يتابع اللاجئون الفلسطينيون بالضفة المحتلة وقطاع غزّة إمكانية إجراء انتخاباتٍ فلسطينيّةٍ بعد قرابة 14 عاماً من الانقسام الفلسطيني، هذا بالرغم من صعوبة الأوضاع التي يعيشونها، إذ شعر اللاجئ الفلسطيني طوال هذه الفترة بأنّه تُرك وحيداً، ومهمّشاً سياسياً، وسط آمالٍ بتبدّل الحال في المرحلةِ القادمة.
ويُعلّق لاجئون، استطلع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" آراءهم، آمالاً كبيرة ولكن محفوفة بالحذر على هذه الانتخابات، وتساءلوا بشأن جديّة هذه الانتخابات من عدمها، حتى لا تُعيد إفراز السياسات القديمة التي استغلها طرفا الانقسام خلال هذه الأعوام الطويلة.
وعلى ما يبدو نجحت سياسات السلطة التي كرستها اتفاقية "أوسلو" نوعاً ما في العبث حتى بطموحات اللاجئين الفلسطينيين، التي انخفض سقف آمالهم وفق الاستطلاع، وطغى الهم اليومي على المصيري، وصار هناك تطلع إلى مجلس تشريعي منتخب حدود تمثيله الضفة وقطاع غزة على حساب مجلس وطني تمتد حدود تمثيله لتشمل الفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم.
هذا ما يعبر عنه الناشط المجتمعي موسى سعود من مُخيّم البريج بالقول: إنه لو سارت الانتخابات بالشكل المطلوب وتم توحيد مؤسّسات السلطة في الضفة وغزّة مع انتخاب مجلس تشريعي جديد يعبّر عن الناس ويحمل همومهم من الممكن أن يكون هناك تخفيف بسيط لمعاناة الناس.
نريد حلاً للمشكلات اليومية التي تعاني منها الطبقة الفقيرة في المجتمع
ورأى سعود أنّ الاحتلال هو من صادر ويُصادر حقوق شعبنا وينهب مقدراته، وخلال فترة الانقسام الطويلة توقّفت مسيرة التنمية، وتفشّت البطالة والفقر داخل المُخيّمات، أي لا يمكن حل كل هذه المشاكل بين ليلةٍ وضحاها، والانتخابات لا تحل المشكلات المتراكمة بشكلٍ فوري، ولكن نحن كأبناء مُخيّمات نراهن على حكومة جديدة تعمل بمهنيةٍ واستراتيجيّةٍ واضحة للحد من المشاكل اليوميّة التي تُعاني منها الطبقات الفقيرة داخل المُخيّمات.
فيما رأى اللاجئ الفلسطيني محمد أبو جبر (30 عاماً) من ذات المُخيّم، أنّ الانتخابات هي حق لكل فلسطيني، وفرصة التغيير الوحيدة التي نتأمّل أن تغيّر الواقع الفلسطيني، لافتاً إلى أنّ ذلك لا يتحقّق إلّا من خلال نيّة حقيقيّة لدى أطراف الانقسام (فتح وحماس) لتغليب المصلحة العامة للشعب الفلسطيني على مصالحهم الفئوية الخاصّة.
أمّا اللاجئ الفلسطيني علي عبد الباقي (24 عاماً) من مُخيّم الشاطئ، فأكَّد أنّ الانتخابات تشكّل بوابة حقيقيّة لإعادة الاعتبار للجهة المسؤولة من أجل تقديم الخدمات لأبناء شعبنا، ومدخلاً رئيسيًاً لتنفيذ القرارات المتعلقة بضمان حق اللاجئين الفلسطينيين خاصّة في المُخيّمات.
لكنّ اللاجئ الفلسطيني سعيد عيسى (22 عاماً) من مُخيّم الشابورة في رفح كان له رأي آخر، إذ رأى أنّ الانتخابات الفلسطينيّة هي احتمال غير مؤكّد، وذلك لأنها جاءت في إطار التفاهمات بين حركتي فتح وحماس، وبالتالي لن تكون عن اقتناع كحقٍ دستوري ومكفول وفق القانون الأساسي الفلسطيني، إنما لشرعنة الموجود وتجديد الشرعية، ما يعني إعادة إنتاج الانقسام من جديد.
ينتابني القلق والخشية من تكرار ما حدث بعد الانتخابات الماضية
وتابع عيسى حديثه لموقعنا: أنا كشاب في المُخيّم ويحق لي الانتخاب أشعر بسعادة لأنني سأمارس حقي الشرعي، ولكن في ذات الوقت ينتابني القلق لعدم وجود ضمانات حقيقيّة للتسليم بنتائج الانتخابات أو الخشية من تكرار ما حدث في الانتخابات الماضية، مُطالباً بتذليل العقبات والقيود الانتخابيّة التي تقيّد مشاركة الشباب في الترشّح للانتخابات، مُعبراً عن أمله في أنّ تكون الانتخابات مرحلة جديدة على أسسٍ وطنية وديمقراطية بعيداً عن النهج التفاوضي الاستسلامي.
اللاجئ الفلسطيني وضع الوطن عنواناً لحياته
وتوافق في الرأي مع عيسى، اللاجئ أيمن العر (25 عاماً) من مُخيّم دير البلح، إذ قال إنّ اصدار مرسوم الانتخابات أساساً جاء بسبب ضغطٍ اقليمي ودولي، أي ستكون نتائجه سلبيّة على ابن المُخيّم والمواطن بشكلٍ عام، وستحاول جميع الأطراف إبقاء الوضع على ما هو قدر الامكان وفق مصالحهم، أو إحداث تغييرٍ بسيط كرفع عتب.
وأكَّد أنّ المنتفعين من الانقسام سيحاولون عرقلة الانتخابات، وقد تحصل مفاجآت، لكن نسبة إفشال مخططاتهم ليست كبيرة لأن المرحلة القادمة لن يكون للقوة فيها مكان، حتى نتائج التشريعي ستكون مفاجئة ولا يمكن توقّعها بسبب تعدد القوائم وظهور تكتلات جديدة لم تكن موجودة في انتخابات 2006 مما يزيد احتمالية المفاجآت فغزة ناقمة على طرفي الانقسام.
وجرت آخر انتخابات للمجلس التشريعي في 25 كانون الثاني/ يناير عام 2006، وحينها فازت حركة حماس بـ 76 مقعداً في المجلس التشريعي، شكلت على إثرها حكومة للسلطة برئاسة اسماعيل هنية في التاسع والعشرين من آذار / مارس في ذات العام، إلا أن مصيراً مأساوياً واجهه الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية بعد اندلاع أحداث الانقسام بين حركتي فتح وحماس.
وبعد جولات مفاوضات مصالحة عدة طالت لـ14 عاماً تدعو السلطة لإجراء انتخابات للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، متجاهلة ملايين الفلسطينيين المنتشرين قسراً في مخيمات الشتات وحول العالم، وفق برامج سياسية محدودة بالمسار الذي رسمته السلطة الفلسطينية، وهذا ما لا يلبي طوح لاجئين فلسطينيين كثر، كاللاجئ محمد ضاهر (25 عاماً) من مُخيّم جباليا، الذي يقول: إن فترة الانتخابات ستشهد حملات ودعايات انتخابيّة عنوانها دعم المواطن اقتصادياً، وربما تكون هذه الفائدة الوحيدة التي سيشهدها البعض، مُؤكداً أنّ هذا غير مقبول عند ابن المُخيّم الذي رسم في عقله مسار بلدته الأصلية ووضع الوطن عنواناً لحياته، في إشارة إلى تطلعه لبرامج سياسية ونضالية تثمر عن تمثيل حقيقي لكل الفلسطينيين حول العالم وتضع رؤى واضحة المعالم لمواجهة الاحتلال واستعادة من سلب من أرض ووطن.
وبالانتقال إلى مُخيّمات الضفة المحتلّة، أكَّد الناشط عدنان العجارمة من مُخيّم عايدة في بيت لحم، أنّ ما يجري لا يدعو للتفاؤل إطلاقاً، وإذا أردنا التفاؤل فيجب أن تكون انتخابات ديمقراطيّة ونزيهة بعيداً عن المحاصصة التنظيميّة أي "تقسيم الكعكة" وتبقى غزّة كما هي والضفة كما هي، لافتاً إلى أنّ المطلوب انتخابات واضحة وشفّافة لأنّ ما يُحاك في أروقة الرئاسة العليا هو من أجل إعادة تبطين الأمور بشكلٍ ديمقراطي ولكن غير حقيقي وبعيداً عن التنافس الشريف.
هناك جيل من شباب المُخيّمات لم يخض التجارب الديمقراطيّة
وشدّد العجارمة خلال حديثه لموقعنا، أنّ هناك جيلاً من الشباب داخل المُخيّمات وخارجها لم يخض التجارب الديمقراطيّة الحقيقيّة، واليوم يُعاملوننا في المُخيّمات بمبدأ المحاصصة سواء في مسألة فيروس "كورونا" أو حتى في الانتخابات يقولون أنتم في المُخيّمات لكم كذا وكذا وهذا مرفوض ومعيب جداً لأنّ الثورة منذ البداية بُنيت على أكتاف اللاجئين الذين هُجروا من مدنهم وقراهم عام 1948، مُشيراً إلى أن الجميع له انتمائه السياسي الخاص به، ولكنّنا كلاجئين انتمائنا هو للوطن، ودائماً يحيلوننا إلى الحلول النهائيّة، ولذلك ما زلنا ندفع الثمن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعند اقتراب أي مناسبة مثل الانتخابات يصرفون للمُخيّمات مليون شيكل أو مليونين لاسترضاء أهالي المُخيّم وهذا أيضاً مُعيب بحقّنا.
وتابع العجارمة: للأسف في تجربة انتخابات المجلس الوطني تم استثناء المُخيّمات، وفي آخر دقيقة قال الرئيس أبو مازن إنه سيُرضينا بعد أن غضبت المُخيّمات، أعطى 32 مُخيّماً في الضفة وغزّة مقعدين فقط!! وهذا للأسف معيب ومخجل ومحل رفض، واليوم إذا رفض فلان أو خرج عن السياق قليلاً وطالب بالإصلاح يتهمونه بأنّه معرقل وتابع لتيار محمد دحلان حتى لو كان تاريخه مشرفاً فقط لأنه عارض مسؤول هنا أو وزير هناك.
في المخيمات لا نتطلع لتحسينات اقتصادية واجتماعية .. حاجتنا ماسة للحفاظ على حق العودة
ويؤكد العجارمة أنّ المُخيّمات لا تتطلّع لتحسيناتٍ اجتماعيّةٍ أو اقتصاديّةٍ أو بنيةٍ تحتيّة، بل ونحن في ظاهرة اللجوء كل تركزينا على أنّنا بحاجة ماسّة إلى أنّ يظل اللجوء وحق العودة من الناحية السياسيّة في سلّم الأولويات وليس في قاعه، فلا يعنينا "تزفيت" شارع في هذه المُخيّم أو ذلك لأنّنا نرفض العيش في المُخيّمات إلى الأبد، ومن حقنا أن يكون هناك سقفاً عالياً يمثل مطالبنا في الانتخابات القادمة بشأن الحدود الفلسطينيّة وإنهاء الانقسام والأهم من كل هذا هو حق العودة والابتعاد عمّا يُسمى "الحل الممكن"، والسعي جديّاً إلى تطبيق القرارات الأمميّة الخاصّة باللاجئين.
وفي تقريرٍ مصوّر أعدّه بوابة اللاجئين الفلسطينيين في وقتٍ سابق، قال أحد اللاجئين في مُخيّم العروب، إنّه لن يُشارك في هذه الانتخابات لأنّ المُخيّمات دائماً مُضّطهدة: الناس وصلت القمر ونحن باتت مشكلتنا كهرباء وماء وبنى تحتيّة، فيما قال لاجئ آخر: إنّه سجّل للانتخابات من أجل تحسين الواقع والتغيير من أجل قضية اللاجئين وتحسين ظروفهم داخل المُخيّمات.
وقال لاجئ ثالث من ذات المُخيّم يعمل كسائقِ أجرة، إنّه لن يُشارك في الانتخابات لأنّها لن تغيّر شيئاً: الرئيس سيبقى كما هو، وأعضاء المركزيّة كما هم، وأعضاء التشريعي كما هم، أي لن يحصل تغيير جذري.
يُذكر أنّ لجنة الانتخابات المركزية أعلنت، الأربعاء الماضي، عن إغلاق باب تسجيل الناخبين للمُشاركة في الانتخابات الفلسطينيّة 2021، بشقيها التشريعيّة والرئاسيّة، موضحةً في بيانٍ لها، أنّه وخلال عملية تسجيل الناخبين جرى تسجيل (421 ألف) فلسطيني، ليبلغ العدد الكلي للمسجلين 2.622 مليون بنسبة 93.3% من أصحاب حق التسجيل البالغ عددهم 2,809 مليون فلسطيني؛ وفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء.