتوجب عليها الظفر بتزكية من فصيل، إضافة إلى جملة محددات تُفرض على اللاجئين، وذلك لكونهم لا يحملون رقم هويّة وطني كاللذي يحمله الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تقول "مريم" :" لم يكن أمامي سوى الهجرة عبر البحر، إلا انني لم استطع المغامرة بحياتي والتوجه إلى أوروبا مثل عشرات الآلاف من اللاجئين، كما انني لم امتلك القدرة الماديّة لذلك".
4 سنوات قضتها اللاجئة المهجّرة في لبنان، بين أعمال متعددة، ومنها عمل في مؤسسة إعلامية تتبع إحدى الفصائل، قبل أن تُغلق تلك المؤسسة أبوابها، وتصبح بلا عمل، ولا أفق للحصول على بديل، نظراً لكون لبنان يحرم الفلسطينيين فيه من مزاولة العمل ومن كافة حقوقهم المدنية، فكيف اذا كان هذا الفلسطيني مهجّر من سوريا؟ حسبما أشارت، لتلوح في أفق مستقبلها أخيراً فرصة عمل محترمة في دولة "قطر" كانت قد تقدمت إليها واجتازت كافة اختباراتها التحريرية والشفهية، وهنا وقع الخذلان.
شروط تعجيزية فوتت عليها فرصتها
تقول "مريم" :"وقعت عقد عمل، قبل أن يأتيني الرد الصاعق بأن الداخلية القطرية رفضت منحي تأشيرة عمل بسبب وثيقة سفري الصادرة من سوريا" وتضيف : "هذا ما دفعني لأقصد سفارة السلطة الفلسطينية في بيروت، كي استحصل على جوازها لأنّه أقوى من الوثيقة في إطار الحصول على تأشيرة العمل".
لم يكن هذا السبب هو الوحيد لطلبها جواز سفر السلطة، فوثيقة سفرها السوريّة كانت بحاجة إلى تجديد، وتجديدها ضروري لزوم الإقامة في لبنان التي تُمنح للفلسطينيين المهجرين من سوريا كل 6 أشهر، وتقول : "أرسلت الجواز مع أحد أقاربي إلى سوريا، وهناك قيل له إنني مطلوبة للتحقيق في أحد الفروع الأمنية، وبعد دفع 400 $ جددوا لي جواز السفر لسنتين فقط".
ومازاد الأمر إلحاحاً بالنسبة لها، هو استدعاؤها من قبل الأمن العام اللبناني، الذي قام بسحب أوراقها بحجّة أنّها تعمل دون إجازة عمل، وذلك بعد تشديد وزارة العمل إجراءاتها بهذا الخصوص على الأجانب والمقيمين، في وقت كانت "مريم" قد فقدت عملها أساساً، ولا تقوى على دفع تكاليف إقامة العمل ولا تمتلك شروطها أصلاً، ما جعل حصولها على جواز السلطة الفلسطينية، يمثّل عامل أمان لها في حال اضطرّت للمغادة إلى أيّ بلد يستقبل حامليه، بينما تُسدّ جميع الأبواب أمام الوثيقة.
تتابع "مريم" لموقعنا: "اضطررت للذهاب إلى سفارة السلطة في بيروت، وقابلت أحد المسؤولين هناك وشرحت له وضعي، وكيف أنني بحاجة لجواز السفر كي أغادر لبنان إلى أي بلد آخر، كما أنني أريد استخدامه للحصول على تأشيرة عمل" و أضافت:" وعدني ذلك المسؤول بالمساعدة، وأرسلني إلى القسم القنصلي، ولكن طلب مني ورقة فيها توصية من السفارة في سوريا، وهذا ما لا أستطيع الحصول عليه، بعدما قيل لكل من أرسلته إلى هناك بأنهم غير معنيين برسائل توصية لأي شخص من فلسطينيي سوريا، إذاً ما هي وظيفتهم؟؟" حسبما تساءلت مستهجةً.
إلّا أنّ "مريم" قد عاودت الاتصال بالمسؤول في السفارة ببيروت وشرحت له الأمر، وقام بالفعل بإرسالها إلى القنصل، الذي أخذ كافة الأوراق المطلوبة منها وهي (وثيقة ميلاد وصورة للهوية الشخصية وهوية الوالدين وصورة عن عقد زواجهما، وسجل عدلي، وقيد نفوس، وصورة عن جواز السفر الصادر في سوريا) إلا أنه رفض أخذ الرسوم وهي 50 يورو والصور الشخصية، حسبما أكّدت، مضيفةً : "وسألني كثيراً من الأسئلة عن مكان سكني ورقم هاتفي في سوريا ولبنان، وأرقاربي وأين عملت سابقاً، وقال لي سنرد لك خبراً بعد أيام" في إشارة إلى أنهم سيقومون بمسح أمني عنها وفق قولها، إلا أنّ كل ذلك لم يُفلح، ولم تتلقّ منهم أي اتصال حتّى اليوم بعد انتظار طويل، وكانت فرصتها بالحصول على تأشيرة عمل في "قطر" قد تلاشت تماماً.
إغلاق أبواب السفارة وفتح أبواب السماسرة
تقول "مريم"، إنّ كثيرين من فلسطينيي سوريا الذين مرّوا بتجارب مماثلة مع السفارة، أخبروها بأنّ طلبها سيُنسى، وأنّ أحدٌ لن يتصل بها من هناك، و أنه ليس لها إلا السماسرة الذين يطلبون مبلغاً مقداره 4000 $ لاستصدار جواز سفر من رام الله.
"إذاً عليّ دفع هذا المبلغ لاستصدار جواز السلطة التي يصر أصحابها تسميتها (دولة) ولكن لا يبدو أنها معنية بي وبمن هم مثلي من اللاجئين رغم أن أصولنا فلسطينية وننتمي إلى قرى ومدن فلسطينية احتلت عام 1948، في مفارقة تبدو لي مضحكة ومبكية ، هم يصرون أنهم دولة فلسطينية وأنا فلسطينية ولا استطيع الحصول على جواز سفر هذه الدولة" تقول "مريم".
وتختم حديثها لموقعنا:" أنا الآن مقيدة في لبنان، أجاهد في الأمن العام للحصول على إقامة من جهة، ولا أستطيع مغادرة لبنان لارتاح من كل هذه المعاملة من جهة أخرى، ولا أستطيع أخذ جواز سفر فلسطيني لأغاد". وتضيف :"أتساءل كثيراً لمن ألجأ كي أحل كل هذه المشكلات القانونية التي لا علاقة لي بها سوى أنني لاجئة فلسطينية من سوريا أضطررت للمجئ إلى لبنان للحفاظ على حياتها من التعذيب والانتهاك والموت".
عشرات القصص المشابهة.. وفي تركيّا أغلقوا عليهم آمالهم
قصّة "مريم" واحدة من عشرات القصص، ولكنها قبلت بسرد ما حصل معها لموقعنا، في حين قابل" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" العديد من اللاجئين، بعضهم تمكنّوا من اجتراح مصادر ماليّة، لتأمين متطلبات السمسار، وتمكّنوا من الحصول على الجواز من رام الله، وغادروا به إلى تركيا أو ماليزيا، في حين يقف آخرون في لبنان عاجزين عن توفير أيّ حلّ لأنفسهم، وهم عالقون بين انتهاء صلاحية أوراقهم السوريّة وعيشهم "خلسة" متخفين عن أعين الدرك اللبناني من جهة، وعدم قدرتهم على استيفاء سعر "جواز السمسار" من الجهة الثانية.
أمّا في تركيا، فتتكرر المأساة مع شريحة كبيرة من فلسطينيي سوريا الذين لجؤوا إلى هناك، وغير حاصلين على بطاقة الحماية المؤقتّة " الكملك" وغير مستوفين لشروط الحصول عليها، نظراً لدخولهم البلاد بعد عام 2014 خلسة، ما دفع العديدين منهم للجوء إلى سفارة السلطة الفلسطينية واستحصال جواز سفرها، لما فيه من فائدة التقدّم بإقامة سياحية استناداً اليه، إلّا أنّ التعقيدات التي بدأت تواجههم مؤخراً أغلقت آمالهم، لاسيما عقب قرار أخير غير مُعلن رسمياً، بوقف منح جوازات السفر للفلسطينيين في تركيا بشكل نهائي.
"أبو محمد" لاجئ فلسطيني مهجّر من مخيّم اليرموك في سوريا، قصد تركيا إثر تهجيره قسرياً في العام 2018 إلى الشمال السوري، وتمكّن من هناك التسلل إلى الأراضي التركيّة هرباً من حياة المخيّمات الي رُمي بها من هجّروا قسراً على يد النظام السوري.
يقول "أبو محمد" لموقعنا: إنّه يعيش في تركيا بلا أدنى حقوق، نظراً لعدم حصوله على بطاقة "الكملك" وهذا يعني حرمانه من العمل والطبابة وحرية التنقّل، ويجعله عرضة للاحتجاز والترحيل إلى الشمال السوري مجدداً، في حال ألقي القبض عليه.
وللتخلّص من هذا الواقع، أشار عليه أحد الفلسطينيين المقيمين في تركيا بموجب إقامة سياحية استناداً إلى جواز السلطة، أن يذهب إلى السفارة للحصول على واحد، وبعدها يدخل بمعاملات الإقامة المدفوعة الثمن، وبذلك يصبح وضعه على المستوى القانوني أفضل وأكثر أماناً.
يتابع "أبو محمد" لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" ويقول :" ذهبت إلى السفارة وطلبت موعداً من أجل معاملة جواز سفر، فطلبوا منّي بدايةً مجموعة من الأوراق الثبوتية، كصورة عن بطاقة هوتي الفلسطينية السوريّة، وإخراج قيد صادر من سوريا مصدّق أصولاً، إضافة إلى صور شخصية ومبلغ 50 يورو" ويشير إلى أنّ المعاملة كلفّته أكثر من 120 يورو، نظراً لدفعه نقود إلى أحد الأشخاص الذي تولّى جلب إخراج قيد من سوريا.
وبعد كل هذا العناء، رفضت السفارة معاملته، بحجّة أنّ قراراً قد صدر بعدم منح اللاجئين الفلسطينيين من سوريا جواز سفر السلطة الفلسطينية، مالم يكونوا حاملين لبطاقة "الكملك" حسبما أكّد "أبو محمد" والذي عبّر مستهجناً :"اذا كان عندي بطاقة كملك ماذا أريد بجواز السلطة، وماحاجتي إليه، والذي دفعني إليه أساسا عدم امتلاكي كملك !".
وكما الحال في لبنان، لم يتبقّ لدى "أبو محمد" سوى قصد السماسرة، ويؤكد لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ خط إصدار الجوازات من رام الله بالمال مفتوح، وتترواح تكاليف ذلك بين 1800 دولار إلى 2500، بحسب كل سمسار، فيما يبدو أنّه تواطؤ بين السفارة والسماسرة حسبما أشار لموقعنا.
لم تُعلن سفارة السلطة الفلسطينية في أنقرة أو القنصلية في اسطنبول، بشكل رسمي عن وقف منح جواز السلطة، إلّا أنّ تأكيدات كثيرة من لاجئين هناك تلقاها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تفيد بإخبارهم من قبل القنصلية في اسطنبول، أنّ قراراً قد صدر من وزارة الداخلية في رام الله، بوقف عمليات المنح، وهو ما أغلق في وجه المئات آخر أبواب الأمل في تحسين أوضاعهم القانونية وبالتالي المعيشيّة.
نسبٌ كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا، سواء الذين يقيمون في لبنان أو في تركيا، متضررون بشكل كبير جرّاء حرمانهم من جواز سفر بلادهم فلسطين، وهم من الشريحة التي تقيم بشكل غير قانوني، ولديها عوائق مختلفة لتجديد أوراقها، أو الحصول على إقامات.
وتشير أرقام وكالة " أونروا" في تقرير النداء الطارئ للعام 2020 إلى أنّ 55% من فلسطينيي سوريا في لبنان البالغ مجملهم 27 الفاً، لا يمتلكون مستندات إقامة قانونية صالحة في البلاد، وتوقعت الوكالة أن يواجه اللاجئون من سوريا، خطراً متزايداً بالترحيل أو الإعادة إلى الحدود، واستمرار الصعوبات في المحافظة على وضعهم القانوني أو تصحيحه، ما سيزيد من تهميشهم استبعادهم من الخدمات، ويؤثر على حريتهم في التنقل.
أمّا في تركيا، فتعيش نحو 400 عائلة في اسطنبول من أصل 1200 عائلة مهجّرة من سوريا، دون بطاقة "كيملك" إضافة إلى 390 عائلة في أماكن متفرقة من البلاد غير حاصلين عليها بحسب مصادر متعددة، جميع هؤلاء سواء في تركيا أم في لبنان، كان يشكّل لهم جواز السلطة الفلسطينية آخر أمل في تحسين أوضاعهم، فخابت آمالهم بأن تمنحهم سفارة بلادهم مأوىً اعتبارياً صادراً عنها.