مع تصاعد الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية في فلسطين ودول الشتات، وارتفاع موجات القمع والبطالة، ارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى الدول الأوروبية لإيجاد مكان لحياة كريمة، وفرصة للعمل بعيد عن الذل والفقر.
ورغم عذابات الطرق التي اتبعها اللاجئون للوصول إلى ملجأ الكرامة والأمان المفقودين، وما تعرضوا له من مخاطر وانتهاكات، ليحصلوا على جنسية دولة تمنحهم ما فقدوه في بلاد اللجوء الأولى، إلا أن انتماءهم لم يتغير، وظلت قضايا وطنهم فلسطين وشعبهم المعذّب هاجساً في حيواتهم الجديدة، لذا كثيراً ما نسمع بمؤسسات وتشكيلات فلسطينية في أوروبا تعلن عن هدفها في دعم القضية الفلسطينية، والنضال حتى حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كافة، ومنها اتحاد الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في أوروبا، الذي يسعى إلى إيجاد إطار جامع للفلسطينيين في بلدان اللجوء الثاني من أجل توحيد الجهود في النضال من أجل فلسطين وشعبها.
وهذا حوار مع رئيس الاتحاد المقيم في إيطاليا فوزي اسماعيل:
- ما هي الدوافع لتأسيس اتحاد الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في اوروبا؟
بدأت الفكرة عام 1980 وكان العامل الأول والدافع لهذه الفكرة أن الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني تخرجوا من الجامعات بين 1970و 1980 واضطروا للعمل في مهن مختلفة تماماً عن مجال تخصصهم في دول المهجر، وبالتالي هؤلاء اللاجئون خرجوا من اتحاد الطلبة بما أنهم لم يعودوا طلاباً، ومن كافة الاتحادات حيث كان يوجد في بعض الدول اتحاد الاطباء والمهندسين الفلفسطينيين، واتحاد العمال الفلسطينيين في دول أخرى.
إنما العامل الاساسي والحاسم والمهم الذي شجعنا وسرع وطور عملية فكرة تأسيس اتحاد الجاليات الفلسطينية هو توقيع اتفاقية "اوسلو" والتطورات السياسية التي شهدتها الساحة الفلسطينية بعد ذلك، والأطروحات التي علمنا بها حول إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
نظمنا بالتعاون مع إطارات أخرى عدداً من اللقاءات وجلسات النقاش والحوارات حول كيفية العمل وتنظيمه مع مجموعات من مئات الشباب الفلسطيني الناشط في أوروبا، ونظمنا مؤتمرات تشاورية ومؤتمرات تأسيسية وتم الإعلان رسميا عن الاتحاد من خلال مؤتمر تأسيسي في برشلونة عام 2007، ثم نشأت اتحادات ومؤسسات وجمعيات محلية في أكثر من بلد و مدينة وانتشرت فكرة الاتحادات في كل أوروبا.
- ما المختلف في اتحاد الجاليات الفلسطينية عن بقية الاتحادات والمؤسسات الفلسطينية في أوروبا؟
بشكل أساسي، الانسجام والتوافق الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي داخل أي اتحاد هو ما يجعله يستمر و يتطور، والاختلاف داخل كل مؤسسة انعكاس لمكونات الشعب الفلسطيني في كل مكان، المؤسسات والاتحادات الموجودة هي انعكاس عن البانوراما والمشهد السياسي الفكري الفلسطيني بشكل عام.
أيضاً، من الضروي إشراك العنصر الشبابي في عمل الاتحاد وهذا ما كان سيتم من خلال المؤتمر الخامس للاتحاد الذي كان مقرراً تنظيمُه في الصيف الماضي ولكن ظروف تفشي جائحة "كورونا" حالت دون ذلك.
الفكرة والهدف الأساسيان اللذان نعمل عليهما وعلى تطويرهما هو كيفية تنظيم أنفسنا كأبناء الشعب الفلسطيني في الشتات وكيف نكون فاعلين ومؤثرين في المجتمعات الأوروبية التي نعيش فيها، خاصة بعد الهجرة الجديدة التي حصلت خلال السنوات الماضية من قبل فلسطينيي سوريا بسببب ظروف الحرب، وفلسطينيي لبنان بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها لبنان، وهذا ما وضع على كاهل الاتحاد عبئاً جديداً في إعادة التنظيم، من خلال جمعيات و مؤسسات ونوادي بهدف المحافظة على التراث والثقافة والتاريخ الفلسطيني والذي يشكل جزءاً من نضالنا الوطني الفلسطيني تجاه فلسطين كمهاجرين من الوطن الأصلي.
