تُحرم عائلة الأسير الجريح نور البيطاوي من مُخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين من ممارسة طقوس هائنة خال شهر رمضان، إذ يواصل الاحتلال اعتقال البيطاري منذ فجر الثامن من شباط/ فبراير الماضي بعد أن أطلق عليه جنود الاحتلال الرصاص الحي، وأصابوه إصابة مباشرة في البطن، ونُقل على إثرها إلى مستشفى "العفولة"، بوضعٍ صحي خطير، حيث بقي تحت أجهزة التنفس الاصطناعي.
وبالتزامن مع اليوم الخامس من شهر رمضان تحل مناسبة يوم الأسير الفلسطيني التي توافق يوم السابع عشر من نيسان/ إبريل في كل عام، وبهذه المناسبة تحدّث "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع أم أحمد، شقيقة الأسير نور، التي وصفت كيف أن أنّ شهر رمضان فقد طعمه ومذاقه وطقوسه في بيت الأسير الجريح، حيث يعيش جميع أفراد العائلة وأهالي المُخيّم بحزنٍ عميق بسبب غياب نور عن كل هذه الأجواء التي من المفترض أن تكون جميلة.
أصابوه برصاصٍ قنّاص أمام زوجته وطفلته وضربوه بعد الإصابة
وقالت أم أحمد: شقيقي نور كان يقيم صلاة التراويح في مسجد المخيم خلال رمضان، وكان يجمع الأطفال ويعلّمهم الصلاة والتهليل والتكبير في الأعياد.. فعلاً يفتقده اليوم حتى أطفال المُخيّم في هذه الأوقات.
وبالعودة إلى يوم الاعتقال، تصف أم أحمد التي حضرت لحظة الاعتقال كيف فجّر جنود الاحتلال باب المنزل واقتحموه وأصابوا نوراً برصاصٍ قناص في بطنه من نوع "رصاص الدمدم"، وبعد إصابته قاموا بعمل إسعافات أوليّة له، وكلمّا كان نور ينطق الشهادتين كانوا ينهمرون عليه بالضرب المبرح وهو مضرج بدمائه وكانت إصابته مباشرة في منطقة البطن وحالته الصحيّة ساءت على الفور.
وبعد دقائقٍ من الصمت، أضافت أم أحمد بعد أن أنهت تنهيدتها: لقد أطلقوا عليه النار أمام زوجته وطفلته الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاثة شهور فقط، وعندما رأى جنود الاحتلال أن زوجته مرعوبة من هول المشهد أطلقوا عليها قنبلة صوتيّة، ولكن بحمد الله لم تُصب بأذى، وعقب ذلك لفوا جسده بالقصدير ونقلوه إلى مستشفى العفولة لتلقي العلاج، ومن هُنا بدأ التعتيم على الحالة الصحيّة لنور.
يرقد في عيادة سجن الرملة سيّئة الصيت والسُمعة في وضع صحي خطير للغاية
تُكمل أم أحمد: بعد يومين أخبرونا أنّ نوراً في العناية المكثّفة وعلى أجهزة التخدير ووضعه الصحي سيء جداً، ومن هنا بدأت حالة من القلق تراودنا لم تنته حتى يومنا هذا لأنّه تم استئصال جزء من أمعاء نور جرّاء الإصابة، واليوم نور يستخدم "كيساً خارجياً" للتبوّل ويتنقّل على كرسيٍ متحرّك لقضاء حاجيّاته اليوميّة بعد أن نقلوه بين ليلةٍ وضحاها وبشكلٍ مفاجئ إلى "عيادة سجن الرملة" سيّئة الصيت والسمعة التي تفتقر لأدنى المقومات الطبيّة، وهذه العيادة فقط مشهورة بالمسكنات وحبّات "الأكامول" التي يتم إعطاؤها للأسرى المرضى مهما كان مرض الأسير خطيراً.
