تتواصل معاناة آلاف العائلات الفلسطينيّة في الداخل والخارج من الذين لا يمتلكون الرقم الوطني أو بطاقات "الهوية" الصادرة عن السلطة الفلسطينيّة التي لا تستطيع امتلاكها إلّا بموافقة سلطات الاحتلال الصهيوني، حيث تُطالب العائلات منذ سنواتٍ طويلة بحقٍ إنسانيٍ بسيط، وهو الحصول على لم شمل فلسطيني، وإثبات شخصية رسمي.

هذا الملف بقي لسنواتٍ طويلة -وما زال- حبيس أدراج الإدارة المدنيّة التابعة للاحتلال، ورهن تقصير المسؤولين في السلطة عن التحرّك في هذا الملف، حيث انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة حملة "لم الشمل حقي" لتسليط الضوء على معاناة أكثر من 100 ألف فلسطيني.

 

#لم_الشمل_حقي #نطالب_الوزير_حسين_الشيخ_بفتح_ملف_لم_الشمل #يجب_انهاء_معاناتنا استمراراً للخطوات التي تم تنظيمها وتأكيداً على تمسكنا بحقنا الشرعي والإنساني الذي تكفله لنا كل القوانين الدولية و انسجاماً مع القرارات والتوجه لتوسيع الأنشطة والفعاليات المختلفة يتشرف حراك لم الشمل بدعوتكم للمشاركة في الوقفة السلمية أمام وزارة الشؤون المدنية بمدينة رام الله يوم الأحد 28\3\2021 الساعة العاشرة صباحاً (بالتوقيت الصيفي) حضوركم تعبير عن دعم حقنا بإحتضان أطفالنا وأهلنا. الرجاء الالتزام بارشادات السلامة والمحافظة على ارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي..... دمتم سالمين....

Posted by ‎لم الشمل حقي‎ on Wednesday, March 24, 2021

ونظّمت حملة "لم الشمل حقي" في شهر شباط/ فبراير الماضي، وقفة أمام مقر هيئة الشؤون المدنية في مدينة البيرة بالضفة المحتلة للمطالبة بحل هذه الأزمة الانسانيّة حيث هناك بعض الأسر المُشتتة منذ نحو 20 عاماً، أي أنّ أحد الأبوين أو بعض الأبناء لا يسمح الاحتلال بإدخالهم في سجل السكّان الفلسطيني ولم شملهم.

كما أنّ السلطة الفلسطينيّة لا تمتلك أيّة سلطة لإجراء أي تغييرٍ على السجل السكّاني، سوى تسجيل المواليد والوفيات واستبدال بطاقات الهويّة التالفة.

آلاف العائلات الفلسطينية في الخارج لا تستطيع رؤية أبنائها

تقول إحدى المتضرّرات من هذا الملف، آلاء مطير لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ الضرر الأكبر على كل العائلات هو الضرر والضغط النفسي، إذ إنّ هناك آلاف العائلات لا تستطيع رؤية أبناءها، فمثلاً يستطيع الإنسان تدبّر أموره الماليّة، لكن الأمور النفسيّة وقعها وضررها أكبر على النفس،حيث السفر ممنوع، التنقّل بحريّة داخل الوطن ممنوع، مُؤكدةً أنّها لم تُغادر رام الله منذ عشر سنوات خوفاً من ترحيلها على يد الاحتلال إذ مرّت على أحد الحواجز العسكريّة بسبب أنّها لا تحمل هويّة فلسطينيّة.

تضيف مطير التي يقطن أهلها في الأردن أنّها منذ عشر سنوات لم تلتق بهم ومنذ عام 2007 وهي تنتظر معاملة لم الشمل وحتى اليوم لم يتحقّق مُرادها، وفي حال احتاجت إلى علاج في الداخل الفلسطيني المُحتل عام 1948 أو السفر للعلاج في الخارج فلا تستطيع ذلك.

تُتابع مطير حديثها لموقعنا: أنا مثلاً أهلي موجودين في الأردن وحاملين للجنسية الأردنية وأنا موجودة في رام الله لإني تزوجت هان في فلسطين على أمل منحي لم الشمل خلال عام، ولكن للأسف امتد هذا العام إلى أكثر من عشر سنوات، وإلى هذا اليوم لم أر عائلتي.

