مع إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، برزت معضلة كبيرة، لم تتمكن السلطة من حلها طيلة 25 عاماً من المفاوضات مع الاحتلال، وهي مدينة القدس بمخيماتها.
تقول السلطة التي لا تملك من أمرها شيئاً حيال عاصمة فلسطين بأنها ترغب في أن يشارك أبناء المدينة بالانتخابات، ولكن الاحتلال يرفض ويتعنت.
وتوقعات عدة تشير إلى أن يقدم الاحتلال الصهيوني على عرقلة هذه المشاركة.
وفي وقتٍ سابق، أعلن رئيس حكومة السلطة الفلسطينيّة محمد اشتية، أنّ الحكومة ستطلب رسمياً من "إسرائيل"، عدم عرقلة الانتخابات في شرقي القدس، فيما لم يوضح موعد تقديم هذا الطلب.
وتقول لجنة الانتخابات المركزيّة على موقعها الالكتروني: إنّ قدرة هذه المكاتب الاستيعابية لا تتعدى ما مجموعه 6300 ناخباً يوم الاقتراع، وعلى باقي المقدسيين في منطقة "القدس الشرقيّة" الاقتراع في مراكز اقتراع تقام في منطقة ضواحي القدس البالغ عددها 14 مكتباً.
ومن أبرز التحديات والمعيقات والممارسات التي تفرضها سلطات الاحتلال أمام الفلسطينيين في القدس: إغلاق الطرق وإقامة الحواجز العسكريّة، وجدار الفصل العنصري الذي يشكّل عقبة رئيسيّة في بعض المناطق أمام إنجاز العملية الانتخابيّة، كما تعرّضت مراكز تسجيل الناخبين في القدس للإغلاق من قِبل الاحتلال ومنع طواقم اللجنة من العمل داخل المدينة، واعتقل موظفو المراكز فيها أكثر من مرّة.
مُخيّم شعفاط
ولعل مُخيّم شعفاط وما يمثله من خصوصيّة بفعل إجراءات الاحتلال وتضييقاته، يوضح أحد أكثر أشكال ما يوصف بـ "الإهمال" من قبل السلطة في ظل الاستهداف الصهيوني.
ولكن، على ما يبدو يصر أبناؤه من اللاجئين الفلسطينيين على انتزاع دور لهم في العملية السياسية.
هو الحال مع رئيس اللجنة الشعبيّة في مُخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين محمود الشيخ، حيث كشف لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّه سيُرشّح نفسه للانتخابات التشريعيّة القادمة رغم كل المعيقات التي قد تواجهه ليحمل همّ المُخيّم وصولاً إلى تحسين حياة السكّان داخل مُخيّم شعفاط، بحسب قوله.
لن يكون هناك ممثلون بشكلٍ حقيقي للمُخيّمات
وبحسب الشيخ فإن "اللاجئ الفلسطيني متفائل بهذه الانتخابات من أجل تحسين ظروف الناس والمطالبة بحقوقهم السياسيّة لأنّ كل حقوق اللاجئين عقب اتفاقات "أوسلو" وما يُسمى "صفقة القرن" وقراراتها لم تعد في حسبان أحد، ولا أحد يتحدث عن حقوقهم بل يعملون على إنهاء هذا الملف بكل السبل".
ولفت الشيخ إلى أنّ "هناك 22 مُخيّماً في الضفة ولن يكون هناك من يمثل هذه المُخيّمات في الانتخابات القادمة، ومن الممكن أن يكون هناك ممثل واحد أو اثنان ولكن يتبعون للأجهزة الأمنية وينفذون أوامرهم، بعيداً عن إنقاذ المُخيّمات بشكلٍ جدي، ويبدو أنّنا سنبقى في المُخيّمات حتى نموت فيها تحت البرد والرطوبة والأمراض والسرطانات و"كورون"ا والمخدرات والجهل وفوضى السلاح، وأنا أتحدّث إليكم الآن لا يوجد عندي كهرباء، وقبل أيّام وجدنا المياه تخرج من تحت البلاط داخل المنزل وأتلفت أغلب فراش النوم، صدقاً لا أحد يسأل عنّا وهذا ما يريدونه، ولكن لن نفقد الأمل بشعبنا".
سأترشّح ولو تدخّلت كل الأجهزة الأمنيّة لمنعي
وتابع الشيخ: "نحن نعيش في المُخيّم، وليس في الماصيون ولا الجاردين ولا في روابي -أماكن فارهة بالضفة-، نحن نعيش مأساة حقيقيّة ليس بفعل الاحتلال فقط، بل مأساة القيادة الفلسطينيّة التي لا تسأل عن المُخيّمات، والآن سيسألون علينا في التشريعي؟! لا أعتقد، وبالرغم من ذلك اجتمع المكتب التنفيذي للاجئين لمُخيّمات الضفة بشأن الانتخابات وللأسف الشديد لا يوجد وحدة في هذا الاتجاه"، مُؤكداً أنّه لن ييأس.
وأردف الشيخ بالقول: سأرشّح نفسي للمجلس التشريعي من أجل المُخيّم، ولن أتنازل عن هذا الترشّح وهذا الحق حتى لو تدخّلت كل الأجهزة الأمنيّة والرئيس أبو مازن شخصياً لمنعي، لأنّ مدينة القدس هي العنوان، هي العاصمة، ويوجد لدينا في مُخيّم شعفاط أكثر من 100 ألف لاجئ يحملون الهوية المقدسيّة أي ثلث مدينة القدس لاجئون، والضفة ثلثاها لاجئون فقط داخل المُخيّمات، وأبسط دليل على إهمالنا عندما نرى القرية التي مساحتها 5 آلاف دونم يسكنها 3 آلاف شخص!، بينما مُخيّم شعفاط مساحته 203 دونمات يسكنه 100 ألف نسمة، هذا هو وضع المُخيّمات المأساوي.
وبيّن الشيخ في ختام حديثه مع "بوابة اللاجئين"، أنّه لن يكون هناك مراكز اقتراع داخل مُخيّم شعفاط، بل ستكون المراكز في مناطق عناتا والرام، وكما سمعنا أن الاحتلال موافق على إجراء الانتخابات ولن يعرقلها، وسنبقى دائماً محط تفاؤل ولن نيأس حتى تحصيل كل حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
وشارك الفلسطينيون من سكّان القدس في الانتخابات الفلسطينيّة التي جرت في الأعوام 1996 (تشريعيّة) و2005 (رئاسيّة) و2006 (تشريعيّة)، حيث جرت عمليات التصويت في حينه في 6 مراكز بريد تابعة للاحتلال داخل مدينة القدس وتم إرسال أوراق التصويت عبر البريد للجنة الانتخابات المركزيّة الفلسطينيّة.
من جهته، قال رئيس جمعية المرابطين في القدس يوسف أبو مخيمر، إنّ اللاجئين في المُخيّمات ينظرون للانتخابات القادمة بعين التفاؤل انطلاقاً من أنّها طريق للتغيير، والتي قد تكون الحد الفاصل ما بين الانقسام الفلسطيني والانفلات الرقابي والتشريعي وصولاً إلى انتهاء زمن تفرّد السلطة التنفيذيّة، وهذه الانتخابات ستأتي بمجلس تشريعي جديد يشكّل هيئة رقابيّة تضمن نزاهة الحكم وتحقيق الفصل بين السلطات الثلاث.
نريد ممثلين حقيقيين عن المُخيّمات
وبيّن مخيمر وهو لاجئ من مُخيّم شعفاط لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّه ينظر إلى الانتخابات بإيجابيّة كبيرة من أجل التغيير وإعادة النظر في كل السنوات السابقة والإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومتان في غزّة ورام الله من أجل مراجعتها وإخضاعها للصدقية البرلمانيّة.
وشدّد على أنّ اللاجئين ينتظرون الكثير من الانتخابات القادمة، أولاً يجب أن تقدّم هذه الانتخابات ممثلين حقيقيين عن المُخيّمات في المجلس التشريعي على عكس ما حصل في الانتخابات السابقة عام 2006، حيث لم يكن هناك تمثيلاً حقيقياً للمُخيّمات بسبب الانقسام وبقيت السلطة التنفيذيّة تمارس السلطة لوحدها دون رقابة، مُشيراً إلى أنّهم ينتظرون إفراز قيادات شابّة تعبّر عن المُخيّم وهمومه وآلامه ومراجعة للمرحلة الوطنيّة ووضع برنامج نضالي يعيد القضية الفلسطينيّة إلى مسار القضايا المقدّسة، ويجب إعادة حضور القدس أمام كل العواصم العربيّة والإسلاميّة.
وفي ختام حديثه، بيّن أنّ اللاجئين من خلال الانتخابات سيمنعون حالة اللاوعي التي يعيشها اليوم الجيل الجديد الذي لم يشهد الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية ولا حتى ترانيم العودة، وهذا الجيل خرج عن المسار ويعيش حالة من الغربة بفعل عدّة عوامل، ويجب علينا من خلال الممثلين الحقيقيين لنا في المجلس التشريعي إعادة هذا الجيل وإعطاءه كل ما يريد في سبيل خدمة قضيته السياسيّة بالأساس.
مُخيّم شعفاط ينطبق عليه ما ينطبق على مدينة القدس
بدوره، قال المتحدّث الرسمي باسم لجنة الانتخابات المركزيّة الفلسطينيّة فريد طعم الله لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ مُخيّم شعفاط للاجئين الفلسطينيين بحكم أنّه داخل مدينة القدس فينطبق عليه ما ينطبق على المدينة لأنّ سكّان المُخيّم يحملون الهويّة الزرقاء، لافتاً إلى أنّ اللجنة تنتظر رداً رسمياً من سلطات الاحتلال للسلطة الفلسطينيّة من أجل إجراء هذه الانتخابات.
وأشار إلى أنّ مُخيّم قلنديا مثلاً يختلف في هذه المسألة عن مُخيّم شعفاط بحكم وجوده خارج الجدار أي في ضواحي القدس وينطبق عليه ما ينطبق على أهل الرام ورفح وبلاطة ويشاركون في الانتخابات كغيرهم من الفلسطينيين، إلّا من هم داخل مدينة القدس فلهم حالة خاصّة، ولكن سكّان المُخيّمات بشكلٍ عام لهم كامل الحقوق والواجبات في هذه الانتخابات المرتقبة.
الأسبوع القادم يتم نشر عدد الناخبين في كل قريّة ومدينة ومُخيّم
وبشأن ما إذا أقدم الاحتلال على عرقلة سير العمليّة الانتخابيّة في مدينة القدس، شدّد طعم الله لموقعنا على أنّ لجنة الانتخابات لم يصلها حتى اللحظة الرد الرسمي لإجراء الانتخابات في مدينة القدس، وبمجرّد إبلاغنا سننشر للجمهور كل إجراءاتنا وفعالياتنا وكيفيّة تنفيذها في المدينة، لافتاً إلى أنّ اللجنة ستنشر الأسبوع القادم عدد الناخبين في كل قريّة ومدينة ومُخيّم بالتفصيل لعرضها على الجمهور بكل شفافيّة، وسيتم نشر السجل الانتخابي يوم الأوّل من مارس في 1090 مركز، ومن ثم في 20 مارس يُفتح باب الترشّح للقوائم الانتخابيّة ولن يكون هناك ترشّح للأفراد.
ويرى مراقبون أنّ البرامج الانتخابيّة للقوائم المتنافسة في الانتخابات وجديّة ما تطرحه للجمهور قد تؤثّر على مدى الإقبال والمُشاركة في هذه الانتخابات خاصّة إقبال أبناء المُخيّمات الفلسطينيّة في ظل ما يعانونه من ظلمٍ مركبٍ وتهميشٍ من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والسلطة الفلسطينيّة، حيث أنّ طرح هموم المُخيّمات في برامج القوائم الانتخابيّة المرتقبة قد يُساعد فعلاً في زيادة الإقبال والمُشاركة في الانتخابات برغم حالة اليأس واللاأمل المنتشرة في المُخيّمات بفعل قتامة المشهد السياسي الفلسطيني، ورغم ما توصف به هذه الانتخابات باللاشرعية والفاسدة.