"مضروبون بحجر كبير" وهو مثل عاميّ يُستخدم في سوريا، للدلالة على النظرة المُضخّمة لموقع الشخص الاجتماعي أو وضعه المادي، دون أن تعكس تلك النظرة شيئاً من واقع الحال الحقيقي، وهو ما بات ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ازاء نظرة بعض أشقائهم السوريين لهم على ضوء الانهيار المعيشي الكبير، وذلك بسبب معونة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا" التي يتلقاها الفلسطينيون كل 3 أشهر، ولا تكفي مصاريف المواصلات وفواتير الكهرباء الشحيحة، بحسب اللاجئ الفلسطيني "ابو يوسف" المهجّر من مخيّم اليرموك ويسكن في منطقة دمّر البلد بالعاصمة دمشق.
يعيش "أبو يوسف" في منزل لا تتجاوز مساحته 60 متراً مع زوجته وابنيه، في منطقة دمّر البلد، وهي ضاحية من ضواحي دمشق، قصدها بعد تهجيره عن مخيّم اليرموك لرخص أسعار الإيجارات فيها، ويدفع 38 الف ليرة سوريّة شهريّاً في منزله الحالي، وهو ثالث بيت يغيّره خلال 3 سنوات، حسبما قال لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
يشير " أبو يوسف" إلى أنّ آخر منزل استأجره والذي يعيش فيه الآن، أجرته أعلى من سابقه بـ 18 الف ليرة، وهو من أرخص المنازل في المنطقة، نظراً لمواصفاته المتدنيّة، حسب قوله، الّا أنّ صاحب المنزل بات يطلب زيادة في الأجرة مع تجديد العقد الذي ينتهي مطلع أيّار/ مايو المقبل، وحين استفساره عن سبب طلب الزيادة، بررها صاحب المنزل بأنّ "وكالة أونروا تدفع لكم بدل الايجار، وكما ترى الأسعار ترتفع المعيشة باتت صعبة".
وبحسب " أبو يوسف" فإنّ صاحب المنزل طلب 70 الفاً لقاء تجديد العقد، الّا أنّ المنزل لا يستحق هذا السعر، وهو ما قد يدفعه إلى البحث عن منزل آخر، في وقت تشهد فيه أسعار الايجارات ارتفاعاً كبيراً في معظم المناطق الطرفيّة للعاصمة دمشق، وقد تصل إلى 100 و 150 الف ليرة في بعض المناطق كقدسيّا وصحنايا وسواها، وهو ما لا تقوى أيّة اسرة فلسطينية مهجّرة من مخيّم اليرموك على دفعه حسبما أكّد لموقعنا.
حالة هذا اللاجئ المهجّر من مخيّم اليرموك، تُماثلها عدّة حالات أخرى في مناطق مختلفة من دمشق وضواحيها، ومنها ما حصل مع اللاجئ الفلسطيني " أبو علي الرفاعي" والذي يقطن منطقة "جديدة عرطوز" حيث يقول لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ "معونة الوكالة بدأت تُطمّع العالم فينا، وصرنا محسودين عليها" ولكن الرفاعي ليس لديه خيار آخر سوى الامتثال، كـ "أبو يوسف" حيث أنّ الانتقال إلى منزل آخر في ذات المنطقة أو إلى منطقة جديدة، يرتّب توقيع العقد وفق الأسعار الجديدة، والتي ارتفعت أكثر من 70 و 80 % عمّا كانت عليه قبل عام حسبما يؤكد الرفاعي.
ويضيف :" نحن نسكن في المنطقة منذ 3 سنوات، والمنزل الذي أسكنه أدفع أجرته 60 الف ليرة بعد الزيادة، بينما أصحاب المنازل الآن يطلبون في منطقة الجديدة 75 و 80 الف من أيّ مُستأجر جديد، بحجّة أنّ البلد تغلي والأسعار نار".
طلب الزيادة ليس فقط من اللاجئ الفلسطيني
ولعلّ حال أيّ بلد في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي، والانهيارات المتتالية على كافة المناحي كما يحصل في سوريا، يجعل الناس تنظر لبعضها بطريقة غير موضوعية، وتُصبح المُفاضلات غير منطقيّة، كأن يُنظر إلى من لديه أقارب في الخارج على أنّ وضعه أفضل من غيره، والآن يُنظر للفلسطينيين على أنّهم شريحة أكثر ارتياحاً بسبب تقديمات وكالة "أونروا" لهم بينما يعيش المواطن السوري على مرتّبه الشحيح إن كان موظّفاً، أو ما تدر عليه مهنته في وقت أصبح سوق المهن شبه متوقّف بسبب الانهيار الاقتصادي، بحسب رأي أفادنا به أحد المُشتغلين في الوساطة العقاريّة " سامر برهان" من العاصمة دمشق.
ويقول برهان لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ الفلسطيني حين يبحث عن منزل، يقصد الضواحي الأكثر طرفيّة وبعداً عن دمشق، نظراً لرخص أسعارها، نظراً لأوضاعه المعيشيّة المتدنيّة بعد تهجيره عن مخيّم اليرموك وغيره.
أصحاب العقارات يبحثون عن "المُستأجر الدسم" الذي غالباً ما يكون من عوائل المغتربين، أو موظفي القطاع الخاص والمنظمات غير الحكوميّة، والآن بعضهم بات يشمل اللاجئين الفلسطينيين
ويضيف برهان، أنّ مشكلة طلب أسعار مرتفعة للايجارات، لا تقتصر فقط على الفلسطيني، بل أنّ اصحاب المنازل، يطلبون أسعاراً مرتفعة من العائلات السوريّة التي لديها أبناء مهاجرين، بحجّة أنّ ابناءهم يرسلون لهم مبالغ بالعملة الصعبة، وفي الكثير من الأحيان يطلب منّا المُستأجر أن نتفاوض مع صاحب المنزل لتحصيل أقل سعر للمنازل.
ويشير برهان كذلك، إلى أنّ اصحاب العقارات، يبحثون عن "المُستأجر الدسم" الذي غالباً ما يكون من عوائل المغتربين، أو موظفي القطاع الخاص والمنظمات غير الحكوميّة، والآن بعضهم بات يشمل اللاجئين الفلسطينيين على اعتبار أنّهم يتلقون معونات ماليّة من وكالة "أونروا" ظنّاً منهم أنّها معونات دسمة.
تصوّر خاطئ عن تلك المعونات
تصوّر خاطئ من قبل العديد من السوريين عن مساعدات وكالة "أونروا" للاجئين الفلسطينيين، بدأ يتبلور خصوصاً بعد إعلان وكالة عن زيادة حجمها بالليرة السوريّة مؤخّراً، وهو ناجم عن عدم دراية ومُتابعة دقيقة لتلك المعونات التي تُقدّم كل 3 أشهر، ولقاء ماذا يجري تقديمها، بحسب الموظفة السابقة في وكالة "أونروا" هناء نصار من سكّان مخيّم اليرموك سابقا وتقيم حاليا خارج سوريا.
الوكالة تتعامل مع اللاجئين المهجّرين كسواهم، وكأنّ لا استحقاقات إضافيّة تترتّب عليهم، كدفع الايجارات والمستحقات التي تطرق الأبواب كل آخر شهر
وتقول نصّار لـ " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّه من خلال مُتابعاتها لأوضاع الناس في سوريا، ولحجم المعونات التي تقدّمها الوكالة لهم، فإنّ هناك تقصيراً كبيراً لا يفهمه العامّة من الناس، حيث أنّ تلك المعونات الماديّة غير مدروسة، ولا تُراعي الحالات المتباينة، حيث أنّ الوكلة تقدّمها كدعم معيشي للاجئين انطلاقاً من دورها الإغاثي تجاه اللاجئين في ظل الانهيار، وهي ليست كبدل لإيجار المنازل لشريحة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا وفقدوا كل ما يمتلكوه في مخيماتهم.
وتضيف، أنّ الوكالة تتعامل مع اللاجئين المهجّرين كسواهم، وكأنّ لا استحقاقات إضافيّة تترتّب عليهم، كدفع الايجارات والمستحقات التي تطرق الأبواب كل آخر شهر، لافتةً إلى أنّ التصوّر الشعبي في سوريا عن معونات الوكالة للفلسطينيين، مُلتبس ودائماً ما يُختلط مع تصورهم عن موظفي الوكالة وعائلاتهم ومستواهم المعيشي الجيد نسبياً، و الذين يتقاضون أجوراً أكبر من الحد الأعلى للأجور في الوظائف الحكومية، بينما هذه الشريحة لا تتعدّى 5% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
هذا التصوّر الخاطئ يصفه اللاجئ " أبو يوسف" بأنّه مُدمّر، ويقول :" أحيانا صرنا نقسم بأنّ معونة الوكالة لا تكفي ثمن طعام، ولا نستطيع فيها شراء كيلو لحمة بالشهر، وبعض الناس لا يراعون أننا لا نمتلك منازل، ونعاني أكثر من غيرها، فكل شيء غالي الثمن، المواصلات، الاكل الشرب الفواتير، مصاريف المدارس، التدفئة بالشتا والكثير من الالتزامات".
وتأتي هذه المُعاناة الإضافيّة، وغير العامّة بالضرورة، وإنمّا بدأت تُسجّل بشكل يُنذر بالتفاقم، لتُضيف أعباءً ماديّة ونفسيّة على المهجّرين من مخيّم اليرموك والمخيّمات المنكوبة الأخرى، الذين يعيشون حالة من التشرّد منذ أكثر من ستّ سنوات، بينما تواصل الجهات الرسميّة السوريّة في مماطلاتها بإعادتهم إلى مخيّماتهم وإعادة إعمارها، حتّى تملّك الكثير منهم اليأس من الوعود.
وكانت وكالة "أونروا" قد قالت إنّ نحو 91% من اللاجئين الفلسطينيين من أصل 438 الف لاجئ، يعيشون في فقر مطلق، فيما يعيش 40% منهم واقع نزوح داخلي، في ظل تدهور في الظروف المعيشيّة بشكل أكبر نتيجة الأزمة الاقتصاديّة وزيادة أسعار السلع الأساسيّة، وهي أرقام تعكس واقع حال اللاجئين الفلسطينيين وخصوصاً المهجّرين، بينما لا تقدّم الوكالة سوى مبلغاً ماليّاً لا يتجاوز 6 دولارات كل 3 أشهر، فيما تتواصل قيمته الشرائية بالانهيار بسبب انهيار قيمة العملة السورية المتواصل امام الدولار.