وتُشير أم أحمد إلى أنّ نوراً عُرض على ثلاث محاكم خلال فترة اعتقاله، وجلسة المحكمة الأخيرة كانت يوم الأربعاء الماضي من داخل زنزانته عبر الفيديو وتم التأجيل كما كل مرّة من غير إصدار أي حُكم، وأخبرنا المُحامي أنّ وضعه الصحي غير مستقر حتى اللحظة، وطوال فترة اعتقاله لم يزره الطبيب إلّا مرّة واحدة بالرغم أنه بحاجة ماسّة إلى متابعة طبيّة دوريّة لخطورة حالته الصحيّة.
زوجته لم تتعرّف على صوته من شدّة ألمه
وخلال وجود الأسير نور في المستشفى، هاتف عائلته مرّةً واحدة فقط، وعندما تحدّث إلى زوجته لم تعرفه للوهلة الأولى لتغيُّر صوته بسبب وضعه الصحي، ولكن عندما تكلّم عرفته زوجته، وكل ما تحدّث به هو أنّه يُعاني من ظروفٍ صحيّة صعبة وبشكلٍ مستمر، والحديث هّنا لأم أحمد التي تمالكت نفسها وأكلمت حديثها: كل الكلمات لن تفي وصف ما يمر به نور داخل السجن، نحن الآن نفتقد نور خاصّة وأنّه بمثابة الأب لنا جميعاً، وبعد أن فقدنا والدتنا خلال فترة اعتقاله الأولى عاد هو بعد تحرّره السابق ليُعيد البهجة والفرح إلى البيت، ورمضان الماضي كان الأوّل لنور وهو لديه عائلة ومتزوّج وكنّا نجتمع على مائدةٍ واحدة، وحاولنا تغطية جراحنا القديمة والبدء من جديد، ولكن اليوم وفي شهر رمضان فعلاً مقعد نور فارغ على مائدة الإفطار وفي أوّل يوم تجمّعنا بدون نور كان الحزن هو السائد في كل أرجاء المكان، حتى أنّنا أصبحنا نتعمّد عدم طهي أي وجبة كان نور يحبّها لنتلاشى دموعنا التي لا تجف لأنّنا نعيش حالةً من القلق والخوف عليه خاصّة وأنّ جلسة محاكمته القادمة ستكون بتاريخ 20 أيار/مايو القادم، وإلى ذاك الحين لا نعرف أي أخبار عن نور ولو حتى معلومةٍ واحدة تطمئِن قُلوبنا وتهدّئ من نارنا.
الأسير البيطاوي نموذج لمحاولات الإعدام الميداني
وفي السياق، رأى المتحدّث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين المستشار حسن عبد ربّه خلال حديثه لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ الأسير نور البيطاوي نموذج للحالات التي تعرّضت لمحاولات إعدام ميداني على أيدي جنود الاحتلال، وكان الأسير البيطاوي تعرّض لإطلاق نارٍ مباشر من الجنود ما أدّى لإصابته بعدّة رصاصات استوجبت نقله للمشفى وأجري له عدّة عمليّات جراحيّة عاجلة نتيجة تلك الإصابات.
وبمُناسبة يوم الأسير الفلسطيني، أكَّد عبد ربه أنّ هناك 550 أسيراً فلسطينياً داخل سجون الاحتلال يُعانون من الأمراض المختلفة، وهناك أكثر من 10 أسرى يعانون من أورام سرطانيّة خطيرة.
4500 أسير يقبعون في سجون الاحتلال
وبهذه المُناسبة أيضاً أصدرت مؤسّسات الأسرى الفلسطينيّة: (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، ومركز وادي حلة – القدس)، تقريراً قالت فيه إنّ 4500 أسير/ة يقبعون في سجون الاحتلال بينهم 41 أسيرة، و140 طفلاً، تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وتتعمّد إدارة سجون الاحتلال تعميق انتهاكاتها وسياستها التّنكيلية الممنهجة بحقّهم، عبر بنية العنف المتمثلة في تفاصيل أدواتها وسياساتها كافة، والهادفة إلى سلب الأسير الفلسطيني فاعليته وحقوقه الإنسانيّة.
وحسبما جاء في التقرير، فإنّ هناك (4500) أسير/ة يقبعون في (23) سجن ومركز توقيف وتحقيق، و(41) أسيرة يقبعن غالبيتهنّ في سجن "الدامون"، و(140) طفلاً وقاصراً، موزّعين على سجون (عوفر، ومجدو، والدامون).