بداية لجوء الشعب الفلسطيني منذ 20 أو 30 سنة الى دول اوروبا كانت هجرة طلابية للدراسة والقليل من الهجرة الاقتصادية بهدف البحث عن العمل، حالياً الوضع اختلف أصبحت الهجرة الاقتصادية للبحث عن فرص العمل أكبر من الهجرة الطلابية للدراسة، وهذا ما يجعلنا نرى بوضوح حجم المعاناة التي يعيشها شعبنا في الشتات، وهذا الوضع فرض تغيُراً في التكوين ونوعية الجاليات الفلسطينية في أوروبا، أصبح لدينا ثلاثة أجيال (الجيل الأول والجيل الثاني والجيل الثالث وهو جيل الأحفاد) والتعاطي مع الجيل الثالث يتم بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة، كذلك الأمر مع جيل الشباب الفلسطيني الذي وصل أوروبا نتيجة الحرب في سوريا. للاسف لدينا نسبة كبيرة مع الجيل الثاني والثالث الذين يتكلمون اللغة العربية ولكن لا يجيدون قراءتها وكتابتها بسبب انتسابهم لمدارس أجنبية في دول أوروبية مختلفة، وهذه المشكلة تُعتبر إحدى مهمات الاتحاد لإيجاد الصيغ والأساليب والوسائل من أجل التواصل مع هذه النوعية من الجيل الذي لا يعرف اللغة العربية كتابة وقراءة، من بداية هذه السنة تم في الأمانة العامة للاتحاد مناقشة اقتراح ان نبدأ من عام 2021 في تأسيس حلقة مركزية للتواصل مع أكبر عدد ممكن من الشباب ضمن الوسائل الممكنة حتى نستطيع تطوير عمل الجالية بالتعاون مع الجاليات الأخرى.
- ما هي أبرز المشاريع وبرامج العمل التي نفذها الاتحاد منذ تأسيسه حتى الآن؟
من أبرز الأعمال التي قام بها الاتحاد مع المؤسسات والجمعيات فيه والمتوزعة في مختلف الدول الأوروبية (ألمانيا- الدانمارك- إيطاليا- السويد- إسبانيا- بلجيكا) كان تنظيم مظاهرات واعتصامات تضامناً مع أبناء شعبنا الفلسطيني خاصة عند ارتفاع وتيرة التصادم مع الكيان الصهيوني، على سبيل المثال العدوان الواسع على رام الله وجنين في 2002 وعلى غزة 2008 وجمعت المظاهرات حينها عدداً كبيراً من الفلسطينيين، كذلك قام الاتحاد بجمع تبرعات لدعم صمود شعبنا في غزة على أكثر من صعيد، كالصحة والشباب والمرأة.
في كل سنة تنظم عدد من الفعاليات في ذكرى النكبة وإحياء يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أما ما يميز اتحاد المؤسسات واجاليات الفلسطينية في أوروبا هو رعاية مهرجان الأرض للسينما الوثائقية الفلسطينية منذ سنوات، والذي ينظم في جزيرة سردينيا الإيطالية، بمشاركة جمعيات شبابية في لبنان، وكذلك المشاركة في مشاريع ترميم وإعادة بناء منازل في غزة والضفة، كما عمل الاتحاد على مشروع "حنظلة يذهب الى المدرسة" وهو عبارة عن تكافل أسري يشمل المخيمات في لبنان وأيضاً مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة، ويكون هذا التكافل عبر تبني تعليم طفل وتحمل كامل النفقات المدرسية حتى يتسنى له إكمال دراسته، ويقوم الاتحاد بمهمة التواصل أو يكون وسيطاً بين أهل الطفل أو الشاب وبين الكافل ويتم تحديد المبلغ حسب قدرة المتبرع بشكل شهري، كذلك تم شراء الحقيبة المدرسية بشكل كامل من قرطاسية وأدوات مدرسية وجامعية لحوالي 500 طالبة وطالب، أيضاً تم العمل على العديد من المشاريع مع مؤسسات المجتمع المدني في كثير من الدول الأوروبية على أكثر من صعيد منها الصحة والزراعة ونعمل على تطويرها بشكل مستمر.