المشكلة الأساسيّة في هذا الملف هي عدم امتلاك آلاف الفلسطينيين للهويّة الفلسطينيّة أي غير مُضافين في السجل السكّاني، ومعظم هذه العائلات من الذين هاجروا على يد الاحتلال في العام 1948 إلى الأردن وتونس والجزائر وأوكرانيا وروسيا أو من غير اللاجئين الفلسطينيين وعادوا إلى الضفة المحتلة وقطاع غزّة لسببٍ ما، إمّا للزواج، أو للعيش داخل وطنهم حتى يومنا هذا لم يتم منحهم الهويّة الفلسطينيّة ويتعامل معهم الاحتلال تحت بند "المُخالفين".

تقول الفلسطينية مطير: إن ما يطالبون به هو حقٌ إنساني "أنا زوجي من رام الله وإلى اليوم أنا غير مُضافة في هويته، وفي حال ذهبت لزيارة أهلي في الأردن يتم منعي من العودة إلى فلسطين لأنني لا أحمل هويّة، مُؤكدةً أنّ السبب الأساسي في هذه المعاناة هو الاحتلال الذي يهدف إلى تهجيرنا على الدوام، وهو الذي يسعى إلى تشتيتنا قسرياً من أجل الهجرة وعدم العودة إلى فلسطين".

ذهب يمشي للعلاج وعاد لأمه بالكفن

وختمت مطير حديثها لموقعنا بالقول: هذا ما يُريده الاحتلال، وهناك عائلات ملّت من هذا الانتظار وهاجرت بلا عودة، وهناك صبيّة تُعاني مثلنا من هذا الملف، وفي يومٍ من الأيّام مرض طفلها الصغير وذهب وحيداً للعلاج في الداخل المحتل عام 1948 مدّة شهرٍ كامل وعندما عاد لها عاد ميتاً وملفوفاً بكفنه، وهي لم تكن معه ولم تعلم ماذا حل به هناك لأنها لا تمتلك هوية فلسطينية!.

معاناة لا تقتصر على هذه الفلسطينية وحدها، بل هناك قصصٌ أخرى أشد ألماً ووجعاً، سمير شناعة من غزّة الذي مثّل فلسطين في يومٍ من الأيّام في دولة الكويت من خلال رياضة كرة الطائرة يُعاني اليوم كغيره من عدم حل هذا الملف، وروى لنا ما حدث مع والده ووالدته في غزّة.

يقول شناعة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": ناهيك عن الحرمان من حرية التنقّل والعمل والخروج والعلاج والتعليم والسعر، فأنا هنا في غزّة منذ 25 عاماً بلا هويّة وحالتي النفسيّة صعبة للغاية وأصبحت عصبياً ولا أحتمل الحديث حتى مع أبنائي وأصدقائي بسبب هذه الضغوطات النفسيّة، ولا حتى أستطيع النظر في المرآة.

يُتابع: مثّلتُ دولة فلسطين في الكويت بكرة الطائرة لمدة أربع سنوات في فريق المدارس، وذهبت إلى بيروت واليمن والسعودية لأمثّل فلسطين، وجئت إلى قطاع غزّة أنا ووالدي ووالدتي ليس على مزاجنا بل نتاج خطأ سياسي فظيع ارتكبه "أبو عمار" عندما اصطف إلى جانب صدّام حسين في الحرب، بحسب قوله.

مثّلت فلسطين في المحافل الرياضية وتوفي والداي لحرمانهم من الرقم الوطني

يُضيف: في عام 2009 أصيب والدي بنزيفٍ دماغيٍ حاد فنقلناه إلى المستشفى وقالوا يجب تحويله للعلاج في الخارج فوراً، وعندما بدأت العمل في إجراءات تحويله للخارج أخبروني أنّهم لن يستطيعوا تحويله لأنّه لا يحمل "الرقم الوطني" وطلبوا مني نقله إلى البيت "وندعيله بالرحمة"، وفعلاً نقلناه إلى البيت واتصلنا على أخواتي لتوديعه، وفي صباح اليوم التالي توفي.

وأكمل شناعة حديثه: في عام 2017 مرضت والدتي وأصيبت بسرطان في القولون وتم استئصال 31سم من القولون وجزء بسيط من الكبد وأخبروني أنّها بحاجة إلى مسحٍ ذريٍ عاجل في مستشفى المقاصد بالقدس، وكما يقال في المثل "لفيت الكعبة" من أجل احضار نموذج رقم واحد (ورقة السفر الخاصة بالمرضى المحولين للخارج والتي يحصل عليها المريض بصعوبةٍ بالغة)، وبعد 100 ألف مناشدة حصلنا على هذا النموذج، وعند السفر استغربوا كيف حصلت على هذا النموذج ووالدتي لا تمتلك هويّة فمنعوها من السفر، وبالفعل عدت بها إلى البيت وبعد أسبوعٍ واحدٍ فقط توفيت.

يتساءل شناعة: أمي كانت سيّدة متعلّمة ومديرة مدرسة كاملة في دولة الكويت، إلى متى هذه المعاناة؟ وقبل فترة سافرت زوجتي وأولادي إلى مصر لحضور زفاف أختها وأنا بقيت وحيداً في المنزل!، وبسبب عدم امتلاكنا للهوية لا نستطيع التسجيل في أي معاملة أو مساعدة ولا أي شيء، أنا فلسطيني لاجئ ومهجّر، واليوم لا أحد يبحث عن حل معاناتنا والسلطة لا تقوم بدورها الكامل تجاه هذا الملف الإنساني الذي لا علاقة له بالسياسة إطلاقاً، وطوال حياتنا لم نسمع عن موت أحدٍ من قلة الرواتب ولكن والدي ووالدتي رحلوا عن الحياة لعدم وجود لم شمل.

المطلوب من السلطة الفلسطينيّة الضغط أكثر لحل هذا الملف

وتعقيباً على ذلك، أكَّد رئيس الهيئة الدوليّة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، الباحث الحقوقي صلاح عبد العاطي، أنّ ما يجري مع أصحاب ملف "لم الشمل" هو انتهاك من الانتهاكات التي يُمارسها الاحتلال الصهيوني بمنع لم شمل العائلات الفلسطينيّة والاستمرار في سياسة التهجير القسري وفرض المزيد من القيود أمام عودة اللاجئين أو المهجرين الفلسطينيين إلى وطنهم.

وبيّن عبد العاطي لموقعنا، أنّ ما يقوم به الاحتلال تجاه هذا الملف هو خرق صارخ لقواعد القانوني الدولي والقانون الدولي الإنساني وينبغي الضغط من قِبل المجتمع الدولي لضمان احترام حقوق الفلسطينيين ولم شمل العائلات الفلسطينيّة وخاصّة التي تتزوّج من العائلات في الخارج، مُشيراً إلى أنّ هناك في قطاع غزّة قرابة 22 ألف فلسطيني غير حاصلين على الهوية بحكم اتفاق أوسلو وهؤلاء يعيشون اليوم دون قدرة على السفر للخارج.

ورأى عبد العاطي أنّ المطلوب من السلطة الفلسطينيّة الضغط أكثر لحل هذا الملف وإصدار قانون الجنسيّة الفلسطينيّة لحماية هؤلاء المتضررين وضمان تمتعهم بحقوقهم من خلال الأوراق الرسميّة.  

يُشار إلى أنّ السلطة الفلسطينيّة لا تتحرّك بشكلٍ جدّي في هذا الملف وتلقي باللوم دائماً على الاحتلال وأنه لا يتعاطى مع الملف، حيث قال حسين الشيخ، رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة في تصريحٍ سابقٍ له، إنّ "إسرائيل تجمّد ملف لمّ شمل الفلسطينيين بقرار سياسي".

جدير بالذكر أنّه ومنذ عام 2000، تحظر سلطات الاحتلال "لمّ شمل" هذه العائلات، ووفق منظمة "بتسيلم" فقد ذكرت أنّه لا تتوفر معطيات حديثة حول عدد طالبي "لمّ الشمل"، لكن في عام 2006 كان عددهم أكثر من 120 ألف فلسطيني.

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين– أحمد حسين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد