ما يمرّ به لبنان اليوم، ليس مشهدًا من فيلم، أو رواية تاريخية، بل إنه واقع حقيقي يعيشه كل من يقطن على الأراضي اللبنانية.
واقع تحولت من خلاله الحياة إلى صراع من أجل النجاة، نجاة من الانهيار والاقتتال والجوع.
جوع تحوّل إلى اقتتال مواطنين لبنانيين داخل عدّة تعاونيات من أجل الحصول على مواد غذائية، كان جديدها ما انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مقطع مصور لعناصر أمنية لبنانية من جهاز "أمن الدولة"، تطلب فيه الهوية اللبنانية لتوزيع بعض المواد الغذائية المدعومة من الدولة على المواطنين اللبنانيين حصرًا دون اللاجئين أو النازحين أو الأجانب.
وظهر في الفيديو، امتناع عنصر "أمن الدولة" من إعطاء الأرز لسيدة من عاملات المنازل الأجانب، كانت قد طلبت منه الحصول عليه، إلا أنه ردّ عليها بإبراز الهوية، ثمّ أشار إليها للذهاب بعيدًا، فيما طلب من متبضعين غيرها إبراز الهوية اللبنانية لإعطائهم الأرز المدعوم لتأكيد جنسيتهم.
تصرف وصف بـ "العنصري" في بلد ينهار اقتصادياً بشكل متسارع، ليس الأول من نوعه، إنّما كان قد سبقه تصريحات من سياسيين ونشطاء طالبوا فيه بالامتناع عن توزيع اللقاح على اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، وتوزيعه على الشعب اللبناني ، وذلك من باب الأحقية، وفق قولهم، الأمر الذي رفضته الحكومة اللبنانية وهيئة الحوار اللبناني الفلسطيني، محذرين من خطورة ذلك.
ما نستغربه هو أن يكون هناك سلوك أو مقاربة خاطئة لمعالجة الانهيار الاقتصادي
مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، محمود الحنفي، قال "نتابع تدهور الأوضاع الاقتصاية والاضطرابات السياسية وانهيار الوضع المالي الصعب الذي يعيشه لبنان، ونشعر بقلق شديد إزاء هذا الوضع الذي يؤثر علينا كفلسطينيين بشكل مباشر، خاصة أنّ رفاهية لبنان واستقراره ينعكس علينا إيجابًا".
وأضاف الحنفي، خلال حديثه مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، أنّ "الأوضاع الاقتصادية والوصول إلى المواد الغذائية أضحت صعبة في هذه الأيام، ولأسباب كثيرة. ما نستغربه نحن إزاء هذا الوضع الصعب والظروف البائسة التي يعيشها لبنان، أن يكون هناك سلوك أو مقاربة خاطئة لمعالجة هذه القضية، من قبيل أن يتم التمييز بين الفلسطينيين واللبنانيين، الذين هم أساسًا يعيشون الظروف نفسها".
وأوضح حنفي، أنّ "ذهاب الفلسطيني إلى تعاونية هي عملية مشاركة في عملية الدفع المالي لقاء حصول اللاجئ لغذائه، شأنه شأن المواطن اللبناني".
وتابع: "مفتاح علاج هذه المشكلة، تكون باحترام حقوق الإنسان والمساواة والإحساس بالكرامة الإنسانية".
وأكد حنفي، أنّ "التعامل بهذه المقاربة الخاطئة واستخدام التصريحات العنصرية، لا تحلّ المشكلة الاقتصادية في لبنان"، داعيًا إلى "إيقاف إطلاق هذه التصريحات وعدم الخوض فيها لأنها قد تؤدي إلى نتائج كارثية".
وأشار حنفي، إلى أنّ "الممارسات العنصرية تدلّ على أنّ إطار العلاقة بين الدولة اللبنانية واللاجئين الفلسطينيين هي في الأساس علاقة غير سليمة، من حيث التمييز العنصري حينًا والمنع من العمل والتملك، والنظرة للفلسطيني بنظرة أمنية لا إنسانية، كل هذه الأمور توفرأرضية خصبة لإطلاق مثل هكذا تصريحات. لأنه لو كانت الدولة في الأساس تتعامل مع الفلسطيني نظرة إنسانية لما سمحت بخروج مثل هكذا تصريحات أو ممارسات تجاه الفلسطينيين".
وحذر مدير المؤسسة الحقوقية، من أنّ "تمادي هذه التصريحات، قد تؤسس وتهيئ الأرضية، لأعمال عنف قد تقع وأعمال تمس بحقوق الإنسان".
وكان الفنان اللبناني زين العمر قد أثار حفيظة لبنانيين وفلسطيين بإطلاقه عدد من التغريدات التي يتهم فيها اللاجئون (سوريون وفلسطينيون) بالمسؤولية عن الأوضاع التي آل إليها لبنان، ما استدعى إلى إطلاق منشورات وتغريدات للرد عليه.
#الفن_المقاوم #Salim_Assi
Posted by Salim Assi on Wednesday, March 17, 2021
تكذيب هذه المعلومات المغلوطة عن اللاجئين أمر واجب
من جهتها قالت الصحفية والناشطة اللبنانية، ياقوت دندشي، في حديثها مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين، إنّ "تحميل المأزق للاجئين الفلسطينيين والسوريين مرده لمن يروّج لهذه الفكرة، ولمن ينشر فكرة أن اللاجئين يتقاضون مساعدات بالدولار الأميركي، ولمن يروّج شائعات أنّ الفلسطينيين العاملين مع جهات دوليّة يتقاضون رواتب بالدولار أيضًا".
وأضافت دندشي، أنّ "تكذيب هذه المعلومات المغلوطة عن اللاجئين أمر واجب لمكافحة تحميلهم جزءًا من الأزمات. كما ينبغي الإضاءة على مسألة أن السلطات والجهات الداخلية اللبنانية تستفيد من وجودهم أكثر من عدمه، حيث نخر الفساد جسد السلطة حتى بات يتنفس من سرقة المساعدات الدولية المقدمة لنسبة من هؤلاء".
وتابعت، إنّ "هذه الممارسات تدلّ للأسف عن المرحلة الخطيرة التي وصلنا إليها، بسبب فقدان الأمن الغذائي. فهذا الواقع كفيل بأن يفرّق حتى المواطنين اللبنانيين بين طوائف وأحزاب، خاصة في صفوف ضعاف النفوس. أما وأن اللاجئين هم (الدخلاء)، فهذا يجعلهم الحلقة الأضعف التي ستحارب أولاً من أبناء الوطن كلما اشتدّت الأزمة".
وأردفت، "هذه العنصرية تدلّ على أنّ الإنسان يتخلى عن إنسانيته عندما يتعلق الأمر بأمنه الغذائي، وتحديدًا عندما يكون هناك (دخلاء)، يمكننا أن (نتخلص) منهم ثمنًا لصمودنا المزعوم في وجه خطر الجوع والفقر".
المطلوب الشعور بالمسؤولية والتآزر من قبل كِلا الطرفين وعدم الانجرار وراء التصرفات الخاطئة
أما الناشطة الفلسطينية، غادة عثمان، فقالت، إنّ "الممارسات العنصرية يمارسها بعض الأشخاص من ساسة أو مواطنين لبنانيين، الذين يستخدمون التمييز العنصري ضد اللاجئ الفلسطيني، ولأسباب سياسية باتت معروفة للجميع".
وأضافت عثمان، "أتحدث هنا تحديدًا عن اللاجئ الفلسطيني عوضًا عن غيره، لأنه لاجئ يقطن لبنان منذ ما يقارب من 80 عامًا، قصرًا وليس طوعًا، الأمر الذي حولنا كفلسطينيين ولبنانيين، إلى مزيج وخليط من الجنسيتين، فكثر منّا لديه أقارب لبنانيين، ما يعني أنّ وجود ساسة لبنانيين عنصريين، لا يعني أنّ جميع اللبنانيين عنصريين".
وأِشارت عثمان، إلى أنّ "ما جرى قبل يومين بتوزيع المواد الغذائية المدعومة، على الهوية، أمر يجرحنا ويؤلمنا بشدّة".
وتابعت: "أمام هذا الوضع أشفقت ليس فقط علينا نحن كفلسطينيين، فنحن قد تعودنا على هذه الممارسات، ولكن ألمي على اللبنانيين، الذين لم يجربوا قبل ذلك معاناة العنصرية ضمن بلدهم، الآن نراهم يقفون طوابير كي يحصلوا على مواد هنا وخبز هناك، وممن من مسائيل وزعماء كان يجب منهم أن يحتووا شعبهم".
وأوضحت عثمان، "بعض الممارسات العنصرية، التي بدأت تحصل مؤخرًا، هي نتاج الأزمة الراهنة، فانعكاس الأزمة الاقتصادية على بعض اللبنانيين وشعورهم بالخوف وحاجتهم لتأمين قوت يومهم، تدفعهم لممارسة تصرفات عنصرية وإن بشكل غير مباشر، لذلك المطلوب الشعور بالمسؤولية والتآزر من قبل كِلا الطرفين، وعدم الانجرار وراء التصرفات الخاطئة".
وكانت تصريحات عدّة قد خرجت في الفترة الأخيرة، من ساسة لبنانيين كانت أشهرها ما صدرت عن وزير الخارجية ووزير الطاقة السابق، جبران باسيل، وهو نائب لبناني حالي، هاجم فيها اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، محملًا إيّاهم مسؤولية التدهور الأمني تارة والانهيار الاقتصادي تارة أخرى. فيما أعضاء التيار الذي يرأسه باسيل نفسه، فكانوا سبّاقين أيضًا في مهاجمة اللاجئين الفلسطينيين والتحريض ضدهم، والطلب بمنع حصولهم على اللقاح المضاد لفيروس كورونا.
فيما لم يتوانى مسؤول حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في الطلب من الحكومة اللبنانية بداية أزمة كورونا، بمنع اللاجئين الفلسطينيين من الخروج من مخيماتهم، معتبرًا المخيمات بؤرًا تتفشى من خلالها فيروس كورونا.