كل ما نقوم به هو دعم صمود شعبنا في فلسطين في محاولة لتوفير الحد الأدنى من حياة كريمة نخفف من خلالها بعضاً من معاناتهم، وهذا ما سعينا له حين تم إرسال السلة الغذائية لحوالي 70 ألف عائلة فلسطينية في أوج جائحة كورونا في لبنان والضفة وغزة.
من جانب آخر، نهدف إلى تطوير عملنا لنصبح لوبياً فلسطينياً في أوروبا يدعم القضايا الفلسطينية السياسية بشكل أساسي وفرض الرواية الحقيقية لشعبنا الفلسطيني في مواجهة الرواية الصهيونية السائدة في البلدان الأوروبية، نحن نلعب دور سفراء لأبناء شعبنا في أوروبا ونثبت أننا اصحاب حق وحضارة وقضية.
أيضاً، الناحية الثقافية بين أفراد الجالية الفلسطينينة لا تقل أهمية عن الناحية السياسية، لدينا كتّاب ومسرحيون ومثقفون وسينمائيون اشتهروا على الصعيد العالمي، ولا يقلون أهمية عن أي مثقفين من شعب آخر، مما يشكل فخر أن يستطيع اللاجىء الفلسطيني المشاركة في الثقافة والحضارة العالمية رغم الأزمة والمأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني في القرن الاخير.
نتواجد في دول "ليبرالية"، البعض من شعوبها يدعم القضية الفلسطينية ولكن البعض الاكبر يكره ويعادي هذه القضية .
- ماهي أبرز العقبات التي يواجهها الاتحاد في نشاطاته السياسية والإنسانية؟
أولاً، ضعف الإمكانيات الموجودة لدينا، كذلك غياب المؤسسات الوطنية الجامعة وايضاً عدم وجود استراتيجية فلسطينية للاستفادة قدر الإمكان من وجود الجالية والمشكلة الأكبر التي تواجهنا هي الإنقسام الفلسطيني–الفلسطيني وغياب مشروع فلسطيني موحد جامع لكل أبناء الشعب الفلسطيني مما يحد من التكاتف والتواصل والعمل المشترك.
ثانياً، حالة التشويش على نشاطاتنا التي تقوم بها الحركة الصهيونية، وأيضاً تشويه صورتنا وإطارنا، ولكن بعد رفعهم دعوى قضائية ضد بعض الناشطين الفلسطينيين وضد حركة المقاطعة قد خسروا هذه القضايا، ورغم ذلك علينا التنسيق وبذل جهود أكبر في معركتنا ضد اللوبيات الصهيونية.
- هل هناك تنسيق بين الاتحادات والمؤسسات الفلسطينية العاملة في أوروبا؟
سؤال مؤلم، أولاً حصلت محاولات تنسيق ومازالت قائمة وتم طرح تشكيل لجنة تنسيق مشتركة للاتحادات ولأبناء الشعب الفلسطيني، ولم ينجح الطرح ولكن ما زالت المحاولات قائمة.
ثانياً، الانقسام الفلسطيني في فلسطين عكس نفسه على الجاليات الفلسطينية في أوروبا، من هنا نرى أن الوحدة الفلسطينية أمر ضروري على أن تتم هذه الوحدة وفق شروط.
- كيف هي حياة المهاجر الفلسطيني في أوروبا؟
تختلف الحياة وتتفاوت بين بلد وآخر ومن فئة الى أخرى، من يملك وظيفة وبالتالي راتباً شهرياً فهو يعيش وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وصحياً بدرجة امتياز ويحصل على عيشة كريمة.
في صفوف الجالية الفلسطينية نسبة عالية من المثقفين والمتعلمين الذين يتبوؤن مراكز عالية ومهمة في المجتمع الأوروبي على الصعيد العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وأيضا على الصعيد السياسي من خلال مشاركة نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني الذين أصبحوا جزءاً من البلديات والانتخابات والقوى السياسية والأحزاب وهذا أمر مشجع على المدى البعيد، لما سيشكله من دور وحضور الشباب الفلسطيني في المجتمعات الأوروبية، لذلك تقع على عاتق الاتحاد مسؤولية كبيرة في تعبيد الطريق لهذا الجيل القادم من الشباب وضرورة العمل على فكرة التعايش مع هذه المجتمعات بأن نكون جزءاً منها نؤثر ونتأثر بها.