انشغل الرأي العام الفلسطيني، بمساعي المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وعمت حالة من التفاؤل في الأوساط الفلسطينية المختلفة بعد اجتماع الأمناء العامين في بيروت وبعدها اسطنبول، وتبشيرهم بقرب المصالحة الفلسطينية بين الفصائل المختلفة، ثم وحدة الموقف الفلسطيني لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، بعد أن تصاعدت الهجمات المعادية، وتراجع الاهتمام العربي والدولي بالقضية الوطنية وبالقضايا الإنسانية للشعب الفلسطيني.
وجاءت مواقف الفصائل وتحديداً "فتح" و"حماس" حول ضرورة المصالحة والإسراع بتوحيد الموقف الفلسطيني، لمواجهة السياسة العدوانية الصهيونية داخل الأراضي المحتلة، بعد أن تصاعدت من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، وحملات الاعتقال وهدم منازل الفلسطينيين واقتحام المسجد الأقصى، التي أكدت أن هذا العدو يرفض حل الدولتين – الأمل الذي تشكلت من خلاله سياسة السلطة الفلسطينية لتحقيق ما اعتاقدت أنه سيكون حلاً عادلاً وشاملاً ودائماً للقضية الفلسطينية-.
وجاءت المواقف الأمريكية في عهد دونالد ترامب، -المتوقع أن تستمر في عهد جو بايدن-، لتشكل ضربة ليست سهلة للسياسة الفلسطينية التي سحبت واشنطن الاعتراف بها، وأقفلت مكتبها التمثيلي، وأوقفت دعمها المالي للسلطة الفلسطينية ووكالة "الأونروا".
كما أن تهافت بعض أو أكثر الدول العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني في فلسطين، لم يشكل مفاجأة للساسة الفلسطينيين فحسب، بل شكل ضربة للسياسة الفلسطينية بشكل عام، ومصدر قلق وخوف من تخلي هذه الدول كلياً عن القضية الفلسطينية ووقف مساعداتها السياسية والمالية للفلسطينيين وهذا ما يؤدي إلى خنق السياسة الفلسطينية وتعرضها للضغط والتصفية.
أوضاع كثيرة ومأساوية يتعرض لها الشعب الفلسطيني اليوم، فارتفاع نسبة الفقر والعوز والبطالة والهجرة الشرعية وغير الشرعية، جعلت من الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، يعيش همومه الشخصية والإنسانية والاجتماعية، ما أدخل الكثيرين بحالة أقرب إلى اليأس والإحباط وعدم المبالاة، وهذا بدوره شكل إضعافاً للقضية الفلسطينية وأدخل القيادة الفلسطنية في مأزق مواجهة كل هذه التحديات، بعد أن برز بشكل واضح أن هناك تخل عربي ودولي عن القضية الفلسطينية، ولم يعد يشغل الموقف الرسمي العربي ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان وقتل وتدمير وتجويع وحصار، فكان لابد للفصائل من البحث عن المصالحة ووحدة موقفها، خياراً لابد منه للخروج من المأزق الذي وصلت إليه.
لذلك، هلل وبارك الجميع للمصالحة بين "فتح" و"حماس" ، وراهن عليها الرأي العام الفلسطيني بشكل عفوي وعاطفي واندفاعي كخيار وطني، وراهنت عليها الفصائل بالشعارات والخطابات من باب الخروج من مأزقها.
فاشعلت الفصائل الفلسطينية منابرها الإعلامية بأخبار الاجتماعات والاتصالات الجارية للمصالحة ووحدة الفصائل، وارتفعت الشعارات والخطابات والبيانات، وتصدر وسائل الاعلام المحللون والخبراء الذين تحدثوا عن المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية والتحديات التي تواجهها الفصائل، لكن كان واضحاً من خلال ما تم الاطلاع عليه أو الاستماع له من تصريحات وبيانات وخطابات أن الجميع يشدد على أهمية المصالحة بين الفصائل، لكن أحداً لم يحدد للشعب كيف تكون المصالحة الوطنية، وما هي شروط نجاح المصالحة، ومن هي أطراف المصالحة وما هو برنامج المصالحة الوطنية ؟
من الواضح أن العفوية والخطابات والشعارات الرنانة، يمكن لها أن تجر قطاعات واسعة من الرأي العام، لكن بالنهاية إلى أين ستصل مساعي المصالحة؟ وبعد كل هذا الاستهلاك في الوقت والمال، ماذا لو أخفقت الفصائل بالوصول إلى المصالحة ومن ثم توحيد صفوفها، من يتحمل مسؤولية هذا الاخفاق الذي سيؤدي حتماً إلى مزيد من الإحباط؟
الوحدة الوطنية بين التيارات والفصائل والقوى الوطنية أمر ضروري وحتمي، لا انتصار ولا صمود ولا مقاومة، ولا قدرة على إجبار العدو على التنازلات إلا بالوحدة الوطنية الفلسطينية، ولكن هل الفصائل التي تقود المشروع الوطني الفلسطيني اليوم حقا تريد وتعمل من اجل المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية ؟
كيف لنا أن نعرف الإجابة؟
أولاً على الشعب الفلسطيني داخل وخارج وطنه، أن يسأل نفسه: هل العقليات والبرامج ونوعية القيادات الحاكمة للفصائل هي عقلية وحدة ومصالحة، أي هل لديها القدرة للتخلي عن برامجها ومصالحها وتحالفاتها ومصادر أموالها من أجل الوحدة لصالح القضية الوطنية عامة؟
وإذا كانت الاجابة نعم، فعلى أية أسس تكون الوحدة ولماذا المصالحة، وهل هي مصالحة أم هدنة لتمرير المرحلة ؟
هل المصالحة على أرضية مقاومة الاحتلال وقتاله والعمل على تنظيم الشعب ورفع مستوى وعيه وقدرته على المواجهة وتعزيز صموده ؟؟ أم كفى الفصائل شر القتال وما يجمعهم هو مشاريع التسوية والمفاوضات مع العدو بعد أن أصبحت علاقاتهم تمتد من غرب آسيا إلى جنوب شرقها وهذا ما له انعكاسات على سياستها وقادتها وبرامجها السياسية ؟
لمقاومة الاحتلال شروط وتحضيرات، وقيادات وبرامج وأدوات ودوائر وتحالفات، ومن أجل تعزيز موقع المفاوض الفلسطيني في عملية التسوية أيضا شروط وتحضيرات وقيادات وبرامج ودوائر وتحالفات .
الوحدة الوطنية خيار الوطنيين والأوفياء للقضية، خيار المخلصين للشعب الذي قدم التضحيات، وخيار الأوفياء لدم الشهداء.